"طوفان الأقصى" تطرح قيادة جديدة لليمين في إسرائيل
حس نتنياهو السياسي القوي، وغريزة البقاء الحادة لديه للتمسك بالحُكم، تؤهله لأن يرى قبل أي جهة أخرى رياح التغيير التي تهب على الحلبة السياسية الإسرائيلية بعد 7 من أكتوبر/تشرين الأول (عملية طوفان الأقصى).
لم تضع الحرب أوزارها بعد، ووجود نتنياهو في سدة الحكم يمنحه أفضلية على خصومه من خلال خلق جدول الأعمال السياسي والأمني والإعلامي / صورة: Reuters (Reuters)

رغم انتقال الجيش الإسرائيلي عملياً إلى المرحلة الثالثة من القتال في قطاع غزة، وتصريحات الناطق باسم الجيش دانيال هجاري ووزير الدفاع بذلك للصحافة الأجنبية، إلّا أنه لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتهرب من اتخاذ قرار رسمي وصريح بذلك، كما يماطل في البتّ في سؤال اليوم التالي للحرب على غزة.

حس نتنياهو السياسي القوي، وغريزة البقاء الحادة لديه للتمسك بالحُكم، تؤهله لأن يرى قبل أي جهة أخرى رياح التغيير التي تهب على الحلبة السياسية الإسرائيلية بعد 7 من أكتوبر/تشرين الأول (عملية طوفان الأقصى).

صار نتنياهو ينحو أكثر وأكثر في تصريحاته نحو اليمين، إضافة إلى إبدائه توافقاً متزايداً في الآراء مع القرارات المتطرفة لشركائه اليمينيين في الائتلاف الحكومي، مثل رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش الذي يرفض تحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية (رغم طلب أمريكا وتوصية المنظومة الأمنية)، ورئيس حزب عوتسماه يهوديت، إيتمار بن غفير، الذي لا يكف عن انتقاد رئيس معسكر الدولة وعضو مجلس الحرب المصغر بيني غانتس، والتهديد بالانسحاب من الحكومة في حال تقرر إيقاف الحرب قبل إنجاز أهدافها كاملة، أو في حال قرر نتنياهو إطلاق سراح أسرى فلسطينيين خطرين برأيهم في صفقة تبادل يؤيدها معظم الإسرائيليين لاستعادة الأسرى الإسرائيليين من حماس في غزة.

يقرأ بنيامين نتنياهو الاستطلاعات التي تتنبأ له ولمعسكر اليمين الذي كرّس نفسه على مدى قرابة عقد ونصف من الحكم زعيماً أوحد له، بهزيمة مدوية (من 40 إلى 44 مقعداً بدل 64 اليوم)، وبدأ يشعر أيضاً بمزاحمة وجوه جديدة تتطلع لوراثته في الحكم وتنافسه على أصوات جمهور اليمين واليمين المتطرف وتحظى بقوة متزايدة، مما ينذر بإحداث انقلاب في الساحة الحزبية والسياسية الإسرائيلية، إذا ما تحققت التوقعات بذهاب إسرائيل إلى انتخابات جديدة مبكرة خلال عام 2024 وبعد الانتهاء من الحرب على غزة.

وجوه جديدة قديمة

نفتالي بينت، ويوسي كوهين، ويائير جولان، ثلاثة وجوه معروفة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، بدأت أسماؤها تلمع في استطلاعات الرأي، ويشي حضورها الكثيف في الإعلام، أنها تتحضر وتقف بتحفز على خط الانطلاق للمشاركة في السباق الانتخابي القادم.

ووصف موقع "واللا" الإسرائيلي هؤلاء الثلاثة بأنهم "يحرثون الميدان ولا يتغيبون عن استوديوهات البث، ويجرون جولات تفقدية للإسرائيليين الذين جرى إخلائهم من مستوطنات الشمال والجنوب، ويتفقدون الجنود الجرحى في المستشفيات".

