فور سريان الهدنة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، صباح أمس الجمعة، عادت الفلسطينية مريم إلى منزلها في بلدة خزاعة شرق خان يونس جنوبي القطاع لتفقده بعد القصف الجوي والمدفعي الذي حل بالمنطقة خلال أيام الحرب.
حرصت مريم على تفقد بقايا منزلها المدمَّر بفعل القصف الإسرائيلي والأحزمة النارية التي تعرضت لها منطقة سكنها على مدار أكثر من 49 يوماً من العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، ومن أجل محاولة استخراج بعض الأثاث أو الملابس المتبقية بعد القصف.
وتقول السيدة لـTRT عربي إن عودتها إلى المنزل كانت صادمة من ناحية المشهد، إذ لم تجد المنزل قائماً كما كانت تتمنى ووجدته عبارة عن ركام، الأمر الذي وضعها في حالة من الحزن والقهر والمصير المجهول في ما بعد الحرب.
ووصلت دولة قطر مع مصر والولايات المتحدة إلى تهدئة لأربعة أيام يجري بموجبها الإفراج عن 50 أسيراً إسرائيليّاً من النساء وصغار السن مقابل الإفراج عن 150 أسيراً فلسطينيّاً من النساء والأطفال دون سن 19 عاماً، إلى جانب إدخال مئات الشاحنات من المواد الغذائية والطبية والغاز والوقود.
وتشكل الأيام الأربعة فرصة أمام نحو 2.3 مليون نسمة لالتقاط الأنفاس بعد نحو 49 يوماً من القصف والدمار والاستهداف المباشر للمدنيين الفلسطينيين، لا سيما وأن هذه الحرب تختلف كثيراً عن سابقاتها من الحروب وجولات التصعيد التي عايشوها في الفترة من 2006 إلى 2023.
بين تنفس الصعداء والحزن
شهدت ساعات الصباح الأولى للهدنة انتشاراً كبيراً للفلسطينيين في مختلف المناطق، إذ عمد سكان المناطق الشرقية في رفح وخان يونس إلى العودة إلى مناطق سكنهم من أجل تفقدها أو معاينة الأضرار التي حلت بها عن قرب، فيما ذهب فريق آخر إلى محاولة انتشال ما يمكنهم من ملابس أو بواقي الأثاث في منازلهم.
وسيطرت حالة من الحزن الشديد على الأهالي، خصوصاً مع تمكن الطواقم الطبية والدفاع المدني من انتشال عشرات الجثث التي كانت مدفونة أسفل المباني والمنازل أو في الشوارع العامة، ولم يجرِ الوصول إليها خلال أيام العدوان الإسرائيلي المتواصل على مدار شهر ونصف الشهر.
ومع ذلك، حاول عدد من أهالي المنطقة الشمالية الوصول إلى سكنهم في مدينة غزة وشمالي القطاع، وفق شهادات حصلت عليها TRT عربي، لكن جنود الاحتلال المتمركزين في هذه المناطق أطلقوا النار بشكلٍ مباشر ومنعوهم من ذلك، بالتوازي مع اتصالات هاتفية ومنشورات إسرائيلية ألقتها الطائرات تحذر سكان هذه المنطقة من الوصول إليها.
واستخدم السكان الوسائل المتاحة كافة للوصول إلى منازلهم، سواء السيارات التي حولوها إلى العمل بزيت "الطهي" أو العربات التي تجرها الدواب، في ظل أزمة نقص الوقود نتيجة إغلاق المعابر بشكلٍ كامل منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
صدمة المشهد
وتقول الفلسطينية مريم لـTRT عربي إنها استثمرت وجودها في المكان من أجل استخراج بعض الملابس الشتوية لأبنائها نظراً لبرودة الجو مع دخول فصل الشتاء ومكوث عائلتها في أحد مراكز الإيواء التي نزحت إليه بعد بداية الحرب الإسرائيلية على غزة الشهر الماضي.
