جرعات محدودة وارتباك في السوق.. لماذا تشهد أوروبا نقصاً حاداً في الأدوية؟
تشهد الصيدليات في دول أوروبا نقصاً حاداً في عدد من الأدوية، بخاصة مسكنات الآلام ومضادات الالتهابات الرئوية. بالمقابل، ترجع شركات الصناعات الدوائية هذا النقص في الطلب المتزايد على تلك العقاقير، وعدم قدرة إنتاجها على تلبيته.
لماذا تشهد أوروبا نقصاً حاداً في الأدوية؟ / صورة: Reuters (Reuters)

تعيش أوروبا هذه الفترة من العام ازدياداً كبيراً في حالات الالتهاب الرئوي، وغيرها من الأمراض المرتبطة بفصل الشتاء، ما يرفع الحاجة إلى أدوية مثل مسكنات الآلام والمضادات الحيوية ومضادات الالتهاب. غير أن هذه الحاجة أصبح من الصعب تلبيتها، والمرضى غالباً ما يعانون من أجل إيجاد ما يعالجون به أجسادهم.

هذا الوضع راجع بالأساس إلى الشُّح الكبير في هذه الأدوية الذي تشهده صيدليات القارة، ما دفع المسؤولين عن قطاع الصحة إلى التدخل وتقنين بيع بعض العقاقير. بالمقابل، تُعلّل شركات الأدوية هذا النقص بالارتفاع الكبير للطلب، لما يفوق قدراتها الإنتاجية.

أوروبا بلا أدوية؟

تواجه الدول الأوروبية أزمة نقص حاد في الأدوية، بخاصة تلك التي تُستخدم في بروتوكولات علاج نزلات البرد والإنفلونزا والالتهابات الرئوية. فيما تشير دراسات حديثة، إلى أن النقص يطال حوالي 3000 نوع من الأدوية.

ووفق استطلاع للمجموعات الصيدلانية الأوربية، فإن ربع دول القارة تشهد نقصاً في 600 عقار على الأقل، و20% أعلنت عن أن من 200 إلى 300 عقار فُقدت من أسواقها، وثلاثة أرباع هذه الدول أكدوا أن شح الدواء هذا العام أكبر من سابقه.

وحسب السلطات الصحية البلجيكية، تعاني البلاد من نقص في 300 عقار على الأقل. وفي ألمانيا يبلغ عدد العقاقير المفقودة من السوق 480، كما فاق الـ600 عقار في النمسا. وكشفت دراسة أخيرة، بأن شح الأدوية في إسبانيا قد زاد بنسبة 38% في عام واحد.

وتعاني فرنسا أيضاً من شح حاد في الأدوية، ووفق وسائل إعلام محلية، فإن النقص الذي طال عقاري الباراسيتامول والأموكسيلين بدأ منذ يوليو/تموز الماضي. وهو ما دفع "الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية" الفرنسية إلى دق ناقوس الخطر بشأن هذا الوضع، وتوصية العاملين في الصحة والصيدليات بتقنين وصف هذين العقارين للمرضى، وعدم بيع أكثر من علبتين منهما لكل مريض.

ووصفت الأمينة العامة للمجموعة الصيدلانية في الاتحاد الأوروبي، إيلاريا باساراني، الوضع بأنه "سيئ للغاية"، فالنقص "يشمل جميع البلدان ويطال جميع أنواع الأدوية". وتضيف المسؤولة الأوروبية، في حديثها لـ "يورونيوز"، قائلة: "على مدى السنوات السبع أو الثمانية الماضية شهدنا تزايد المشكلة، لكن اليوم توجد أسباب أساسية تزيد من تأزم الوضع".

ما أسباب هذا النقص؟

وتعددت أسباب هذا النقص في الأدوية بالبلدان الأوروبية، بين الطلب المتزايد وغير المقنن على هذه الأدوية، وضعف القدرات الإنتاجية للشركات المحلية وجشع اختياراتها التصنيعية، كذلك عدم امتلاك أوروبا سيادة على إنتاج العناصر النشيطة التي تدخل في تركيبات العقاقير.

وحسب المفوضة الأوروبية للصحة ستيلا كرياديس، فإنه "من الأسباب الرئيسية التي حُددت (لنقص الأدوية) الزيادة الكبيرة في الطلب بسبب تكاثر التهابات الجهاز التنفسي ونقص القدرات الإنتاجية (لدى شركات الأدوية)".

وهو ذاته ما أكده كبير المسؤولين الطبيين بالوكالة الأوروبية للأدوية، ستيفن ثيرستروب، بقوله: "علمنا من عدد من الشركات المُصنّعة أن لديهم مشاكل في القدرة التصنيعية، بعضها يتعلق بنقص الموظفين".

في المقابل، ترى بعض الأصوات داخل البرلمان الأوروبي، أن سبب الأزمة جشع شركات الأدوية، التي تميل إلى إنتاج العقاقير الخاصة وباهظة الثمن، مقابل إنتاج أدوية الاستعمال اليومي كالمسكنات ومضادات الالتهاب التي لا تدر أرباحاً كبيرة مقارنة بالأولى.

الأمر الذي أشارت إليه النائبة الأوروبية ميشيل ريفازي، في خطابها يوم 17 يناير/كانون الثاني، قائلة: "تواجه أوروبا نقصاً مقلقاً للغاية في الأدوية، مما يدل على حدود نظام الإنتاج القائم على الربح. إذا أهملت المعامل إنتاج بعض الأدوية غير المربحة بدرجة كافية، وبالتالي علينا تغيير موردينا".

وبالنسبة إلى شركات الأدوية، فهذا النقص يعود بدرجة أولى إلى اضطراب سلاسل توريد العناصر النشيطة المستخدمة في تركيبة الأدوية. ومن بين هذه الشركات شركة "ساندوز"، التي تعد أحد أكبر المنتجين في سوق الأدوية الجنسية في أوروبا، إذ صرحت بأنها تعاني مشاكل في الإمداد بشكل خاص.

وفي حديثه لموقع "بوليتيكو"، قال متحدث باسم "ساندوز"، إن أبرز أسباب عدم تلبية الشركة الطلب الحاصل على الدواء هو ما تواجهه من ندرة في المواد الخام والقيود على قدراتها التصنيعية. هذا وتفتقد أوروبا السيادة على احتياجاتها من العناصر النشيطة، بينما تنتج كل من الصين والهند حوالي 90% من الطلب العالمي على تلك المواد.

TRT عربي