منفذهم نحو العالم.. كيف أصبحت الشرائح الرقمية وسيلة الاتصال الوحيدة في غزة؟
مع استمرار الحصار الإسرائيلي لغزّة، ينتشر استخدام الشرائح الرقمية eSim بين أهالي القطاع، فقد أصبحت سبيلهم الوحيد للتواصل مع الخارج، في وقت يعمل فيه عدد من النشطاء حول العالم لتوفير هذه الخدمة للأهالي المحاصَرين.
كيف أصبحت الشرائح الرقمية وسيلة الاتصال الوحيدة في غزة؟ / صورة: AA (AA)

أدى القصف الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، خلال الأيام الأولى عقب هجوم "طوفان الأقصى"، إلى تضرر شبكات الاتصالات الثابتة والمتنقلة والإنترنت داخل القطاع، وتجلَّت في ضعف جودة الاتصال وتراجع خدمات الإنترنت. وبحلول اليوم العاشر من الحرب، أصدرت شركة الاتصالات الفلسطينية ورقة حقائق، قالت إن حجم الخسائر في الشبكات والبنى التحتية بلغ 50%.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالت وزارة الاتصالات الإسرائيلية إنها تدرس قطْع خدمة الإنترنت والاتصالات عن قطاع غزة بالكامل. وبعدها بـ10 أيام، قالت مصادر في وزارة الاتصالات الفلسطينية إن شركات الاتصالات والإنترنت فقدت أي إشارات قادمة من غزة، قبل بدء تكثيف القصف الإسرائيلي على القطاع.

ومنذ ذلك الحين، يقبع قطاع غزة في عتمة تواصلية، إذ يصعب على الأهالي الاتصال بالعالم الخارجي، وهو ما دفعهم إلى استخدام الشرائح الرقمية eSim بشكل واسع، فقد أصبحت السبيل الوحيد لهم للتواصل، بينما يعمل عدة نشطاء حول العالم على توفير هذه الخدمة بشكل مجاني لأهالي القطاع.

وسيلة الاتصال الوحيدة في غزة

دعاء (اسم مستعار) فتاة غزاوية في العشرينيات من عمرها، قبل الحرب كانت تسكن حي أبراج العودة شمال قطاع غزة، ما جعلها وعائلتها أحد المنكوبين الأوائل للعدوان الإسرائيلي، الذي دمّر المجمع السكني الذي عاشت فيه الجزء الأكبر من حياتها.

اليوم، تعيش دعاء وعائلتها نازحين في مخيم برفح، تحكي في شهادتها لـTRT عربي أن "الحياة في غزة أصبحت جحيماً لم نشهد له نظيراً من قبل، وزادها انقطاع وسائل الاتصال (...) نعيش ظلماً مضاعفاً، تخيلْ أن يُقتل أفراد عائلتك وتُهجَّر من بيتك وتجوع وتعطش، ولا يمكنك أن تُطلع العالم عما تعانيه، لا يمكنك أن تتصل بأقرابك كي تطمئن عليهم (...) هو ظلم مزدوج".

المرارة التي تحدثت بها الشابة الفلسطينية هي الغالبة على لسان كل من تواصلت معهم TRT عربي، الذين لولا خدمة الشرائح الرقمية ما كان يمكن الوصول إليهم. ودعاء اليوم محظوظة لكونها نجحت في الحصول على هذه الخدمة، بينما صفحتها على فيسبوك، التي كانت قبل ثلاثة أشهر تنشر منشورات أدبية وثقافية، تحوَّلت إلى صفحة تنشر نداءات استغاثة تنطق بلسان حال أهالي القطاع.

من جانبه، عاش الصحفي مهدي زعرب وضعاً مشابهاً، لكنه مختلف في تفاصيل بسيطة. فمنذ بداية العدوان، دأب مهدي على توثيق جرائمه ونشرها على حسابه بإنستغرام، غير أن قطع إسرائيل الاتصالات والإنترنت منعه لبعض الوقت من إتمام هذه المهمة، بينما سمح استخدام الـeSim باستمرارها.

وفي حديثه لـTRT عربي، يحكي مهدي: "عقب اندلاع الحرب أخذت على عاتقي مهمة توثيق ما يقع لنا وإظهاره إلى العالم، كي يكون للناس نظرة على الإجرام الذي يفعله الإسرائيليون بحقنا (...) الـeSim تسمح لي بإكمال عملي، قبلها عانيت من انقطاع الاتصال، وهو ما كان محبطاً للغاية".

