دوافع كثيرة.. لماذا يسعى الإسرائيليون للهجرة؟
يمكن ملاحظة ظاهرة نزوع البعض إلى الهجرة من إسرائيل، بوضوح عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، حيث ينتشر الكثير من "النقاشات" حول الهجرة وإصدار جوازات السفر الأجنبية.
Proteste in Israel / صورة: DPA (DPA)

تتزايد ظاهرة الهجرة العكسيّة من إسرائيل في الآونة الأخيرة، مما يشكّل سابقة خطيرة بالنسبة إلى نظامها القائم بالأساس على ترغيب اليهود في جميع أنحاء العالم للهجرة إليها، واعدة إياهم بـ"حياة آمنة ومستقرة".

ويمكن ملاحظة ظاهرة نزوع البعض إلى الهجرة من إسرائيل، بوضوح عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، حيث ينتشر الكثير من "النقاشات" حول الهجرة وإصدار جوازات السفر الأجنبية.

وظهرت مجموعة جديدة في إسرائيل تدعو المواطنين للهجرة من البلاد، وتنشط المجموعة المسماة "لنغادر البلاد معاً" عبر وسائط التواصل الاجتماعي، من خلال حملة تهدف لإقناع 10 آلاف مواطن إسرائيلي بالهجرة إلى خارج البلاد.

إلى جانب ذلك، أفادت تقارير إعلامية بأنّ نحو 33% من الإسرائيليين، يفكرون في الهجرة، فيما ارتفعت نسبة الطامحين إلى الهجرة بين الشباب إلى 56%.

وفضلاً عن الأسباب الأمنية، التي مثَّلت العامل الرئيسي في الدفع بآلاف الإسرائيليين للهجرة إلى الخارج في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 والثانية عام 2001، تتداخل هذه المرة عوامل كثيرة للدفع بهذا الاتجاه.

الإصلاحات القضائية.. عامل نحو الهجرة

وتثير الإصلاحات القضائية التي تعتزم حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تنفيذها حالة من الجدل في إسرائيل، ودفعت إلى مظاهرات واسعة في البلاد.

وفي الوقت الذي تدافع فيه الحكومة عن المشروع بأنّه "محاولة لاستعادة التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية"، وفق تصريحات حكومية، تعد المعارضة تلك القوانين "انقلاباً على الديمقراطية" كونها تحدّ من سلطات المحكمة العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في إسرائيل.

وكان استطلاع للرأي أجرته القناة "13" الإسرائيلية في شهر يوليو/تموز الماضي خلص إلى أنّ نحو ثلث الإسرائيليين يفكرون بمغادرة البلاد مع إصرار حكومة نتنياهو على تمرير التعديلات القضائية التي تقول المعارضة إنها "تحول إسرائيل إلى ديكتاتورية".

وفي هذا السياق يرى مأمون أبو عامر، المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أنّ "التغيّرات القضائية تعدّ عاملاً أساسياً في دفع الإسرائيليين نحو هذه الهجرة"، ويعدّ التيار الليبرالي أو العلماني هو التيار الأكثر رغبةً في الهجرة، لأنّه "يرى في إسرائيل دولة ديمقراطية علمانية وليست دولة دينية".

ويضيف أبو عامر لـTRT عربي، أنّ "المسيرات الأسبوعية أمام الكنيست وأمام منزل رئيس الوزراء، الذي يقود حملة التغييرات القضائية، هي تعبير واضح عن رفض هذا التيار الذي يشكّل نسبة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي لهذه التغييرات القضائية".

من ناحيته يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي، أنّ أحد أنماط الاحتجاج على هذه التعديلات هو "الهجرة العكسية".

ويُردف النعامي في حديثه مع TRT عربي، أنّ هناك دعوات الآن لتنظيم هجرات عكسية بشكل جماعي في أوساط أصحاب المهن والأطباء، والعاملين في مجال التقنيات المتقدمة.

مخاوف أمنية

ويرى بعض المراقبين للشأن الإسرائيلي أنّ خطة "التعديلات القضائية" تدفع بالبلاد إلى إمكانية صراع بين معسكرين داخل إسرائيل؛ أوّلهما يميني يدفع باتجاه جعل الدولة "أكثر دينية"، وآخر يساري يرفض هذه التعديلات ويريد جعل إسرائيل أكثر "علمانية وديمقراطية".

