يبدو أنّ صيف هذا العام في تشاد سيكون ساخناً. عكس ما تمناه الرئيس إدريس ديبي إتنو الذي أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات في تشاد فوزه بولاية سادسة. ويحكم ديبي البلاد منذ ثلاثين عاماً بعد أن استولى على السلطة في 1990 بتمرد مسلح، وفي عام 2018 فرض دستوراً جديداً يسمح له بالبقاء في السلطة حتى 2033. ومهّد ديبي الطريق إلى الولاية السادسة بحملة اعتقالات طالت الكثير من معارضيه في جوٍّ مشحون بالتوترات. وقالت السلطات في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان إنّها اعتقلت عدة أشخاص، من بينهم الزعيم المعارض صالح كبزابو الخصم التاريخي للرئيس ديبي. وبررت الحكومة القبض عليهم بما قالت إنّها مؤامرة لاغتيال سياسيين، وتفجير مراكز اقتراع ومقر مفوضية الانتخابات. فيما أطلق ناشطون تشاديون هاشتاغ (تمرق بس) على غرار شعار الثورة السودانية (تسقط بس) التي أطاحت بالرئيس البشير في الدولة الجارة الشرقية السودان، ولكن الحكومة التشادية قابلت التجمعات الاحتجاجية بكثير مِن (العنف القاسي) كما وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان.
وستعلن النتائج المؤقتة للاقتراع في 25 أبريل/نيسان والنهائية في 15 مايو/أيار،ويتحدّىالرئيس ستة مرشحين من بينهم ليدي بيسيمدا، وهي أول امرأة تترشح في تاريخ تشاد. بينما أعلنت لجنة الانتخابات فوز الرئيس ديبي بنسبة ٧٩.٣ في المئة في النتائج الأولوية.
الوضع الأمني الهش في تشاد
ركّز الرئيس ديبي في حملته الانتخابية على "السّلام والأمن" في منطقة مضطربة. فتشاد مساهمة رئيسية في مكافحة الجهاديين في منطقة الساحل والصحراء. عبر نشر قوّات مدربة في مالي وأحياناً في نيجيريا والكاميرون. فقد طال خطر الجهاديين القوات التشادية أكثر من مرة. ويبدو أنّ قضيّة "السّلام والأمن" تحولت سريعاً إلى ساحات المواجهة بعد التطورات الأخيرة في ليبيا، والاتفاق الذي وقع بين أطراف النزاع الليبي وأصبح أحد مطلوباته خروج المرتزقة من ليبيا، مما حتّم على المليشيات التشادية الخروج من هناك. فالمعارضة التشادية كانت مستفيدة من السيولة الأمنية في ليبيا، حيث تتخذ من مناطق الشمال التشادي والجنوب الليبي مسرحاً لعملياتها وفي مقدمتها جبهة "الوفاق والتغيير"، و"المجلس الديمقراطي الثوري"، و"حزب العمل التشادي" الذي لقي رئيسه المؤسس قربان جدو نكور حتفه برفقة عدد من المرتزقة التشاديين على يد قوات حكومة الوفاق الليبية في مواجهات بمحور الوشكة في أبريل/نيسان 2020.
عودة الحرب الأهلية في تشاد على إثر الانتخابات الرئاسية
شهدت تشاد العديد من حركات التمرّد المسلّح التي هددت عرش الرئيس ديبي في أنجمينا، أبرزها وصول المتمردين إلى العاصمة أنجمينا في أبريل/نيسان 2006 وأبريل/نيسان 2008 حيث قاتلت القوات الحكومية داخل العاصمة أنجمينا وحول القصر الرئاسي، وتدخّل حينها الحليف الفرنسي بصورة مباشرة باستخدام طائرات سلاح الجو الفرنسي الموجود في قواعده العسكرية بتشاد، لفكّ الخناق عن الحكومة وتشتيت المتمردين. ويقول الصحفي المتخصص في شؤون الغرب الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس في تصريحاتلـTRT عربي: "إنّ الحركات المسلحة السابقة لم يسندها عمل شعبي ممنهج، ولكن الأحداث العسكرية الأخيرة التي تشهدها تشاد هذه الأيام جاءت بعد تحالف شعبي عسكري بين التجمّع المدني المعارض وجبهة الوفاق، مضيفا أنّ المعارضة المدنيّة عارضت بشدة الانتخابات الرئاسية الحالية، وحشدت الدعم الشعبي عبر المسيرات والاحتجاجات في وجه النظام ورئيسه. مضيفاً أنّ هناك عاملاً آخر فاعلاً في تحريك العمل المسلح، وهو خروج الحركات المسلحة المعارضة التشادية التي كانت تقاتل كمرتزقة في الداخل الليبي. حيث رصد تقرير خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا الصادر في 8 ديسمبر/كانون الأول 2020 يوثّق أنّ قوات حركة "الوفاق من أجل التغيير" دعمت قوات حفتر بـ700 مقاتل تشادي، كانوا موجودين في معسكر (الجفرة)، وخروج هذه القوات وغيرها من الحركات المسلحة مثّل تهديدا مباشراً لمشروع ديبي السياسي".
