"صراع الهيمنة".. هل يدخل العالم في شرك حرب باردة جديدة؟
بينما يشهد العالم صراعاً على الهيمنة بين القوى الكبرى، فإن المخاوف بشأن حرب باردة جديدة لها ما يسوّغها. ومع استمرار التنافس على الهيمنة الاقتصادية، والتفوق التكنولوجي، تتصاعد المخاوف من اشتعال فتيل مواجهة جديدة.
"صراع الهيمنة".. هل يدخل العالم في شرك حرب باردة جديدة؟ (Others)

وسط الصراعات الإقليمية والترابطات الاقتصادية المعقدة، وظهور لاعبين عالميين جدد، يبدو أن المشهد العالمي يمر بتحول زلزالي، ما يثير تساؤلات حول احتمال دخول العالم في شراك حرب باردة جديدة، ولا سيما أن مفهوم الهيمنة قد عاد للتمركز مرة أخرى في طليعة العلاقات الدولية.

سبق وشكلت الحرب الباردة، وهي فترة توتر سياسي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من أواخر الأربعينيات إلى أوائل التسعينيات السياسة العالمية بشكل أساسي. وتميزت تلك الحقبة بالتنافس الأيديولوجي، والحروب بالوكالة، وسباق التسلح، وكل ذلك مدفوع بالسعي وراء الهيمنة والتأثير بين القوتين العظميين. انقسم العالم حينها إلى كتلتين مختلفتين، تتنافس كل منهما على السيادة وتحاول تصدير أنظمتها السياسية والاقتصادية.

واليوم، هناك مؤشرات إلى أن النظام الدولي يشهد مرة أخرى عودة المنافسة بين القوى العظمى. تواجه الولايات المتحدة، باعتبارها القوة العظمى المهيمنة حالياً، تحدياً متزايداً من الصين، التي دفعها نموها الاقتصادي وتحديثها العسكري إلى صدارة الشؤون العالمية. و تسبب هذا التحول في ديناميات القوة إلى إثارة مخاوف، ما أدى إلى تجديد التركيز على مجالات النفوذ السياسية والاقتصادية، إضافة إلى العسكرية والتكنولوجية.

ساحات صراع جديدة

برزت المنافسة الاقتصادية كساحة معركة كبيرة للتأثير العالمي. انخرطت الولايات المتحدة والصين في حرب تجارية طويلة الأمد، وفرضتا تعريفات وقيوداً على سلع وخدمات بعضهما بعضاً. لم يؤثر هذا الصدام في العلاقات الثنائية فحسب، بل امتد أيضاً إلى الاقتصاد العالمي.

يشمل الصراع من أجل الهيمنة الاقتصادية قضايا مثل التفوق التكنولوجي وحقوق الملكية الفكرية والسيطرة على الصناعات الاستراتيجية، إذ يحاول كل جانب الحصول على ميزة تنافسية وحشد حلفائه لينضموا إلى الفرق التي تقودها كل من بكين وواشنطن.

وأصبحت التطورات التكنولوجية مركزية في الصراع من أجل الهيمنة. إن تطوير التقنيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس والحوسبة الحكومية، له آثار بعيدة المدى في النمو الاقتصادي والأمن القومي وتوازن القوى. تستثمر كل من الولايات المتحدة والصين بكثافة في البحث والتطوير، إذ يسعى كل منهما لقيادة الطريق في تشكيل مستقبل التكنولوجيا.

وبينما كان الشرق الأوسط، على سبيل المثال، مسرحاً للصراعات الإقليمية التي تؤكد فيه القوى الكبرى نفوذها، غالباً من خلال صراعات بالوكالة، يمكن اليوم ملاحظة ديناميكيات القوة المماثلة في مناطق أخرى، مثل أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي، إذ يمكن للمصالح المتنافسة أن تتصاعد إلى صراعات أوسع.

هل العالم على شفا حرب باردة جديدة؟

في مقال تحت عنوان "هل العالم على شفا حرب باردة جديدة؟" نشره موقع الإندبندنت، أشار الكاتب بورزو داراغاهي إلى أن مجلة فورين بوليسي للأخبار والرأي الأمريكية المؤثرة نشرت في أسبوع واحد فقط ما لا يقل عن ستة مقالات تطالب صانعي السياسة الأمريكيين والغربيين بمواجهة الصين بقوة أكبر بشأن حقوق الإنسان والشحن والتمويل وتغير المناخ والحوسبة الحكومية والرقائق الدقيقة.

ولفت الكاتب إلى مقال آخر دعت فيه واشنطن إلى إنشاء "مجلس حرب اقتصادية" لإضافة عنصر مالي إلى الموقف العسكري ضد الصين. وهو ما دفع داراغاهي للتساؤل عما إذا هناك حرب باردة جديدة تفرض على العالم - حرب يمكن أن تشكل الحياة والأمم لعقود قادمة.

وفي حين أن بوادر حرب باردة جديدة باتت واضحة لجميع المراقبين، بات من الضروري إدراك أن العالم قد تغير بشكل كبير منذ حقبة الحرب الباردة الأصلية. فلقد خلقت العولمة والترابط والاعتماد المتبادل بين الدول شبكة معقدة من العلاقات لا يمكن التراجع عنها بسهولة. كما من مصلحة جميع البلدان متابعة التعاون والحوار والتعددية كوسيلة أساسية لمواجهة التحديات المشتركة مثل تغير المناخ والأوبئة والتفاوتات الاقتصادية.

غياب الاستراتيجية الأمريكية

في مقال نشره موقع فورين أفيرز، يرى الكاتب جاستن وينكور أن ذاكرة عصر الهيمنة الأمريكية تعيق السياسة الخارجية للولايات المتحدة أكثر مما تفيدها. مشيراً إلى أن التناقض بين حقائق اليوم وتاريخ الحرب الباردة قد أدى إلى إعاقة البحث عن استراتيجية أمريكية جديدة، وأن تاريخ الحرب الباردة قد أصبح قيداً يقيد الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون إلى العالم. من خلال السيطرة على معرفتهم بالماضي، فإن ذلك يفسد كيفية فهمهم للصراع، وكيف يتعاملون مع المشكلات وتحليلها.

وقال وينكور: "لما يقرب من 80 عاماً، كانت سياسة الولايات المتحدة مبنية على هيمنة الدولة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والسياسية. سمحت هذه الهيمنة للولايات المتحدة بالسعي إلى الاستسلام غير المشروط لقوى المحور المنهكة في الحرب العالمية الثانية، واحتواء الاتحاد السوفييتي الصاعد ولكن المدمر بالحرب، وتغيير النظام في أفغانستان والعراق".

وأردف قائلاً: "اليوم، يتفق معظم المحللين على أن انخفاض حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتضييق المزايا العسكرية، وتقليل التفوق التكنولوجي، وتراجع التأثير الدبلوماسي يعني أن واشنطن ستواجه قريباً عالماً متعدد الأقطاب للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فإن الأمريكيين لا يزالون مأسورين بأفكار من حقبة تلاشت عندما سادت قوتهم".

يذكر أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان سبق وجادل بأن الولايات المتحدة يجب أن ترفض "الاحتواء الجديد"، وأن "بنية الحرب الباردة القديمة للكتل ليست متماسكة"، وأن على الولايات المتحدة "الانتباه إلى دروس الحرب الباردة بينما ترفض فكرة أن منطقها لا يزال سارياً ". بينما قال وزير الدفاع لويد أوستن: "نحن لا نسعى إلى حرب باردة جديدة، أو حرب آسيوية جديدة الناتو، أو منطقة منقسمة إلى كتل معادية".

TRT عربي