يشتركون أيضاً في الخبرة العسكرية والأمنية، فقد جمعتهم "أخوة سلاح" في أثناء خدمتهم العسكرية في وحدات مختارة في الجيش وتجربتهم الأمنية الطويلة، وهو ما أكسبهم سيرة أمنية لافتة، كما أنهم قادوا احتجاجات ميدانية.

وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإنهم ينطلقون من موقع متقدم على نتنياهو وقادة اليمين المتطرفين الحاليين في السباق الانتخابي، بفضل عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي وصمت قادة اليمين الحاليين بالفشل، والمسؤولية المباشرة عن التغيير الاستراتيجي السلبي في أمن ومكانة إسرائيل داخلياً ودولياً، ومسؤوليتهم عن ما سبقه من صراع داخلي وتمزق عميق في الشارع الإسرائيلي؛ بسبب سياسة حكومة نتنياهو اليمينية وهجومها على القضاء وركائز الديمقراطية الإسرائيلية التي ضمنت لإسرائيل مكانة مرموقة في المنظومة الغربية.

الوجوه الجديدة معروفة في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية الداخلية والإقليمية والدولية، ولكل واحد منها سجل يؤهله لأن يتولى أدواراً مهمة مستقبلية في حقبة ما بعد نتنياهو.

نفتالي بينت

شغل نفتالي بينت مواقع مهمة عسكرية وسياسية وحزبية، حيث شغل موقع رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية، قبل أن يترأس حزب البيت اليهودي ما بين الأعوام 2013 و2018، إذ أصبح عضو كنيست لأول مرة، وبعدها شغل مواقع وزارية من وزارة الاستيطان والاقتصاد والتربية والتعليم والاقتصاد ووزارة الدفاع وصولاً إلى رئاسة الوزراء بعد أن خاض الانتخابات على رأس حزب "يمينا" في عام 2021 بالتناوب مع رئيس المعارضة الحالي يائير لبيد.

خدم نفتالي بينت في الجيش في وحدة رئاسة الأركان "سييريت متكال" المختارة، وشارك في حرب لبنان الثانية عام 2006، وقاد موجة احتجاجات نظمها جنود الاحتياط ضد رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، بسبب نتائج الحرب التي انتهت بتشكيل لجنة تحقيق رسمية (فينوجراد).

يوسي كوهين

شغل يوسي كوهين موقع رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي منذ عام 2016 حتى عام 2021، وكان مقرباً من رئيس الحكومة نتنياهو الذي سبق أن عيّنه مستشاراً للأمن القومي في 2013، وهو يعد أحد الشخصيات التي لعبت دوراً مهماً في نسج علاقات سرية مع دول عربية وخليجية أدت إلى عقد اتفاقيات تطبيع (اتفاقيات أبراهام) في عام 2020.

ووصفت صحيفة معاريف في تقرير لها بتاريخ 28 من ديسمبر/كانون الأول 2023 كوهين بأنه "النسخة المصغرة من نتنياهو، وأنه يحلق بجناح أمني ومظهر خارجي وسيم وهو في سن صغيرة نسبياً ليحل مكان نتنياهو بعد الحرب".

يائير جولان

محطتان فاصلتان في حياة الجنرال ونائب رئيس الأركان الأسبق يائير جولان، أعادتا ولادته وميزتا هويته، في الحياة السياسية الإسرائيلية، وهما تصريحه المثير للجدل في عام 2016، والذي شبّه به ملامح الحقبة التي حكم فيها نتنياهو واليمين في إسرائيل بالحقبة التي سبقت صعود هتلر للحكم في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهي فترة حفرت في ذاكرته عميقاً، بسبب هروب والده فيها من ألمانيا النازية في بداية صعودها.

تصريحات جولان عكست توجهاته اليسارية المعادية لليمين، وأثارت جدلاً واسعاً حول أهليته للدخول في الحياة السياسية، لكنها وإنْ كانت جعلته يفقد حظوظه في تولّي مهمة رئاسة الأركان في 2018، وأن يخسر المنافسة على رئاسة حزب ميرتس اليسار لصالح زهافا جالؤون في عام 2022، إلّا أنها وبسبب المحطة الثانية في حياته أعادت تأهيله وولادته سياسياً من جديد.