بداية الصراع وتقدّم المعارضة
تزامناً مع بداية الانتخابات أكدت جبهة "الوفاق من أجل التغيير"، أنّها هاجمت الجيش في 11 أبريل/نيسان 2021، يوم الانتخابات الرئاسية، في بلدة زواركيه، "وأنّ المدينة سقطت في أيديهم دون مقاومة".
ولم يتأخّر الردّ الحكومي، حيث أعلنتالحكومة يوم الإثنين الموافق 12 أبريل/نيسان 2021 أنّ سلاحها الجوي شتت مَن وصفتهم بجحافل المرتزقة الذين دخلوا تشاد قادمين من ليبيا، بعد ضغط المجتمع الدولي لإخراجهم من هناك.
وأضافت الحكومة التشادية، في بيان للناطق باسمها، "أنّ الجيش التشادي يواصل تمشيط مواقع بإقليم تِبِسْتي شمالي البلاد على بعد ألف كيلومتر من العاصمة أنجمينا". وأُعلن وقوع عدة هجمات يوم الاقتراع في الانتخابات الرئاسية التشادية، يوم الأحد في 11 أبريل/نيسان، إذ كشف التحالف العسكري التشادي المكون من أربع حركات متمردة إرسال حوالي 100 مركبة إلى منطقة (فايا لارجو) مع حوالي 500 رجل من المنطقة الحدودية مع ليبيا، وأنّ محمد علي، الأمين العام للتحالف العسكري للمتمردين، قال: "سنجبر إدريس ديبي على المغادرة".
مستقبل الصراع العسكري في تشاد
ويقول الصحفي عبد المنعم أبو إدريس "إنّ النظام التشادي لن يتغير بالعمل العسكري إلا إذا تخلّت القوى الغربية عنه، وفي مقدمتها فرنسا وأمريكا، باعتبار أنّ الرئيس ديبي يُعدّ عاملاً فاعلاً في المشروع الأوروبي " مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا" وأنّ الخطر ما يزال بعيداً عن النظام، إذ يبعد المتمردون الآن حوالي 210 كيلو من العاصمة أنجمينا، كما أنّ القوات الحكومية حتى الآن قادرة على التعامل معهم، خاصة في المعارك التي دارت في منطقة زيكي بإقليم كانم شمالي البلاد، حيث أعلن الجيش التشادي يوم الإثنين 19 أبريل/نيسان قتله أكثر من 300 متمرد وأسر 146 في المعارك التي جرت منذ يوم السبت الماضي".
وقال رئيس الأركان العامة للجيش التشادي أبكر عبد الكريم "إنّ القوات الحكومية تمكّنت من القضاء على التهديد الذي يمثله المسلحون، وتشتيتهم".
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه الحكومة خسائرها البشرية قالت مصادر لوكالات إن من بين القتلى الحكوميين قائد القوات البرية، وإنّ عشرات الجرحى نقلتهم المروحيات إلى المستشفيات، حيث شوهدت مروحيات عسكرية فرنسية تنقل جرحى العمليات الحكوميين للعلاج في مستشفيات القواعد العسكرية الفرنسية وفي العاصمة أنجمينا.
الوضع في العاصمة أنجمينا
وتزامناً مع التطورات الأمنية فقد سحبت كلٌّ مِن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا رعاياها وموظفيها الدبلوماسيين غير الأساسيين مِن العاصمة أنجمينا، وذكر شهود عيان أنّ أعداداً مِن المواطنين التشاديين بدؤوا مغادرة العاصمة، مع انتشار كثيف للقوات الأمنية والشرطية في شوارع المدينة، وأنّ الحرس الجمهوري يحرس المناطق الاستراتيجية. فيما قلّت حركة المرور في المناطق الحيوية.
السيناريو المتوقع
منذ عام 2018، تحاول حركات المعارضة المسلحة، دون جدوى، الإطاحة بنظام الرئيس إدريس ديبي وتنفيذ عمليات توغل وهجمات في إقليم تيبستي انطلاقاً من الداخل الليبي. ولكن بعد طردها من ليبيا أصبحت المواجهة حتميةً كما يقول الخبير العسكري الصوارمي خالد "إنّها فرصة للقوات الحكومية التشادية للقضاء على حركات التمرد التي فقدت الدعم اللوجستي وأغلقت أمامها الحدود الليبية، حيث لا تستطيع الهروب إلى الداخل وترتيب صفوفها مرة أخرى. وبرغم أنّ قوات المعارضة قد قطعت أكثر من 800 كيلو داخل الأراضي التشادية نحو العاصمة أنجمينا، إلا أنّ العاصمة تبقى في أمان مع مراقبة الحليف الفرنسي لتطور مسرح العمليات، وإمكانية التدخل في الوقت المناسب".
ولكن في كل الأحوال فإنّ ولاية الرئيس ديبي السّادسة والتي أعلن فيها فوزه اليوم بنسبة ٧٩.٣ ٪ لن تكون كسابقاتها، إن لم تكن الأخيرة. حيث إنّ هناك تحديات جديدة تتمثل في أنّ الحركات المسلحة كانت تنطلق من دون سند شعبي، بيد أنّ الحراك الشعبي الذي رفض إجراء الانتخابات الأخيرة لن يسلّم بنتائجها، ولن يتراجع عن مطالبه المتمثلة في ذهاب النظام.