الثورة السودانية: خطوات نحو التدويل
مع استمرار حالة الجمود في المشهد السوداني، دخل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية وقوى دولية وإقليمية بثقلها في ملف الأزمة السودانية.
السودان (AP)

الخرطوم ـــ تسلّمت قوى إعلان الحرية والتغيير من الوساطة الأفريقية مسودة اتفاق، اقترحت عبرها منح قوى الحرية والتغيير نسبة 50% من عضوية البرلمان والحكومة الانتقالية، على أن توزّع بقية النسب للقوى السياسية الأخرى بما فيها القوى التي شاركت النظام السابق حتى سقوطه.

وقالت مصادر لـTRT عربي إن الوسيط الأفريقي في الخرطوم سلّم قوى الحرية والتغيير ورقةً تحمل رؤيته لحل الخلاف بينها والمجلس العسكري، عمل من خلالها على نسف الاتفاق الذي توصلت إليه تلك القوى مع المجلس سابقاً، والذي حمل اتفاقاً منحت بموجبه قوى الحرية الحق في تشكيل الحكومة الانتقالية منفردة بجانب نسبة 67% من عضوية البرلمان، وأكدت أن الورقة تمّ رفضها تماماً.

وذكرت المصادر نفسُها أنّ قوى الحرية والتغيير عقدت اجتماع الأحد، وقررت التمسك بما تم من اتفاق بشأن الحكومة الانتقالية والبرلمان وترك الخلاف بشأن مجلس السيادة للوساطة الدولية والإقليمية، والموافقة بما ستقترحته بشأن المجلس في حال لم يتعارض مع وجهة نظرها.

ومع قيام قوات نظامية بفضّ الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني وسط الخرطوم في الثالث من الشهر الحالي، أوقفت قوى الحرية والتغيير التفاوض مع المجلس العسكري، ما قاد الأخير إلى إعلان التراجع عن الاتفاق الجزئي الذي توصل إليه مع قوى الحرية والدعوة إلي انتخابات خلال تسعة أشهر، بجانب تكوين حكومة كفاءات.

ودعت قوى الحرية والتغيير، الإثنين، إلى تظاهرات ليلية في العاصمة والولايات السودانية، للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة، بعدما اتهمته بمحاولة الانفراد بها.

وجددت قوى الحرية تمسكها بعدم التفاوض المباشر مع المجلس العسكري.

وأبلغت مصادر داخل قوى الحرية والتغيير TRT عربي بأن "هناك تيارات داخل القوى طلبت رفع السقف عقب مجزرة الاعتصام، بالعمل على إسقاط المجلس العسكري وعدم العودة إلى التفاوض".

وقال ناجي عبد الله، الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين، في مؤتمر صحفي، إن "التجمع متمسك بما تم التوافق عليه من اتفاق مع المجلس العسكري بشأن تكوين الحكومة الانتقالية والبرلمان"، كما أكد استعداده للدخول في تسوية سياسية دون الإضرار بمطالب المهنيين.

تدخلات خارجية

ومع استمرار حالة الجمود في المشهد السوداني، دخل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية وقوى دولية وإقليمية بثقلها في ملف الأزمة السودانية. وشرعت هذه الجهات في تحركات مكوكية لإحداث اختراق في الملف، عبر سلسلة زيارات نفذها مسؤولون في الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، فضلاً عن مسؤولين أمريكيين حاولوا خلالها تضييق شق الخلاف بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بشأن الانتقال السلمي للسلطة.

وينتظر أن يُعقد في الحادي والعشرين من الشهر الحالي مؤتمرٌ لبحث ملف السودان بمدينة برلين بمشاركة دول الترويكا ودول الاتحاد الأوروبي بجانب دول الجوار السوداني. في هذا السياق، رجحت مصادر مطلعة أن توجه الدعوة للمجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير للمشاركة في المؤتمر.

