الأسد يكرر "السيناريو الإسرائيلي" بالحجز على "أموال الغائبين"
تفنن النظام السوري في الآونة الأخيرة تحت ضغط نفقاته المتواصلة بابتداع أساليب جديدة لسلب أموال الناس داخل وخارج سوريا بصورة غير مباشرة.
الأسد اعترف بما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية من سوء لكن دون أن يتخذ خطوات ملموسة لحل الأزمة (AA)

لا يكاد يمر عام على سوريا في العقد الأخير إلا ويصدر النظام السوري قانوناً جديداً يرمي إلى تأمين مورد مالي جديد للخزينة ولكن من جيوب الناس وأرزاقهم، في وقت يعاني النظام من نفاد احتياطياته من النقد الأجنبي وانهيار الاقتصاد الكلي، وإصراره على مواصلة الحرب دون هوادة، والتمسك بمكتسباته منها، وفي مقدمة ذلك التغيير الديمغرافي الكبير، وذلك بوضع المزيد من العراقيل أمام عودة اللاجئين ووضع اليد على ممتلكاتهم كلما كان ذلك ممكناً.

يبتز النظام السوري مواطنيه تارة بوثيقة جواز السفر ويفرض مقابل الحصول عليه رسوماً تعتبر من بين الأعلى في العالم، وتارة يستغل رعب المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية بحملهم على دفع بدل باهظ لضمان عدم سوقهم إلى الموت أو عرقلة أوضاعهم القانونية. ويبقى الأخطر من ذلك مساعيه المستمرة لإيجاد الحجج والذرائع "القانونية" لتملك عقارات وممتلكات الغائبين من اللاجئين والنازحين.

وتذكر إجراءات النظام السوري المتنوعة الهادفة إلى ابتداع طرق جديدة لوضع يده على ممتلكات المهجرين على وجه الخصوص بقانون إسرائيلي سيئ الصيت يعود لعام 1950 ويقضي بتملك دولة الاحتلال عقارات "الغائبين" من اللاجئين الفلسطينيين، رغم أن إسرائيل هي سبب تهجيرهم منذ البداية وترفض عودتهم ما يمنعهم ابتداء من الحضور والوقوف على ممتلكاتهم.

وفي أحدث أساليبه للاستعانة بأموال الناس لسد جزء من العجز المزمن الذي تعاني منه الخزينة العامة، لجأ رئيس النظام السوري بشار الأسد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى إصدار المرسوم31، والذي عدل من خلاله بعض مواد المرسوم 30 الصادر عام 2007، والمتعلقة بالخدمة الإلزامية في جيش النظام، والمبالغ المقرر دفعها من قبل السوريين في الخارج، سواء في دول عربية أو أجنبية، كبدل نقدي عن الخدمة.

عملية مدروسة

لم يُثر المرسوم وقت صدوره الكثير من الجدل، إذ تضمن تعداداً للشرائح المسموح لها بدفع البدل وقيمته وأحوال هذه الشرائح فحسب، ولكن مع دخوله حيز التنفيذ مطلع فبراير/ شباط فجّر رئيس فرع "الإعفاء والبدل" في مديرية التجنيد السورية العميد "إلياس بيطار" قنبلة بإعلانه أنّ السلطات ستصادر أموال وممتلكات كل من بلغ سن الـ42 عاماً سواء كان داخل سوريا أو خارجها، إذا لم يؤدّ الخدمة العسكرية أو يسارع إلى دفع بدل عنها كما هو محدد في القانون، وستشمل المصادرة ممتلكات ذوي المتخلف عن الخدمة إذا لم يكن لديه أملاك. ولا يقتصر المبلغ الذي سيصادر على قيمة البدل بل سيتضمن ضرائب وغرامات التأخير أيضاً.

أدت هذه التصريحات إلى حالة من البلبلة في أوساط السوريين لا سيما اللاجئين منهم في الخارج، بين مصدق ومكذب، وآخرين شرعوا بعرض ممتلكاتهم وعقاراتهم في البلاد للبيع الأمر الذي دفع بعض النشطاء والحقوقيين إلى التحذير من "عملية مدروسة" يقودها النظام لدفع السوريين إلى التخلي عن أملاكهم بمبالغ زهيدة.

وحذر الحقوقي السوري المحامي أنور البني، الذي يقود عملية ملاحقة ضباط سابقين في النظام السوري بألمانيا، في هذا الصدد، من أن "دعوات مشبوهة" توالت مؤخراً للسوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبيع أملاكهم خوفاً من الحجز عليها من قبل النظام، باعتبارهم أقرباء أو أهل لسوريين "متخلفين أو فارين عن خدمة جيش القتل والإجرام".

وأوضح، في سلسلة تغريدات له على تويتر، أن انتشار هذه الدعوات بالتزامن مع "التصريحات غير القانونية" لأحد مسؤولي التجنيد في النظام، ربما يكون عبارة عن "عملية مدروسة" لدفع السوريين لبيع أملاكهم بسعر "بخس جداً"، وبالتالي "يقوم الغرباء من إيران بشرائها عبر مأجورين".

وفي حديث له مع TRT عربي، شرح "البني" حيثيات القانون والتي تتعارض مع تصريحات مسؤول الإعفاء والبدل في مديرية التجنيد، قائلاً إنه "بالنسبة للمكلف يمكن الحجز الاحتياطي وليس التنفيذي، لكن ليس من قبل شعبة التجنيد بل من قبل وزارة المالية وينقلب لتنفيذي بحكم قضائي".

وأوضح أنه يمكن أن يشمل الحجز الاحتياطي أموال زوجة المكلف وأولاده القاصرين ولكن لا يمكن أن يشمل الوالد أو الوالدة أو الإخوة. وتابع: "بكل الاحوال الحجز التنفيذي يكون من قبل القضاء فقط لمن بلغ سن انتهاء التكليف ولم يدفع البدل".