هذه المخاوف عبّر عنها استطلاع نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في شهر مايو/أيار الماضي، إذ رصد أنّ أكثر من نصف الإسرائيليين يخشون من اندلاع حرب أهلية في البلاد إثر الخلافات الحادّة حول مشاريع قوانين "الإصلاح القضائي" المثيرة للجدل.

إلّا أنّ الإشكالية الأمنية لا تقتصر على مخاوف من انقسام داخلي فقط، حيث يرى أسامة الأشقر، المستشار في "مركز الراصد للدراسات والعلوم"، أنّ تنامي العمليات الفلسطينية في الآونة الأخيرة في معظم مناطق الضفة الغربية، و"تحوله إلى حالة شعبية أكثر من تحوله إلى حالة فصائلية تنظيمية أدى إلى تزايد المخاوف الإسرائيلية".

ويضيف الأشقر لـTRT عربي، أنّ "هذه الحالة ستدفع الإسرائيليين للهروب من هذا المجتمع، خصوصاً مع نمو الإجراءات الأمنية المتطرفة ضدّ هذه المقاومة، وعدم وجود حلول سياسية للقضية الفلسطينية".

دور العامل الاقتصادي في الهجرة

كان لهذه الاضطرابات السياسية والأمنية أثر سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ حذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، في شهر مايو/أيار الماضي من أنّ المخاوف على الاقتصاد الإسرائيلي بدأت تتجسد، بعد خطة "إصلاح القضاء".

وفي هذا الشأن، يوضح صالح النعامي أنّ الجانب الاقتصادي يخصّ العلاقة بين "المستوطن والكيان السياسي، إذ إنّ هذه العلاقة قائمة على عقد اجتماعي أهم ركائزه ضمان مسألة الرفاهية الاجتماعية للمستوطنين، وأن يكون هناك مستوى اقتصادي يُوفّر لهم وضعاً مادياً معقولاً"، لافتاً إلى أنه "إذا جرى المساس بهذا الشرط، فسيتّم التعبير عن ذلك بتوجه كثير من الإسرائيليين إلى الهجرة".

بدوره، يرى الأشقر أنّ أكثر فئة تُقْدم على الهجرة هي فئة الشباب الذين انعدمت أمامهم الفرص الداخلية، إذ تقتصر الفرص المتاحة داخل إسرائيل على المجالَين الأمني والعسكري.

ويشير الأشقر إلى أنّ تراجع الاقتصاد الإسرائيلي "أدّى إلى ارتفاع نسبة البطالة في أوساط الشباب الذين يملكون هويات وجوازات سفر متعددة، وبالتالي يبحثون عن فرص عمل جديدة في الخارج".

ويأتي ذلك في ظل وضع من التراجع الاقتصادي، إذ كشف كبير الاقتصاديين بوزارة المالية الإسرائيلية شموئيل أبرامسون، في سبتمبر/أيلول الجاري، لهيئة البث الرسمية في البلاد، عن أنّ انخفاضاً بنسبة 60% سجّلته الاستثمارات الأجنبية خلال الربع الأول من عام 2023.

التفكير في الخَلاص الفردي

وتتمثل هذه الفكرة -وفق النعامي- في النزوع إلى "الشخصنة والريادية" على المستوى الشخصي، والرغبة في أن يكون للإنسان مسار شخصيّ مستقلّ، على حساب التفرغ للشأن العام، أو خدمة الدولة.

ويوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي أنّ هذه النزعة تسهم في الدفع نحو "هجرة عكسية من خلال سعي الإسرائيليين للبحث عن فرص اقتصادية أفضل في الخارج".

من ناحية أخرى، يبيّن النعامي أنّ "هذه النزعة تتمثل أيضاً في الامتناع عن الخدمة في القطاعات العسكرية والأمنية، وبالذات عند الشباب العلمانيين، ممّا يدفعهم إلى التفكير في الهجرة".

وكشفت قناة "كان" الرسمية في شهر يوليو/تموز الماضي عن أنّ العدد الإجمالي لرافضي أداء الخدمة العسكرية من جنود وضباط سلاح الجو الإسرائيلي يقترب من 830، بينهم أكثر من 260 طياراً.

من ناحيتها ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، في أبريل/نيسان الماضي أنّ 47% من الإسرائيليين المغادرين بلادهم أو الذين سافروا للعمل في الخارج قرّروا عدم العودة إليها أبداً.

TRT عربي