عيد الفطر في المغرب.. صلة رحم وتضامن وحلويات وأزياء تقليدية
عيد الفطر أو "العيد الصغير" كما يسميه المغاربة، يوم مميز تسبقه استعدادات وتحضيرات قبلية تستمر طيلة الأسبوع الأخير من رمضان.
عيد الفطر في المغرب (TRT Arabi)

وتعد هذه المناسبة الدينية فرصة لتقوية العلاقات العائلية وتعزيز قيم التضامن ونشر الفرح والسرور، ويحرص المغاربة في العيد على ارتداء الملابس التقليدية، فيما تتفنن النساء في تحضير حلويات متنوعة لاستقبال الزوار صبيحة العيد.

وتعد زكاة الفطر أو "الفطرة" ممارسة أساسية يختم بها المغاربة شهر الصيام، فيخرجونها في الغالب ليلة العيد أو صبيحته لفائدة الفقراء والمحتاجين في محيطهم العائلي أو الجيران، ويكون للنفار أو المسحراتي نصيب منها بعد أسابيع من العمل الدؤوب والمتواصل لإيقاظ الناس للسحور، بينما يفضل آخرون إعطاءها لجمعيات خيرية تتكفل بتوزيعها على الأسر المعوزة.

حلويات تقليدية وعصرية

تحرص الأسر المغربية في عيد الفطر على استقبال الضيوف بأطباق حلويات متنوعة، ولهذا الغرض تقصد بعض النساء المحالّ لشراء ما يرغبن فيه، حيث تتنوع العروض وتختلف حسب القدرة المادية لكل أسرة.

وتلجأ بعضهن إلى النساء الحلوانيات لشراء حلويات تحت الطلب، فيما تفضل أخريات تحضيرها بأيديهن مستعينات بخبرتهن، أو يجدن ضالتهن في قنوات الطبخ في اليوتيوب حيث المنافسة محتدمة في عرض وصفات متنوعة لشتى الحلويات. ومع إعلان ثبوت هلال شهر شوال، تشمر النساء عن سواعدهن، ويحضّرن فطائر العيد التقليدية مثل "المسمن" و"البغرير" التي تزين مائدة إفطار العيد إلى جانب الحلويات وكؤوس الشاي المغربي، وتظل المائدة ممتلئة بشتى الأطباق طيلة اليوم لاستقبال المهنئين.

تحرص الأسر المغربية في عيد الفطر على استقبال الضيوف بأطباق حلويات متنوعة (TRT Arabi)

وعلى بعد أيام من العيد عاين موقع TRT عربي الإقبال على بيع الحلويات في أحد المحالّ الشهيرة وسط العاصمة الرباط.

تتحرك العاملات بملابسهن التقليدية الموحدة مثل خلية نحل لتلبية طلبات الزبائن من حلويات العيد التقليدية والعصرية والمملَّحات والفطائر.

يقول إبراهيم صاحب محل "شيف دوفغ" لـTRT عربي إنهم يسعون لإرضاء جميع الأذواق، لذلك يوفرون أنواعاً مختلفة من الحلويات المصنوعة من اللوز والسمسم والشوكولاتة وغيرها.

ومع ذلك، يشير إبراهيم إلى تراجع الإقبال مقارنة بالسنوات الماضية بسبب أزمة كورونا التي أضرت مادياً بالكثير من الأسر، وانعكس ضعف الطلب على المنافسة والعروض.

ومن أهم الحلويات التي تزين الموائد يوم العيد حلوى كعب الغزال والفقاص والغريبة وحلويات الصابلي بأنواعها الكثيرة. ويتبادل الجيران والعائلة صبيحة العيد أطباق الحلويات فيما بينهم، كطقس يحيل على التضامن والمشاركة.

ملابس تقليدية وحناء

وتبدأ الاستعدادات لاستقبال عيد الفطر في المغرب في الأسبوع الأخير من رمضان، إذ تغص المحالّ التجارية والأسواق بالراغبين في شراء ملابس العيد للأطفال والكبار.

يميل الكبار إلى شراء ملابس تقليدية جاهزة مثل الجلباب والجابادور والقندورة والقفطان (TRT Arabi)

ويميل الكبار إلى شراء ملابس تقليدية جاهزة مثل الجلباب والجابادور والقندورة والقفطان، إذ تتنافس المحالّ في عرض أزياء تقليدية متنوعة ومختلفة في الأثواب والألوان والتصاميم وصنعة "المعلم"، فيما يلجأ آخرون في وقت مبكر في شهر رمضان إلى مصممين وخياطين لخياطة زي تقليدي خاص بالعيد. أما الصغار ففي الغالب يرتدون ملابس عصرية، ويرافقون آباءهم للسوق لاختيار لباس العيد وقياسه.