وحول سبب التصريحات التي كان وصفها بأنها "غير قانونية" لأحد مسؤولي النظام بشأن الحجز على أموال المتخلفين من الخدمة وأموال ذويهم، عبر البني عن اعتقاده بأن النظام يهدف من وراء ذلك إلى أمرين، "دفع الأقرباء للبيع بأي سعر، أو دفع المكلفين للبدل تحسباً للحجز"، واستدرك: "بكلا الحالتين النظام يكسب".

بوالين اختبار

وفي 15 فبراير/شباط/ الجاري، نفى مدير الإدارة القنصلية في وزارة الخارجية التابعة للنظام السوري، حسن خضور، وجود قرار رسمي بالحجز على أموال وممتلكات ذوي الأشخاص المتخلفين عن الخدمة الإلزامية في الجيش. وذكر "خضور" أنه "لا صحة لهذا الموضوع إطلاقاً"، نافياً وجود أي قرار رسمي بهذا الخصوص.

وجاء هذا النفي متأخراً حوالي أسبوعين تقريباً عن التصريحات التي أثارت الكثير من البلبلة والقلق في أوساط اللاجئين السوريين، ليثبت بأن النظام "يحاول إطلاق بوالين اختبار وجس نبض الشارع" بخصوص هذا القانون، كما يرى محمد منير الفقير العضو والمنسق في الرابطة السورية لكرامة المواطن المعنية بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.

ورأى "الفقير" في تصريحات لـTRT عربي أن سبب قرارات النظام السوري الأخيرة هو فشل مساعيه وروسيا لحل أزمة عودة اللاجئين وتسويق مقاربتهما للمجتمع الدولي لهذه المسألة، التي تعد بجانب الحل السياسي "مفتاحاً لانطلاق عمليات إعادة الإعمار". مضيفاً: "تعثر هذا الأمر يعني أنه لا توجد إعادة إعمار، وبالتالي بدأ النظام يستخدم أدوات ترقيعية يمكن أن يحصل منها على بعض الأموال".

واستبعد العضو في الرابطة السورية لكرامة المواطن أن يكون الهدف من خطوات النظام دفع اللاجئين إلى بيع ممتلكاتهم، بل ربما هو "محاولة يائسة لتوفير أكبر قدر ممكن من القطع الأجنبي للخزينة من خلال 13 مليون لاجئ" بحسب الفقير الذي ذكر بأن "الحجز على ممتلكات لا يؤدي إلى تحصيل قطع أجنبي".

أملاك "الغائبين"

القرارات الأخيرة القاضية بالحجز على أملاك المهجرين سواء منهم النازحون داخل سوريا أو اللاجئون خارجها تحت ذرائع مختلفة مرفوضة من قبل هيئات حقوق الإنسان والمعارضة السورية، وهي ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن أصدر النظام السوري القانون رقم 10 لعام 2018 في 2 أبريل/نيسان الذي يقضي بالسماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا مخصصة لإعادة الإعمار ويوجب على مالكي العقارات التي تقع في المناطق المنظمة إثبات ملكيتهم لعقاراتهم ومنحهم مهلة 30 يوماً قبل أن تضع "الدولة" يدها على تلك الأملاك في حال لم يبرز أصحابها وثائق الملكية.

واعتبرت هيومن رايتس واتش أن القانون المعني يخلق عقبة رئيسية أمام عودة المهجرين إلى ديارهم. وأضافت في تقرير أصدرته في ذلك الحين أن المتطلبات الإجرائية في القانون المقترنة بالسياق السياسي الذي تعمل فيه تخلق إمكانية كبيرة لإساءة التوظيف والمعاملة التمييزية لنازحي وقاطني مناطق كانت تحت سيطرة الجماعات المناهضة للحكومة.

وأوضحت أن العديد من سجلات الأراضي السورية دمرت خلال النزاع، و50% فقط من الأراضي كانت مسجلة رسمياً حتى قبل الحرب، مشددة على أنه سيكون النازحون، لا سيما الفارون من مناطق تعتبر معادية للنظام، أكثر عرضة لمصادرة عقاراتهم بموجب القانون رقم 10.

واستخدم النظام السوري المرسوم 66 لعام 2012 للاستيلاء على ممتلكات أهالي منطقتين في محافظة دمشق وتهجير قاطنيها بذريعة إعادة إعمار السكن العشوائي والمناطق المخالفة، وشكل هذا المرسوم النواة الأولى للقانون رقم 10 لعام 2018.

كما أصدر النظام السوري المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012 الذي يمكن وزارة المالية من الاستيلاء على أصول وممتلكات الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الإرهاب لعام 2012 ونقل ملكيتها إلى "الدولة السورية. وبحسب هيومن رايتس واتش فإن القانون المذكور "يقدم تفسيراً فضفاضاً للإرهاب".

يسعى النظام السوري إذن إلى تحقيق عودة جزئية ومشروطة للاجئين لإقناع المجتمع الدولي ببدء عملية إعادة الإعمار، في وقت يضع العوائق العديدة أمام عودتهم الآمنة والطوعية وبعض العوائق من المحتمل أن تقطع صلتهم بقراهم ومدنهم، وبذلك يتحقق له هدفان، الأول تثبيت التغيير الديموغرافي الحالي، والثاني تأمين مورد مالي جديد يرفد خزينته الخالية تماماً ببعض القطع الأجنبية.

يقول المنسق في الرابطة السورية لكرامة المواطن منير الفقير: "موضوع البدل وعودة اللاجئين وفق مقاربة روسيا والنظام يأتي في سياق منفصل وبديل عن مسار الحل السياسي وليس مكملاً له".

TRT عربي