وتزامناً مع هذا المؤتمر، دعت مصر وزراء خارجية دول الجوار السوداني إلى مؤتمر آخر في أديس أبابا لبحث السبل المناسبة لإخراج السودان من أزمته والحد من انزلاقه نحو الفوضى، ضمن محاولات القاهرة لعب دور أكبر في الملف السوداني.

تصعيد

يلوّح المجلس العسكري من وقت لآخر بتراجعه عن الاتفاق الذي توصل إليه مع قوى إعلان الحرية والتغيير بشأن تكوين الحكومة الانتقالية والبرلمان.

وشرع المجلس في سلسلة اتصالات مع قوى سياسية لاستجلاء رؤيتها بشأن الحكومة في المرحلة المقبلة.

وذكرت مصادر مطلعة أن نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان حميدتي يقف مع تعجيل إجراء الانتخابات وتسليم السلطة لحكومة منتخبة، كما أكدت أنّ الرجل يسعى لتكوين حزب تحت اسم "الحزب الوطني الأهلي" وسيطرح من خلاله نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية، بعد تقديم استقالته من المجلس العسكري.

سيناريوهات متوقعة

ويستعبد محللون سياسيون أن يمضي المجلس العسكري في خطته بالتراجع عن الاتفاق الخاص بالحكومة الانتقالية والبرلمان، بالنظر إلى أنّ الخطوة حظيت بسند إقليمي ودولي، كونه لم يعد مرهوناً برغبة أي من طرفي التفاوض.

في هذا السياق، يرى ماهر أبو الجوخ، محلل سياسي، أنّ المجلس العسكري نفذ أربعة من مطالب قوى إعلان الحرية والتغيير التي وضعتها كشروط لاستئناف التفاوض، من بينها الاعتراف باتخاذ قرار فضّ الاعتصام وتحمل مسؤوليته وهو ما حدث بالفعل، بجانب تكوين لجنة تحقيق حول الأحداث وسحب المظاهر العسكرية من العاصمة. إضافة إلى إطلاق سراح السياسيين.

وأوضح المتحدث نفسه في حديثه لـTRT عربي أن "هذا يعني أن المجلس نفذ 80% من مطالب تلك القوى وأن ما تبقى هو الشرط المتصل بإعادة خدمة الإنترنت والتي أعطى المجلس إشارات بإعادتها مع انطلاق التفاوض".

الفرصة، بالنسبة للجوخ لا تزال متاحة لوصول الطرفين إلي اتفاق نهائي بشأن تسليم السلطة.

"أي مزايدة من أي طرف ستجعله تحت ضغط مباشر من المجتمع الدولي والإقليمي"، يؤكد الجوخ.

ويمثل وضع قوى الحرية لاشتراطات بشأن التفاوض قبولاً ضمنياً بالخطوة. إذ يرى مراقبون أن الطرفين يعلمان أن لا خيار سوى استكمال العملية السياسية وإبرام اتفاق نهائي.

في هذا الإطار، حاول أبو الجوخ رسم سيناريوهات عدة للمشهد السوداني الحالي.

تتمثل هذه السيناريوهات في زيادة الضغوط على الفرقاء السودانيين لتقديم حزمة تنازلات والانخراط في العملية التفاوضية.

واستبعد المحلّل السياسي تماماً أن تؤدي تلك الحالة إلى انقلاب عسكري، إذ سيحكم عليها بالفشل بالنظر إلي تركيبة القوات النظامية وانتشارها وغياب السند السياسي الداخلي والإقليمي للخطوة.

أكدت مصادر أن حميدتي يسعى لتكوين حزب تحت اسم "الحزب الوطني الأهلي" وسيطرح من خلاله نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية (AP)
مع قيام قوات نظامية بفضّ اعتصام قوى الحرية والتغيير أمام القيادة العامة للجيش السودانيوسط الخرطوم في الثالث من هذا الشهر أوقفت هذه القوى التفاوض معالمجلس العسكري (AP)
يلوّح المجلس العسكري من وقت لآخر بتراجعه عن الاتفاق الذي توصل إليه معقوى إعلان الحرية والتغيير بشأن تكوين الحكومة الانتقالية (AP)
TRT عربي