هل نحتاج إلى تناول أوميغا-3 للوقاية من أمراض القلب؟
بعد أن ارتفعت قيمتها السوقية لأكثر من 31 مليار دولار، هل فعلاً تمتلك المكملات الغذائية أوميغا-3 المنافع الغذائية المنسوبة إليها؟
مجموعة من المكملات الغذائية  (Reuters)

يستهلك ملايين في جميع أنحاء العالم أحماض أوميغا-3 الدهنية باعتبارها مكملات غذائية، اعتقادًا منهم أن الفوائد الصحية لهذه المكملات سوف تقلّل خطر الوفاة نتيجة لأمراض القلب. وقد بلغت القيمة السوقية العالمية لمكملات أوميغا-3 قرابة 31 مليار دولار في عام 2015.

وتحتوي أحماض أوميغا-3 الدهنية على اثنين من الدهون ذات السلاسل الطويلة، وهي: أحماض إيكوسابنتانويك ودوكوساهيكسينويك، التي توجد في الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين والماكريل. وتحتوي المكسرات والبذور، بخاصة الجوز وزيت بذور اللفت، على نوع آخر من أوميغا-3 يسمى حمض ألفا لينولينيك. ويقال إن الوقاية التي توفّرها أحماض أوميغا-3 الدهنية من أمراض القلب والأوعية الدموية ترجع إلى قدرتها على تخفيض مستويات الدهون الثلاثية ومقاومة الالتهاب وتجلُّط الدم وعدم انتظام ضربات القلب.

يتضح بوجه عام وجود كمّ أكبر من الأدلة السريرية على التأثير الضئيل أو شبه المنعدم لتناول مكملات الغذاء أوميغا-3 أكثر من تلك التي تثبت تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب. ومع ذلك فإن هذه التجارب السريرية لا تستبعد الفوائد الصحية لتناول الأسماك الدهنية كجزء من حمية غذائية صحية متوازنة من شأنها أن تحمي قلب الإنسان.

ولكن هل توجود أدلة سريرية على أن مكملات أوميغا-3 تساعد على الوقاية من أمراض القلب؟

أظهرت الدراسات السريرية التجريبية المبكرة أن تناول الأسماك بانتظام، بخاصة الأسماك الدهنية، يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب لدى عديد من الشعوب مثل الإسكيمو في غرينلاند. ولأن الأسماك الدهنية غنية بأحماض أوميغا-3 الدهنية، فقد طفت على السطح اقتراحات تُفيد بأنها تمثّل المكونات الفعالة لزيت السمك الذي يساعد على الوقاية من أمراض القلب. ومع ذلك أظهرت التجارب السريرية العشوائية أن تناول مكملات مثل كبسولات أوميغا-3 له نتائج متضاربة تتعلق بآثارها المفيدة ذات الصلة بالوقاية من أمراض القلب والوفاة.

وفي الآونة الأخيرة قاد الدكتور لي هوبر، الخبير الغذائي والمحاضر في جامعة إيست أنجليا بالمملكة المتحدة، دراسة منهجية واسعة تألفت من 79 تجربة عشوائية شملت 59,112 شخصًا. وقيَّمت هذه التجارب السريرية الآثار المترتبة على تناول مكملات أوميغا-3 بمعدل جرام واحد في ما يتعلق بخطر الإصابة بأمراض القلب والدورة الدموية، وقارنتها بمدى تأثير التناول المتوسط لمكملات أوميغا-3 أو الأقل من ذلك.

وقد شملت جميع التجارب المعدلة مجموعات مختلطة من الأفراد الذين شاركوا في التجربة لفترة طويلة. وأظهرت نتائج الدراسة التي أجراها الدكتور هوبر أن تناول مكملات أوميغا-3 (زيت السمك أو حمض إيكوسابنتانويك أو حمض دوكوساهيكسينويك) لا يفيد صحة القلب ولا يقلل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية أو الوفاة لأي سبب كان.