المحطة الثانية كانت في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبخلاف السياسيين الآخرين، حمل جولان السلاح، وارتدى زيه العسكري وتوجه إلى غلاف غزة لإنقاذ رهائن، إذ نجح في تحرير بعضهم، وهو ما توّجه كـ"بطل" وأعاد إلى الأذهان ماضيه العسكري.

آراء جولان الواضحة ومواقفه الحاسمة من سياسات اليمين، ازدادت أهمية بسبب تشكيلة حكومة نتنياهو الأخيرة وسياساتها الفاشية وهجومها على القضاء.

الاستطلاعات تتنبأ بخارطة جديدة

تشير استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول، إلى تراجع كبير في شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لصالح رئيس حزب الدولة بيني غانتس، والذي حافظ على تفوق يؤهله لأن يرث نتنياهو، بخاصة بعد انضمامه إلى مجلس الحرب وتعاليه عن الخلافات الحزبية وتقديم نفسه على أنه "رجل دولة يضع مصالحها فوق كل الاعتبارات الأخرى".

الحضور القوي في الإعلام، والنشاط اللافت في الميدان، والتلميحات الواضحة، دفعت وسائل الإعلام إلى فحص شعبية الوجوه الجديدة وأثرها على الخارطة السياسية والحزبية.

وقدرت استطلاعات صحيفة معاريف في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن تأسيس يوسي كوهين حزباً جديداً سيمنحه ما لا يقل عن نصف مليون صوت، بينما اعتبره موقع "سيروجيم" اليميني "وريثاً طبيعياً لنتنياهو" في اليوم التالي للحرب وأنه بدأ فعلياً في الاستعداد للمرحلة القادمة.

نفتالي بينت يحصل، وفق الاستطلاعات التي نشرها موقع واللا في 22 ديسمبر/كانون الأول الأول، على 13 مقعداً.

أما بالبنسبة إلى اجتماع نفتالي بينت ويوسي كوهين في قائمة واحدة فإن قوتهما سوف ترتفع فقط إلى 19، بينما مائير جولان، وفي حال نجح في توحيد حزبَي ميرتس والعمل، فسيحصل على 12 مقعداً وفق أغلب الاستطلاعات.

غانتس.. "ليس يمينياً بما يكفي"

رغم حفاظ رئيس حزب الدولة بيني غانتس على تفوقه على نتنياهو الذي تحطم في الاستطلاعات، إلّا أن دخول الوجوه الجديدة (على انفراد أو في حزب واحد) سيكون له أثر سلبي ومباشر على حظوظ جانتس، ذلك أن وجود نفتالي بينت ذي الخلفية الاستيطانية والأيديولوجية الصهيونية الدينية، ويوسي كوهين الذي ترعرع في كنف الليكود ونتنياهو، ويحمل أفكاراً يمينية، سيسحب جمهور اليمين المحبط من أداء نتنياهو من الليكود إلى بينت/كوهين لا غانتس، لكونه لا يعد يمينياً بما يكفي في ظل توجه معظم الجمهور في إسرائيل نحو اليمين.

حتى يائير جولان بخلفيته اليسارية والعسكرية سيمس بحظوظ وقوة غانتس؛ لأنه سيسحب منه جمهور اليسار الذي يرى به يمينياً أقرب منه إلى الوسط.

لم تضع الحرب أوزارها بعد، ووجود نتنياهو في سدة الحكم يمنحه أفضلية خلق جدول الأعمال السياسي والأمني والإعلامي، والتأثير على الساحة بشكل لا يمكن تجاهله، وهو ما يشير إلى أنه من السابق لأوانه الحكم على الخارطة السياسية المستقبلية في إسرائيل، وإن كانت تنبئ بتغيرات كبيرة.

TRT عربي