مجرمون صاروا حراس سجون… كيف اخترقت عصابات إجرامية جهاز الشرطة في بريطانيا؟
حذّر حراس السجون في بريطانيا من إمكانية اختراق جهازهم من العصابات الإجرامية، التي أصبحت ترشح أعضاءها لهذه المهنة. فيما تطول اختراقات هذه العصابات الشرطة البريطانية أيضاً، وهو ما يمثل نقطة ضعف أمنية تستغلها في تعزيز نشاطاتها المشبوهة.
كيف اخترقت عصابات إجرامية جهاز الشرطة ببريطانيا؟ / صورة: AA (AA)

تشهد بريطانيا خلال السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً للعصابات المسلحة، التي تتنوع أنشطتها الإجرامية بين عمليات السطو المسلح والاتجار بالمخدرات، بالإضافة للعنف المفرط وتصفية الحسابات فيما بينها، مهددةً بذلك الأمن العام للبلاد ومشكلة معضلة كبرى لأجهزة شرطة المملكة.

غير أن الخطر الأكبر الذي تمثله العصابات هو إمكانية اختراقها الأجهزة الأمنية وتنصيب أعضائها فيها. وهو ما حذّرت منه نقابة حراس السجن، مشيرين إلى أن العصابات ترشح أفراداً منها للعمل بذلك الجهاز من أجل تسهيل تهريب المخدرات والهواتف إلى المساجين. كما أشارت تقارير أخرى إلى أن هذه العصابات نجحت فعلاً في اختراق شرطة المملكة.

مجرمون صاروا حراس سجون

في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان"، حذّرت جمعية ضباط السجون البريطانية، وهي النقابة التي تجمع موظفي القطاع، من أن عصابات الجريمة المنظمة بالمملكة ترسل أفراداً تابعين لها للتدريب كضباط سجون، بهدف وحيد هو تهريب المخدرات والهواتف إلى السجن.

ولا تزال المخدرات مشكلة كبيرة في سجون بريطانيا، على الرغم من زيادة مرافق التفتيش والاختبارات الدورية. ووجد المفتشون في سجن "وودهيل" شديد الحراسة، في مدينة ميلتون كينز، أن 38% من النزلاء يتعاطون المخدرات، ما دفع السلطات إلى وضع السجن ضمن إجراءات خاصة.

وأوضح متحدث باسم جمعية حراس السجن: أن "مجموعات الجريمة المنظمة تدرك جيداً الأموال الكثيرة التي يمكن جنيها عن طريق تهريب البضائع إلى السجون. إذ يمكن تجنيد أعضاء منها كضباط سجن لغرض وحيد هو تهريب البضائع (كالمخدرات والهواتف والأدوات الحادة) لكسب الكثير من المال".

وألقت النقابة باللوم على ظروف عمل حراس السجون وانخفاض أجورهم، وهما عاملان يمثلان البيئة الأنسب لانتشار الفساد في الجهاز ودفع شغيلته إلى البحث عن مصادر دخل مشبوهة. كما أن عملية اختيار الحراس عبر مقابلات هاتفية وتوظيفهم تجعل من عملية اختراق الجهاز سهلة، وفق ما أوضحته النقابة.

وحسب تشارلي تايلور، كبير مفتشي السجون البريطاني، فإن الضباط الأصغر سناً قد يكونون أكثر عُرضة للفساد، فـ"أعمار الضباط القادمين أصبحت أصغر سناً، وكانوا يبلغون من العمر 21 عاماً على الأقل، وقد انتهى ذلك الآن". وأشارت "الغارديان" إلى أنه على مدار 40 سنة خُفضت السن الأدنى لحراس السجون، حيث كانت تتراوح بين 25 و20 في عام 1987، وأصبحت في حدود 18 سنة منذ عام 1999.

وقال المتحدث باسم النقابة: "تحصل على أموال مقابل التدريب وتفعل ما تريد بعد ذلك. إذا قمت برحلة جيدة، فلن يُقبض عليك وتخرج بعد خمسة أو ستة أشهر بعد أن تجني بضعة دولارات. يبدو الأمر سريالياً بعض الشيء. ولكنّ هذا ما يحدث في الواقع".

حتى الشرطة مخترَقة!

ولم تَسْلَم أجهزة الشرطة في بريطانيا هي الأخرى من اختراق أفراد العصابات الإجرامية، وتحويل تلك الأجهزة لخدمة مصالحها المشبوهة. وسبق أن حذّرت تقارير مسرَّبة عن "اسكوتلنديارد"، مركز شرطة لندن، من الخطر الداهم لهذه الاختراقات على الجهاز، وعلى الأجهزة الأمنية والقضائية المماثلة.