وترى مريم أن "الأمل انقطع بالنسبة لها في ضوء الظروف المعيشية المأساوية التي يعاني منها النازحون منذ بداية العدوان على غزة، وانتظارهم أن تحمل الهدنة واقعاً مغايراً ينهي معه الحرب الإسرائيلية بشكلٍ كامل، تعود إليه الحياة إلى طبيعتها السابقة".
وتبدي السيدة حالة من القلق لاحتمالية عودة العدوان الإسرائيلي من جديد على غزة خلال الأيام التي تلي فترة الهدنة، خصوصاً أن مراكز الإيواء المخصصة للنازحين لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات الأسر الفلسطينية فترة الحرب على القطاع.
استغلال الهدنة
أما الناشط والمسعف عبد العزيز النجار فوقف هو الآخر أمام ركام منزله وعلامات الحزن والألم تسيطر على ملامح وجهه بعد أن تعرض للقصف الإسرائيلي خلال الحرب، وهو ما تسبب في نزوح عائلته بعيداً، فيما كان هو على رأس عمله مسعفاً.
ويقول النجار لـTRT عربي: "أتيت إلى منزلي لمحاولة استخراج ما يمكن استخراجه بعد أن دُمِّر بشكلٍ كامل نتيجة القصف الجوي الشديد في الأيام الأخيرة التي سبقت التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت".
ويأمل عبد العزيز في أن يجري الوصول إلى وقف إطلاق النار الدائم خلال الفترة المقبلة بطريقة تؤدي إلى إعادة إعمار غزة من جديد، سواء على صعيد المنازل أو حتى البنية التحتية مثل الطرق العامة وشبكات الكهرباء والمياه التي تعرضت للضرر البالغ خلال الفترة السابقة.
أما حال الشابة آية النجار فلم يختلف عن سابقيها كثيراً، إذ وقفت هي الأخرى على ركام منزلها تحاول أن تتفقد ما بقي منه بعد أن تعرض للدمار شبه الكامل خلال القصف الإسرائيلي على بلدة خزاعة شرق خان يونس جنوب القطاع خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وتحدثت آية لـTRT عربي عن نجاحها في استخراج بعض الأشياء من تحت ركام منزلها على رأسها الملابس الخاصة بها وعائلتها، فيما بقيت أشياء كثيرة لم تتمكن من استخراجها نظراً لقساوة القصف الإسرائيلي على المنزل.
وتستكمل آية بقولها: "حتى اللحظة مصيرنا لا يزال مجهولاً، فنحن نجلس في خيام في مناطق النزوح ولكن بعد ذلك لا نعلم مصيرنا".
وتأمل السيدة أن يوجد حل جذري لهذه المشكلة وأن يتمكنوا من العودة إلى ممارسة حياتهم بشكلها الطبيعي مثلما كانت قبل الحرب.
ووفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة فإن أيام الحرب الإسرائيلية البالغة 49 يوماً خلفت نحو 15 ألف شهيد، بينهم 6150 طفلاً وأكثر من 4 آلاف امرأة، ونحو 7 آلاف مفقود تحت الأنقاض، فضلاً عن أكثر من 36 ألف مصاب، 75% منهم أطفال ونساء.
ومن بين 24 مستشفى كانت تعمل في الشمال قبل الحرب، أصبحت 22 مستشفى إما خارج الخدمة أو غير قادرة على قبول مرضى جدد، في حين أن 8 مرافق طبية من أصل 11 في الجنوب تعمل، في الوقت الذي قالت منظمة الصحة العالمية إن واحداً فقط منها قادر على علاج إصابات الجروح الحرجة أو إجراء عمليات جراحية معقدة.
وتفيد بيانات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أن الإحصائيات الصادرة عن فريقه تؤشر إلى وجود أكثر من 20 ألف شهيد، من بينهم 8176 طفلاً، على اعتبار انعدام فرص وجود أحياء تحت الأنقاض نظراً لطول الفترة وتعذر انتشالهم.
وحسب بيانات المرصد فإن إجمالي أعداد الشهداء مع الجرحى في القطاع يبلغ 2.6% من السكان، أي ما يعادل 11 مليون عربي.