مرَّت الحرب الرُّوسية-الأوكرانية، التي تدور رحاها منذ أكثر من عام ونصف بمراحل عدّة، شهدت أحداثاً وبرزت فيها أسلحة وآليات مختلفة على جبهات القتال، لعلّ "المسيّرات الإيرانية" كانت أكثرها للنقاش.
كشفت وثيقة سريّة بعثتها أوكرانيا إلى حلفاء غربيّين، أن المُسيّرات الانتحارية إيرانية الصنع، المستخدَمة من طرف موسكو في شن هجمات على مدن أوكرانية، تضم مكوّنات غربية الصنع.
ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية معلومات عن الوثيقة التي جاءت في 47 صفحة، وقدّمتها كييف لحكومات مجموعة السبع في أغسطس/آب الماضي.
وقالت كييف في التقرير المسرّب، إنّ أكثر من 600 غارة جوية استهدفت مُدناً أوكرانية، في الأشهر الثلاثة السابقة على التقرير، استُخدمت فيها مسيّرات تضم مكونات تكنولوجيّة غربية الصنع.
وأوضح التقرير -الذي أسهم في إعداده معهد الأبحاث المركزي الأوكراني للأسلحة والمعدات العسكرية وأجهزة الاستخبارات التابعة له- أنّه عُثر على 52 مكوناً كهربائياً صنّعته شركات غربية في الطائرة المُسيّرة "شاهد-131"، التي أُسقطت من الدفاعات الأوكرانية.
هذا فيما ضمَّت المُسيّرة "شاهد-136" 57 مكوناً غربيّاً، وهذه الأخيرة قادرة على التحليق على مدى ألفي كيلومتر بسرعة تبلغ 180 كيلومتراً في الساعة.
استعمال مكثّف للمُسيّرات
ويؤكد الخبير العسكري، العميد خليل الحلو، أنّ "المدى الذي قد تبلغه هذه المسيّرات يمكن فعلاً أن يكون ألفَي كيلومتر، وتتميّز بدقة عالية بسبب أنظمة التوجيه (GPS)، وتحلّق على ارتفاع منخفض يجعل من الصعب على الرادارات كشفها".
ويضيف الحلو لـTRT عربي، أنّ هذا النوع من الطائرات بطيء نسبياً، إلاّ أنّ روسيا "تستخدم المسيّرات بكثافة بموازاة مع القصف الصاروخي، وبالتالي عندما يكون هناك قصف كثيف يصعُب إسقاطها بالكامل، وهو ما يجعل بعضها يبلغ أهدافه".
كما أنها -وفق الخبير العسكري- تُمكّن أحياناً من إلهاء المضادات الأرضية عن الصواريخ التي تصل إلى أهدافها، بدورها.
تحقيق في استخدام "التكنولوجيا الغربية"
وبالعودة إلى الوثيقة التي نشرتها "الغارديان"، فقد حُدِّدت 5 شركات أوروبية، منها شركة بولندية تابعة لشركة بريطانية متعددة الجنسيات، وذهبت إلى أنّها شركات التصنيع الأصلية للمكونات المُحددة.
وكشفت الوثيقة أنّ من بين مُصنّعي هذه المكونات، شركات يوجد مقرّها الرئيسي في دول مشاركة في العقوبات، مثل الولايات المتحدة وسويسرا وهولندا وألمانيا وكندا واليابان وبولندا.
ويرى إيران كنعان، المحلّل السياسي المقيم في فيلادلفيا (شرق الولايات المتحدة الأمريكية)، أنّ "واشنطن ستفتح تحقيقاً في مثل هذه القضية المهمة، ومن ثم ستعلن عن إجراءات بناءً على نتائج هذا التحقيق".
ولفت كنعان في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ هذه المُسيّرات الإيرانية "متقدمة ومتطورة تكنولوجياً، لدرجة أنّها تحتل المركز الثالث أو الرابع عالمياً، وهو ما يفسّر استماتة روسيا في الحصول عليها".
ويضيف المحلّل السياسي: "إذا ثبت أنّ هذه المُسيّرات الإيرانية تتضمن مكوّنات غربية، فحتماً ستكون هناك عواقب وخيمة على هذه الشركات".
مكوّنات متعددة الاستعمالات
جاء في الوثيقة نفسها، أنّه يوجد ما يشير إلى مخالفات ارتكبتها شركات غربية جرى تحديد مكوّنات من إنتاجها داخل المسيرات الإيرانية. ذلك باعتبار أنّ صناعة الطائرات المسيّرة الإيرانية تتكيّف وتَستخدم في الغالب مكونات تجارية متوفرة، ليست عليها إلا رقابة هزيلة أو لا تخضع لرقابة على الإطلاق.
