بعد تصاعد وتيرة اعتداءات المستوطنين إبان عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها فصائل المقاومة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ووصول هذه الاعتداءات إلى مستويات غير مسبوقة شملت القتل والضرب والتهجير والاعتداء على الممتلكات الخاصة وسرقتها، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 2 فبراير/شباط الجاري عقوبات على 4 مستوطنين لارتباطهم بتصاعد العنف ضدّ المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وأوضحت الخارجية الأمريكية في بيان، أنها "فرضت عقوبات مالية على أربعة أفراد بموجب أمر تنفيذي جديد أعلنه الرئيس جو بايدن لتعزيز المساءلة عن بعض الأنشطة الضارة التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية".
وبالإضافة إلى العقوبات المالية، "جرى تعليق دخول الأفراد المشمولين بالعقوبات إلى الولايات المتحدة بموجب الإعلان الرئاسي"، وذلك حسب بيان الخارجية الأمريكية.
وفي الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، وقّع بايدن أمراً تنفيذياً جديداً يسمح بفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين الذين يهاجمون الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، فضلاً عن إدراج 4 منهم على القائمة السوداء.
هذه الخطوة الأمريكية تأتي -حسب كثير من المحللين- ردة فعل أمريكية على الانتقادات التي وُجهت إلى إدارة بايدن بسبب موقفها الداعم بشدة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ ارتكبت قوات الاحتلال مئات المجازر الوحشية ضد المدنيين راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 28 ألف شهيد، ونحو 70 ألف جريح.
عنف غير مسبوق
وثّق مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة مقتل 200 فلسطيني في عام 2023 في الضفة الغربية والقدس الشرقية قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو أعلى رقم منذ بدء الأمم المتحدة تسجيل الضحايا في عام 2005.
لكنّ هذا الرقم ارتفع بشكل كبير بعد عملية "طوفان الأقصى"، إذ أحصى المكتب الأممي ما يقرب من 500 هجوم للمستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، وفق تقرير أصدره أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتفيد المفوضية الأممية بأن ذلك شمل إطلاق النار وإحراق المنازل والمركبات واقتلاع الأشجار، مشيرةً إلى أنه في كثير من الحوادث، كان المستوطنون برفقة قوات الأمن الإسرائيلية، أو كانوا هم أنفسهم يرتدون زي قوات الأمن الإسرائيلية، ويحملون بنادق الجيش.
وأكد التقرير الأممي مقتل 300 فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بينهم 79 طفلاً، قُتل أغلبهم على يد قوات الأمن الإسرائيلية، وقُتل ثمانية آخرون على يد مستوطنين، فيما مات معظم الآخرين على أيدي القوات الإسرائيلية خلال عمليات البحث والاعتقال وغيرها من العمليات.
إلى جانب ذلك، كان لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليمينية المتطرفة، الدور الأكبر في تصاعد وتيرة العنف في الضفة من خلال تسليح المستوطنين بعد عملية "طوفان الأقصى"، ويشير التقرير الأممي إلى أنه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وزعت قوات الأمن الإسرائيلية 8000 بندقية جيش على "فرق الدفاع عن المستوطنات" و"كتائب الدفاع الإقليمية" التي أُنشئت لحماية المستوطنات في الضفة الغربية بعد إعادة نشر كثير من القوات الإسرائيلية في غزة.
إسرائيل تهاجم العقوبات
لاقت الخطوة الأمريكية انتقادات حادّة من الحكومة الإسرائيلية بقيادة اليمين المتطرف، إذ ادَّعى نتنياهو في بيان صدر عن مكتبه أن "الأغلبية المطلقة من المستوطنين في الضفة الغربية هم مواطنون ملتزمون بالقانون، وكثير منهم يقاتلون في الجيش هذه الأيام للدفاع عن إسرائيل".
وأضاف أن "إسرائيل تعمل ضدّ جميع منتهكي القانون في كل مكان، وبالتالي ليس هناك مجال لتدابير استثنائية في هذا الصدد".