ويشير التقرير إلى أن هذه الاختراقات تجعل من المستحيل تقريباً على الشرطة والمدعين العامين ملاحقة العصابات الإجرامية، التي تشتبه الشرطة في سيطرتها على جزء كبير من عالم الجريمة في المملكة.

وفي عام 2019، كشفت تقارير لشرطة ويست ميدلاندز، وهي أكبر جهاز شرطة بالمملكة بعد شرطة العاصمة، عن أن اختراقات العصابات صفوفها تشكل أكبر تهديد لعملها، حيث تفضح خططها للتعامل مع تلك المنظمات الإجرامية.

وقالت إن هذه العصابات تسعى للحصول على معلومات حول مداهمات الشرطة والعصابات المتنافسة، وما إذا كانت قيد التحقيق، وحتى التفاصيل الشخصية للضحايا، مما يعرّضهم لخطر العنف.

ويُرجع مراقبون هذه التهديدات إلى سياسة التوظيف المتسرع الذي تنتهجه هذه الأجهزة لسد احتياجها لرجال الأمن. وسبق أن حذّر رئيس مفتشية الشرطة وخدمات الإطفاء والإنقاذ، وهي أهم هيئة رقابية بريطانية على تلك الأجهزة الأمنية، من أن جماعات الجريمة المنظّمة يمكن أن تستخدم حملة التجنيد السريع الحالية للشرطة في تسلل أعضائها إلى القوات، بما في ذلك أصحاب الرتب العليا.

وقال السير توماس وينسور، كبير مفتشي الشرطة وخدمات الإطفاء والإنقاذ، إن عمليات التوظيف "إذا كنت تسير بهذه السرعة، فهناك خطر من دخول الأشخاص الخطأ (...) فجماعات الجريمة المنظمة تخطط لاختراق الشرطة، وجلب الأشخاص وتنظيف جلودهم، إلى الشرطة وتركهم هناك حتى يصبحوا في وضع يسمح لهم بخدمة احتياجات جماعة الجريمة المنظمة.

وتشهد أجهزة الشرطة في بريطانيا انخفاضاً كبيراً في الموظفين، يناهز نحو 30 ألف شرطي من أجل إنجاز المهام الموكولة لها. فيما يستمر رجال الشرطة في الاستقالة، نظراً لظروف العمل السيئة، وفي عام 2022 فقط استقال ما يقارب 8200 شرطي من جميع الرتب.

ازدياد نشاط العصابات في بريطانيا

خلال العقد الأخير، شهدت المملكة المتحدة ازدياداً كبيراً في نشاط العصابات الإجرامية، مما يشكّل تحديات صعبة أمام أجهزة الأمن، وتهديداً لسلامة واستقرار المجتمع. وكان رئيس الوزراء ريشي سوناك، قد وعد، في أبريل/نيسان الماضي، بتشكيل قوات خاصة لمواجهة هذا الواقع المقلق.

ووفقاً للإحصائيات، يوجد أكثر من 70 ألف شخص ينتمون لهذه المنظمات، ويتوزعون في أكثر من 250 عصابة منتشرة في أنحاء المملكة كافة. وفي العاصمة لندن وحدها، حسبما تكشف بيانات "اسكوتلنديارد"، تقف العصابات وراء 22.2% من جرائم القتل هناك بين عامي 2017 و2021، وتشكل 44% من العنف باستعمال الأسلحة النارية، و15% من إصابات السكاكين.

وتُظهر أرقام هيئة الخدمات الاجتماعية الحكومية البريطانية، في الفترة ما بين 2020 و2021، أن زهاء 12 ألفاً و720 طفلًا معرضون للاستغلال الإجرامي من العصابات. هذا بالإضافة إلى نحو 60 ألف فتاة يتعرضن للعنف والاستغلال الجنسي من هذه المنظمات الإجرامية.

ويرجع تصاعد نشاط العصابات الإجرامية في بريطانيا إلى عدة العوامل، بما في ذلك الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية وانتشار ثقافة العصابات. ويُذكر أن تجارة المخدرات أحد الأنشطة الرئيسية لهذه العصابات، إذ تعد بريطانيا سوقاً مزدهرة لهذه السموم، بنحو 3 ملايين مدمن ورقم معاملات يعادل 9.4 مليار جنيه إسترليني في السنة، حسب الأرقام الرسمية.

TRT عربي