وقد أجرت مجموعة متعاونة تضمّ باحثين مستقلّين من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة مؤخرًا، تجربة سريرية عشوائية، ولم تجد أي تأثير لهذه الأحماض على وظائف القلب والأوعية الدموية أو معدَّل الوفيات. وشملت الدراسة 480,15 مريضًا بالسكري لا يعانون من أمراض القلب أو الأوعية الدموية في حدها الأدنى، علمًا بأن مرضى السكري معرَّضون بدرجة عالية لخطر الإصابة بأمراض القلب. وقد كُلّفَت هذه العينة من الناس، وبشكل عشوائي، تناول مكملات أوميغا-3 (غرام واحد في اليوم) أو تناول علاج وهمي، وتوبعوا لنحو سبع سنوات.

وفي تجربة سريرية أخرى تناول 871,25 من الرجال والنساء الأصحاء ممن هم في منتصف العمر في الولايات المتحدة الأمريكية مكملات غذائية من أحماض أوميغا-3 الدهنية (غرام واحد) بصفة يومية على مدى خمس سنوات، ولم تسفر عن حدوث انخفاض في مشكلات الوظائف الأساسية للقلب أو الأوعية الدموية. ومن المثير للاهتمام أن نفس الدراسة أفادت بأن الأشخاص الذين يتناولون كميات منخفضة من الأسماك يتمتعون بمزايا قلبية وعائية أكثر ممن يتناولون مكملات الأحماض الدهنية أوميغا-3.

وفي حين أن الأدلة المستمدة من الدراسات السكانية التجريبية تفيد بأن الحِميات الغذائية ذات المكونات العالية من الأسماك الدهنية ترتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب، فإننا لا نزال نجد صعوبة في الجزم بوجود فائدة محددة لتناول الأسماك تتعلق بالوقاية من أمراض القلب.

وفي الواقع قد تختلف الآثار المترتبة على القلب والأوعية الدموية نتيجة تناول مزيد من الأسماك الزيتية، عن تلك المترتبة على تناول مكملات أوميغا-3، لأن الأسماك مصدر غني بالعناصر الأساسية والعناصر الغذائية الأخرى، بما في ذلك اليود والزنك والكالسيوم والبروتين. وفي كثير من الأحيان تُستهلك الأسماك أيضًا بصفتها جزءًا من حِمية غذائية صحية وبديلاً عن الأطعمة الأخرى، بما في ذلك مصادر الدهون المشبعة التي ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب.

والأهم من ذلك، أن الإرشادات الصادرة عن جمعية القلب الأمريكية لعام 2018 أوصت بأن يتناول عامة الناس وجبتين من الأسماك الدهنية غير المقلية في الأسبوع، للمساعدة على تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وتُوصي هذه الإرشادات بالحَدّ من تناول مكملات أوميغا-3 لدى فئات محددة من مرضى القلب والأوعية الدموية. وفي المقابل فإن المبادئ التوجيهية الصادرة عن المعهد الوطني للصحة وتفوق الرعاية بالمملكة المتحدة تشجع على تناول ما لا يقلّ عن وجبتين من الأسماك غير المقلية (200 جم) في الأسبوع، بما في ذلك كمية من الأسماك الدهنية للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، بدلاً من تناول مكملات أوميغا-3. وتغطي وجبات السمك المُوصَى بها هذه الحصة اليومية للشخص البالغ، أي من 0.3 إلى 0.5 غرام من أوميغا-3 (حمض إيكوسابنتانويك وحمض دوكوساهيكسينويك).

وتخلص الأبحاث المستندة إلى أدلة راسخة إلى أن تناول مكملات أوميغا-3 بصفة يومية لا يساعد على الوقاية من أمراض القلب أو الوفاة. ولا يزال إجماعٌ يشير بوضوح إلى وجود فوائد صحية لتناول الأسماك الدهنية، ولو كان هذا التناول ببساطة يرجع إلى اعتبارها بديلاً من الأطعمة غير الصحية.

TRT عربي