بدوره انتقد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، هذه العقوبات، وتعقيباً على قرار بايدن قال بن غفير عبر منصة "إكس"، إن "الرئيس بايدن مخطئ فيما يتعلق بمواطني دولة إسرائيل والمستوطنين الأبطال، أولئك الذين يتعرضون للهجوم، والذين يُرجمون بالحجارة هم الأبطال في الضفة الغربية".
وفي السياق ذاته، رأى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على 4 مستوطنين موجهة ضد كل إسرائيل.
رسائل سياسية
وعن فاعلية هذه العقوبات في الحدّ من عنف المستوطنين والضغط عليهم، يرى المحلل السياسي الفلسطيني بشار الشبلي، أن "هذه العقوبات المفروضة على عدد محدود جداً من المستوطنين الذين يرتكبون جرائم ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية لن تردع بقية المستوطنين، لأنها ترتبط بموقف الإدارة الأمريكية الديمقراطية من الحكومة اليمينية الأشد تطرفاً، وتأتي بعد الخطاب العنصري جداً الذي مارسته أطراف من الحكومة وعلى رأسهم سموتيريتش وبن غفير، واستهدفت هذه الخطابات الإدارة الأمريكية وشخص بايدن نفسه".
ويضيف الشبلي لـTRT عربي أن "هدف هذه العقوبات سياسي، إذ تهدف إلى إضعاف الحكومة الإسرائيلية والضغط عليها من خلال ممارسات المستوطنين والجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، من أجل التدخل في شكل الحكومة القادمة أو تغيير هذه الحكومة التي يصفها بايدن نفسه بأنها حكومة متطرفة".
وأكد الرئيس بايدن خلال فعالية لجمع تبرعات لحملته الانتخابية في واشنطن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنه يتعين على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقوية وتغيير حكومته، لإيجاد حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
من ناحيته يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي، محمد هلسة، أن القرار الأمريكي على الأشخاص، أو حتى على بعض الوزراء في حكومة نتنياهو لن يؤثر في موضوع الاستيطان وعنف المستوطنين، بل على العكس سيؤدي إلى ردة فعل عكسية تزيد من مستويات العنف، وتعمل على مضاعفة الاستيطان.
وفي حديثه مع TRT عربي، يستشهد هلسة على ذلك بسلوك إسرائيل بعد ما صدر عن محكمة العدل الدولية ومطالبتها بالجوانب الإنسانية، إذ زادت إسرائيل من جرائمها بحق سكان قطاع غزة، لأنها غير معتادة أن تُسأل أو توضع في قفص الاتهام.
واشنطن غير جادة
على الرغم مما يبدو من وجود بوادر خلاف بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو على خلفية الجرائم الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة من جهة، وبسبب تصاعد عمليات العنف ضد الفلسطينيين من جهة ثانية، فإن كثيراً من المحللين يرون أن أمريكا ليست جادة في عملية "لجم" هؤلاء المتطرفين في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.
فلو أرادت الإدارة الأمريكية أن تتعامل مع جوهر الاعتداء لاتخذت إجراءات متعلقة بالاستيطان نفسه ومتعلقة بالتهويد المستمر للضفة الغربية، ومحاولات الاعتداء على القدس والمسجد الأقصى بشكل مباشر، وذلك حسب المحلل السياسي بشار شلبي.
أما هلسة فيشير إلى أن هذه العقوبات تأتي من باب رفع الحرج عن الجرائم التي تُرتكب في قطاع غزة، متسائلاً: ما حجم الجرائم التي تُرتكب في الضفة أمام الجرائم التي ترتكبها في غزة أجهزة الدولة الرسمية وبتغطية أمريكية؟
كانت وزارة الصحة في قطاع غزة قد أفادت في بيان، اليوم (الأربعاء)، 14 فبراير/شباط، بارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 28 ألفاً و576 شهيداً، و68 ألفاً و291 مصاباً، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.