يضيف الصحفي الفلسطيني: "لقد حصلت على خدمة الشريحة الرقمية من زملاء في الخارج، أما عموم الأهالي فيستطيعون الحصول عليها من موقع خاص لهذا الغرض (...) وبالرغم من أن الإنترنت على هذه الشريحة ضعيف، فهو يسمح لنا بنقل ولو شيء بسيط من المعاناة التي نعيشها".

ما الشريحة المدمجة (eSIM)؟

الشريحة المدمجة (eSIM) هي شريحة SIM مثبّتة مسبقاً في الهواتف، وهي ميزة متوفرة في الأجهزة الحديثة، وتعمل مثل شريحة SIM تماماً، وذلك عبر تعريف الشخص باعتباره مشتركاً بالجوال وربطه بشبكة مقدم خدمة الاتصالات.. كل ذلك يحدث بشكل رقمي تماماً، ويعني حرف "e" في "eSIM" كلمة "embedded" أي "مدمجة".

ببساطة، الشريحة المدمجة هي شريحة جوال رقمية. مثلاً، في حال كان الشخص يريد الاتصال بالإنترنت، يمكنه تحميل باقة بيانات شريحة eSIM وتثبيتها على الجهاز والاتصال بشبكة الجوال. ولن يحتاج إلى الاتصال بمزود خدمة الاتصالات أو شراء شريحة SIM جديدة أو التعامل مع عدة شرائح SIM كما في السابق. ونظراً لأنها مضمنة في الأجهزة ويمكن برمجتها عن بُعد، والاتصال بعدد من مزودي الخدمة، استطاع أهالي غزة الاستفادة من هذه الإمكانات للتواصل مع العالم.

توفير الشرائح نضال من أجل فلسطين؟

ومنذ قطع إسرائيل الاتصالات والإنترنت على قطاع غزة، أصبحت مهمة عدد من النشطاء المناصرين للقضية الفلسطينية حول العالم هي توفير خدمة الشريحة الرقمية للأهالي في غزة. ومن بين هؤلاء الناشطة المصرية ميرنا هلباوي، التي صرّحت لصحيفة الغارديان بأن "نحو 50 ألف شريحة رقمية eSim جرى التبرع بها وتوزيعها على أهالي غزة".

وقادت هلباوي، هي وعدد من النشطاء، حملة على تويتر تحت هاشتاغ #ConnectingGaza، من أجل جمع التبرعات وتوفير الخدمة للمحتاجين إليها في القطاع.

ويشتري النشطاء شرائح eSim من مقدمي خدمات الاتصالات في بلدانهم الأصلية، بحيث يتصل سكان غزة بشبكات بعيدة، مما يسمح لهم بتجاوز الانهيار شبه الكامل في شبكات المحمول في القطاع.

ومع هذا واجهت النشطاء عقبة أساسية، وهي أن تسليم بطاقات eSIM يتطلب مسح رموز QR ضوئيّاً. ولتخطي ذلك، توجب عليهم العثور على شخص لا يزال متصلاً بالإنترنت، ومن خلاله يمكن تثبيت الشريحة على الهواتف المحمولة للآخرين.

وبالنسبة لهلباوي وزملائها، كان الصحفي الفلسطيني أحمد المدهون هو الأمل الوحيد في إتمام المهمة.. إذ ثبَّت المدهون عدداً من شرائح eSim، وبعدها انتشر استخدام هذه التقنية في القطاع.

وتقول الناشطة المصرية ميرنا هلباوي، في تصريح آخر لها: "إن الوصول إلى الهاتف والإنترنت هو حق أساسي من حقوق الإنسان، لا يقل أهمية عن الغذاء والماء (...) بعد كل هذا الألم، لا يمكنهم حتى مشاركة حزنهم مع العالم أو الصراخ مطالبين الناس بوقف إطلاق النار. عليهم أن يتحملوا القصف والهجمات في صمت مطلق، الأمر أشبه بأن تُقتل بينما يضع شخص ما يده على فمك، فلا يمكنك حتى الصراخ طلباً للمساعدة".

وبالتوازي مع ذلك، جرى إطلاق حملة تعريفية بالخدمة وكيفية تثبيتها على الهواتف المحمولة، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر موقع أُعدَّ لهذا الغرض باسم Gaza eSim. ويشرح هذا الموقع كيفية التبرع بهذه الشرائح ويستقبل تلك التبرعات.

TRT عربي