ولفت التقرير إلى أنّ المعلومات الجمركية تُظهر أنّ إيران استوردت معظم هذه الأجزاء والمكونات التي تستخدمها في صناعة المُسيّرات الانتحارية، من دول أخرى كالهند وفيتنام.
ويوضح الخبير العسكري خليل الحلو، أنّ "المكونات التي استُخدمت في صناعة مُسيّرات (شاهد) الإيرانية، متعددة الاستعمالات، إذ تُستخدم لأغراض مدنية، كما يمكن استعمالها أيضاً لأغراض عسكرية، ولذلك هي غير مشمولة بالحظر أو العقوبات".
ويضيف الخبير العسكري أنّه "يمكن لإيران أن تشتري هذه القطع بفضل شركات مدنية، ربّما غير إيرانية، من مختلف أنحاء العالم، واستعمالها لصنع المُسيّرات".
ويرى الحلو أنّه "يصعب منع وصولها إلى إيران؛ لأنّ ذلك يتطلب إدخالها في لوائح الحظر، وهذا مستحيل. وليس هناك من حل سوى وضع تقنيات تمكّن من تتبّع هذه المكونات، وتنبيه الشركات المصنِّعة لها، لمنع وصولها إلى إيران".
مخطط لاستهداف مصانع المُسيّرات
وأظهر التقرير أنّ إيران تمكّنت من تنويع إنتاجها من المُسيّرات الانتحارية باستخدام مصنع سوري، تنقل الطائرات منه إلى ميناء "نوفوروسيسك" الروسي، ثم تحول إنتاج المُسيّرات إلى روسيا، وإلى منطقة تتار الوسطى في ألابوغا، مع استمرار طهران في توريد المُكوّنات.
وتزعم الوثيقة نفسها أنّ روسيا تتسلَّم المُسيّرات من إيران عبر بحر قزوين؛ إذ تأتي من طهران إلى ميناء أمير آباد الإيراني، وتُشحن من هناك نحو مدينة ماخاتشكالا الساحلية الروسية، مشيرةً إلى أنّ روسيا وإيران تعملان بالفعل على إنتاج محرك جديد للطائرة "شاهد-136".
واقترحت أوكرانيا على حلفائها الغربيين "توجيه ضربات صاروخية إلى مصانع إنتاج المُسيّرات في إيران وسوريا، وكذلك إلى موقع إنتاج محتمَل في روسيا".
وأمام رفض محتمَل من حلفائها، طالبت كييف شركاءها بمدّها بوسائل التدمير اللازمة، لكي تتمكن قوات الدفاع الأوكرانية من تنفيذ هجمات ضد مواقع إنتاج المسيّرات الانتحارية التي تستخدمها موسكو.
"ذريعة" لاستهداف كيانات إيرانية
ويعتقد حكم أمهز، الخبير في الشؤون الإيرانية، أنّه "ليس من الضروري أن يكون ما ورد في تقرير (الغارديان) صحيحاً، خصوصاً أنّ واشنطن تتخذ مُبرّرات من أي شيء لاستهداف شركات أو كيانات أو شخصيات ترى أنّها تؤثر على سياساتها أو تفوقها".
ويرى أمهز في حديثه مع TRT عربي، أنّه "من هذا المنطلق لا يُستبعد أن تتخذ واشنطن من هذه الذريعة، سواء أكانت صحيحة أو كاذبة، مبرراً لاستهداف جهات أو شخصيات ترى أنّها تؤثر على سياسات واشنطن".
ويخلص المتحدث نفسه، إلى أنّ "الأمر المهم للغاية، الذي يرفض الغرب الاعتراف به، هو التفوق التكنولوجي والعلمي الذي وصلت إيران إليه ذاتياً، إذ إنّ طهران لديها قدرات تكنولوجية متقدمة محلية الصنع".
يُذكر أنّ هذه ليست المرّة الأولى الذي تُثار فيه مسألة القطع الغربية التي تتضمّنها المُسيّرات الإيرانية.
وسبق أن كشفت شبكة "CNN" الأمريكية العام الماضي، عن أنّ إدارة الرئيس بايدن شكّلت فريق عمل مُوسّعاً للتحقيق في كيفية وصول مُكوّنات أمريكية وغربية، إلى مُسيّرات إيرانية تستخدمها روسيا في الحرب الأوكرانية.
وقالت الشبكة حينها إنّ هناك أدلة على أنّ طهران تجد وفرة من التكنولوجيا المتاحة تجارياً، رغم كل القيود المفروضة على إيران.
وعلى أثر الجدل بخصوص استخدام موسكو المُسيّرات الإيرانية، أقرّت طهران للمرة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بأنّها زوّدت روسيا بمُسيَّرَاتها الانتحارية.