استقبال قوي واستجابة أضعف.. هل فشل ماكرون في مهمته في الصين؟
يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصين، حاملاً على عاتقه مهمة إقناع زعيم البلاد بتغيير مواقفه إيزاء الحرب في أوكرانيا، وأن يكون سبباً في إقناع بوتين بالتراجع عنها.  وهو ما تبدو القيادة الصينية بعيدة عن الاستجابة له، فهل فشل ماكرون في مهمته؟
هل فشل ماكرون في مهمته في الصين؟  / صورة: Reuters (Reuters)

في إطار زيارة دولة، حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ببكين يوم الأربعاء، حيث وجد في انتظاره حفل استقبال ضخماً في ساحة تيان آن من الشهيرة، تخلله استعراض عسكري وضرب مدافع ترحيبية، كذلك أحضان حارة استقبله بها نظيره الصيني شي جين بينغ.

غير أن مظاهر الحفاوة هذه لا تؤشر عن أي موافقة صينية ضمنية على ما حمله ماكرون لهم، والمهمة التي حملته بدورها إلى بكين. في حين، كان نصب عيني الرئيس الفرنسي إقناع شي بتغيير موقفه بخصوص أوكرانيا أو التوسط في إيجاد حل للأزمة، طامحاً بذلك في محو سابقة فشله في ثني بوتين عن دخول الحرب، خلال زيارته موسكو أياماً قليلة قبل اندلاعها.

هذا وبعد محادثات ثنائية جمعت الرئيسين، أفشى خطاب الرئيس الصيني استمرار تشبث بلاده بموقفها الأول، بالرغم من دعوات ماكرون الملحة. وهو ما فسّره عدد من المحللين، بأن الرئيس الفرنسي فشل مرة أخرى في مهمة الوساطة، بل بلغ الأمر بصحيفة "تليغراف" البريطانية للقول بأن "ماكرون قد أذل نفسه وأذل الاتحاد الأوروبي".

دعوات بلا استجابة

قبل لقائه بشي جين بينغ، وفي اجتماع مع الجالية الفرنسية في الصين، يوم الأربعاء، أكد ماكرون المهمة السياسية المنوطة بزيارته. ذلك إذ صرح أنه بإمكان بكين "لعب دور رئيسي" في إيجاد "طريق يؤدي إلى السلام" في أوكرانيا، معللاً ذلك بأن البلد الآسيوي "اقترح خطة سلام (..) ويظهر بذلك إرادة لتولي مسؤولية ومحاولة شق طريق يؤدي إليه".

هي الرسالة التي أبلغها ماكرون بنفسه إلى الرئيس شي جين بينغ، خلال اجتماعهما الثنائي يوم الخميس، مخاطباً إياه: "أعلم أنه يمكنني الاعتماد عليك لإعادة روسيا إلى رشدها وإعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات".

وأتى ماكرون إلى بكين محملاً برسائل عديدة حول مسألة الحرب في أوكرانيا، على رأسها إبراز وحدة الاتحاد الأوروبي إزاءها، وهو ما أبرزته صحبته رئيسة المفوضية أورسولا فو دير لاين معه في الرحلة. والتي كانت أكثر واقعية في رهانها، إذ وصفت العلاقات بين بروكسل وبكين بأنها "معقدة للغاية".

ولم ترفع فون دير لاين سقف طموحاتها من الزيارة، على غرار رفيقها فيها الرئيس ماكرون، بل اكتفت بالقول إنها "فرصة مهمة لحوار صريح وبنّاء" بين جميع الأطراف، إذ إنه "من المهم، والأكثر أهمية من أي وقت مضى، أن نتحدث مع بعضنا البعض وأن نبقي خطوط الاتصال مفتوحة"، و"أن كيفية إدارتنا لعلاقاتنا ستكون عاملاً حاسماً في ازدهارنا الاقتصادي في المستقبل".

غير أن الرد على كل هذا أتى بارداً من الناحية المقابلة للطاولة، من ناحية شي جين بينغ الذي عبر عن تمسكه بموقف بلاده الأول ولم يظهر أي مؤشر عن تغييره. وقال الرئيس الصيني: إن "جميع الأطراف لديها مخاوف أمنية معقولة"، في إشارة إلى تبريرات موسكو لحربها على كييف، وإنه يأمل في أن يتمكن الجانبان من إجراء مفاوضات سلام في أقرب وقت ممكن.

وكان أقصى ما وعد به الرئيس الصيني، بأن بلاده على استعداد لمناشدة المجتمع الدولي بشكل مشترك مع فرنسا "لكي يظل عقلانياً وهادئاً"، إضافة إلى وعد بمحادثة زيلنسكي "عندما تكون الظروف متاحة".

وقالت النائبة الفرنسية آن جينيت، التي أجرت هي الأخرى محادثات مع المسؤولين الصينيين، يوم الخميس، بأنه لم يكن هناك "مفاجآت" في الموقف الصيني بشأن أوكرانيا، لكنها شددت على أنه "لا يزال من المفيد إرساء بعض الأسس بشأن هذه القضية".

هل فشل ماكرون في مهمته في الصين؟

رغم أن جولة ثانية من المباحثات في انتظار ماكرون وشي، قبل مغادرة الأول الأراضي الصينية. فإن رد بكين يعد بمثابة فشل بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي، في المهمة التي أنيطت به عقب تنامي التقارب الصيني الروسي مؤخراً، والحديث عن دعم عسكري صيني محتمل لروسيا.

فيما يجمع مراقبون على أن هذه المهمة كان لها دافع شخصي أيضاً بالنسبة إلى ماكرون، وأنه يرى فيها فرصة للتكفير عن فشله الأول في إقناع بوتين بالعدول عن الحرب خلال الأيام القليلة التي سبقتها، وهو ما جر عليه في ذلك الوقت انتقادات واسعة.

وهو ما أكده موقع "بوليتيكو" الأمريكي، في تقرير سبق الزيارة، بالقول: "يريد الرئيس الفرنسي أن يلعب بورقة شخصية أكثر مع نظيره الصيني، بعد أن واجه انتقادات شديدة لساعات من المكالمات الهاتفية غير المثمرة مع بوتين العام الماضي، والتي فشلت في وقف الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا".

هذه الانتقادات التي تتجدد في هذه المرة، ومن أبرزها ما كتبته "تليغراف" البريطانية، واصفة زيارة ماكرون بـ"محاولة إذلال لنفسه ولأوروبا"، وأنها تُظهِر مدى "انبطاح" الرئيس الفرنسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أمام زعيم الصين "القوي" شي جين بينغ، وتوضح بشكل أفضل عدم الاكتراث المتزايد لبعض قادة أوروبا بالشؤون العالمية.

TRT عربي