وتعتبر الحناء من العادات المرتبطة بعيد الفطر، إذ تميل النساء كبيرات السن إلى تخضيب أيديهن بالحناء، أما الشابات والطفلات فيلجأن إلى نقاشات محترفات لنقش أيديهن وأرجلهن بنقوش حناء بأشكال هندسية مختلفة، وللحناء في المغرب مكانة خاصة فهي تحضر بقوة في المناسبات الدينية والاحتفالات المهمة، إذ يعتبرها المغاربة دلالة على التفاؤل والفرح.

الفرح للجميع

وتعد التفكيرة أو التفكيدة (التفقد) واحدة من أهم العادات في عيد الفطر، حيث تهدي أسرة العريس في هذه المناسبة خطيبة ابنها هدايا خاصة، تكون عبارة عن لباس تقليدي ونعل تقليدي "شربيل" وقطعة ذهب وهدايا أخرى حسب الإمكانيات المادية لكل أسرة، وذلك لتقوية العلاقات بين الخطيبين وإسعاد الزوجة المستقبلية.

تعتبر الحناء من العادات المرتبطة بعيد الفطر، إذ تميل النساء كبيرات السن إلى تخضيب أيديهن بالحناء، أما الشابات والطفلات فيلجأن إلى نقاشات محترفات (TRT Arabi)

ولا يقتصر إدخال الفرح والسرور على الأطفال الصغار فقط، بل يكون للكبار نصيب من الفرح، وكما تسعد الأسر أبناءها بملابس العيد، يكون الحرص أيضاً على شراء لباس تقليدي للآباء. وفي ذلك رسالة أنهم في دائرة اهتمام أبنائهم.

وكما تنتشر الأعمال التطوعية طيلة شهر رمضان بتوزيع قفة رمضان وإفطار الصائمين، تتواصل روح التضامن في الأيام الأخيرة منه وتبلغ ذروتها، إذ تنشط الجمعيات الخيرية في توزيع كسوة العيد على الأطفال الأيتام. وإلى جانب الجمعيات المدنية المنظمة، ينخرط الأفراد في أعمال خيرية ذاتية، ومن هؤلاء الشاب بلال كركيش الذي أطلق برفقة عدد من أصدقائه مبادرة إنسانية في مدينة تطوان شمال المغرب، وعمل هؤلاء الشباب على جمع التبرعات من محيطهم وشراء ملابس العيد للأطفال الأيتام والأطفال المنحدرين من أسر فقد معيلها عمله خلال أزمة كورونا بالمدينة، ويقول بلال لـTRT عربي إن نحو 60 طفلاً استفادوا من هذه المبادرة من بين 100 طفل مستهدفين بها.

صلة الرحم

وعيد الفطر في المغرب مناسبة لإحياء صلة الرحم وتقوية الروابط الأسرية والاجتماعية، ويجتمع أفراد العائلة في الدار الكبيرة، أي منزل الجد والجدة، للاحتفال بهذا اليوم المميز وتناول وجبة الغداء.

لا يقتصر إدخال الفرح والسرور على الأطفال الصغار فقط، بل يكون للكبار نصيب من الفرح (TRT Arabi)

ولا تغلق البيوت في الأحياء الشعبية أبوابها حيث تستمر زيارات الأقارب والجيران والمعارف طيلة اليوم لتبادل التهاني، وفي المساء تفضل بعض الأسر الخروج إلى المنتزهات والحدائق العامة.

وكما كان للأطفال مكانة أساسية طيلة شهر رمضان بتشجيعهم على الصيام والاحتفال بالصائمين الصغار، فلهم في العيد اهتمام خاص إذ يحرص أفراد العائلة والأقارب على منحهم العيدية لإسعادهم في هذه المناسبة.

لا يكتمل عيد الفطر بالمغرب إلا بعادات وتقاليد تتناقلها الأجيال، ويحرص الكبار على الحفاظ عليها ودفع الصغار إلى التشبت بها، وهي عادات تعطي العيدَ نكهة خاصة سمتها الغالبة إشاعة الفرح وروح التضامن وتقوية الأواصر بين أفراد العائلة والمعارف والجيران.

ووسط الاستعدادات الجارية لاستقبال عيد الفطر هذا العام، يتابع المغاربة عبر الشاشات ما يحدث في فلسطين من عدوان وأيديهم على قلوبهم، يرفعون الدعوات لأهلها بالنصر والصمود، ويخرجون إلى الشوارع في شتى المدن للتعبير عن غضبهم من العدوان، ولبعث رسائل دعم ومساندة للمدافعين عن القدس والحرم القدسي الشريف حيث للمغاربة باب وحي باسمهم، يودعون رمضان ويتمسكون بالاحتفال بالعيد وفق العادات تجسيداً لإرادة الحياة.

TRT عربي