قصف واقتحامات وحصار.. كيف يستمر الاحتلال في استهداف المراكز الصحية؟
خلال أكثر من 110 أيام من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كشف المكتب الإعلامي الحكومي عن أن جيش الاحتلال أخرج 30 مستشفى و53 مركزاً صحياً عن الخدمة، واستهدف 150 مؤسسة صحية أخرى بشكلٍ جزئي، ودمَّر 121 سيارة إسعاف.
استشهاد 6 فلسطينيين بقصف على جنين ومقتل مجندة من الوحدة الخاصة وإصابة 3 / صورة: Reuters (Reuters)

لم يتوقع الطبيب الفلسطيني في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، علاء الدين الكحلوت، أن يستهدف الاحتلال الإسرائيلي المستشفى الذي يعمل فيه مختصاً في مجال جراحة الأطفال، وأن تتعرض المستشفيات الفلسطينية لاستهداف مباشر بالطريقة التي شهدتها الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتعرض مؤسسات الرعاية الصحية في غزة والضفة لاستهداف إسرائيلي مكثف، شمل استهداف الأبنية التابعة للمشافي وقصف بعضها وتفجيرها وحصار أخرى، علاوةً على استهداف الطواقم الصحية العاملة في الميدان، وإعاقة عمل سيارات الإسعاف.

وقالت منظمة الصحة العالمية في 5 يناير/كانون الثاني الحالي، إن المستشفيات والبنى التحتية الطبية في غزة والضفة الغربية تعرضت إلى ما يقارب 600 هجوم منذ اندلاع الحرب في القطاع.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير، في البيان الصادر للمنظمة إن "التقليص المستمر للمساحة الإنسانية بالإضافة إلى الهجمات المستمرة على الرعاية الصحية يدفعان سكان غزة إلى نقطة الانهيار".

حصار وتدمير

في تجربته، يقول الطبيب الفلسطيني علاء الدين الكحلوت لـTRT عربي، إنه عمل على مدار 60 يوماً داخل مجمع الشفاء الطبي الأكبر في غزة، وسط سيل كبير من الإصابات والشهداء التي كانت تصل إليهم في الأقسام المختلفة.

ويلفت إلى أن استهداف الطواقم الطبية جعل الشعور بالخوف عالياً بالنسبة لعائلته، ما اضطره في نهاية المطاف إلى النزوح مع زوجته الطبيبة وأبنائه إلى المستشفى، الذي تحول بالنسبة لهم إلى ملجأ ومقر للعمل في الوقت نفسه.

ويشير الكحلوت إلى أن من أوجه الصعوبات التي كانت موجودة داخل مجمع الشفاء الطبي، هي صعوبة الحصول على الطعام والمياه، بعد يوم طويل من العمل في ظل نقص الطعام والشراب وتعمد إغلاق المعابر، ومحاصرة المجمع لمدة أسبوع من دبابات الاحتلال الإسرائيلي، التي كانت تطلق الرصاص الكثيف والقذائف المدفعية باتجاه مَن يحاول الخروج من بوابة المستشفى.

وخلال أكثر من 110 أيام من الحرب الإسرائيلية على القطاع، كشف المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع عن أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أخرج 30 مستشفى و53 مركزاً صحياً عن الخدمة، واستهدف 150 مؤسسة صحية أخرى بشكلٍ جزئي، ودمَّر 121 سيارة إسعاف، فيما لا تزال 6 سيارات إسعاف فقط تعمل في جميع أنحاء القطاع.

ولا ينسى الطبيب الكحلوت مشاركته في دفن قرابة 120 شهيداً فسطينياً مع مجموعة من الأطباء والطواقم الصحية خلال فترة حصار المستشفى قبل أن يسرق جنود الاحتلال الجثث وينبشوا المقبرة بعد أن هددوا العاملين فيها، وهو ما تشير إليه البيانات الصادرة من غزة، إذ قتل الجيش الإسرائيلي 337 فلسطينياً وفلسطينية من الطواقم الطبية، واعتقل 99 آخرين خلال اقتحامه المستشفيات في شمال وجنوب القطاع.

ومؤخراً، يوم الثلاثاء 23 يناير/كانون الثاني الجاري، قال الهلال الأحمر الفلسطيني إن الاحتلال استهدف مستشفى الأمل ومقر الجمعية في خان يونس بالقصف المدفعي للطابق الرابع، تزامناً مع إطلاق نار كثيف من المُسيّرات الإسرائيلية، ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات في صفوف النازحين.

وحتى كتابة هذا التقرير، ما زال الجيش الإسرائيلي يواصل فرض حظر تجوال كامل في محيط مستشفى الأمل، في ظل تواصل القصف وإطلاق النار، ويمنع حركة الطواقم الإسعافية من وإلى المستشفى، وفق بيان الهلال الأحمر الفلسطيني.

اعتداءات مماثلة في الضفة

لم يكن الحال أفضل بكثير في الضفة الغربية، حيث شهدت اعتداءات إسرائيلية، وإنْ بدت في نسقها العام أقل بكثير مما جرى في قطاع غزة، إلّا أنها تركزت على اقتحامات للمستشفيات في ساحتها العامة، أو اعتراض طريق سيارات الهلال الأحمر الفلسطيني، واعتداء على الطواقم الطبية.

وفي مدينة طولكرم، اقتحمت قوات الاحتلال ساحة مستشفى ثابت، وقصفت نقطة إسعاف ميدانية داخل المخيم، واحتجز جنودُ الاحتلال مصابَين اثنين، أحدهما مصاب بإصابات خطيرة من داخل سيارة الإسعاف في محيط المستشفى، في 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال اقتحام واسع للمدينة ومخيمَيها (طولكرم ونور شمس)، أسفر عن استشهاد 6 فلسطينيين.

ولم يكن الحال أفضل في مدينة جنين، المدينة التي سجلت استشهاد 82 فلسطينياً، في أعلى حصيلة بمدن الضفة منذ بدء حرب غزة. وفي هذا السياق، يؤكد محمود السعدي مدير مركز إسعاف جنين في الهلال الأحمر الفلسطيني، أن محاصرة المستشفيات والحد من عمل الطواقم والمستشفيات كانت الظاهرة الأبرز خلال الشهور الثلاثة الماضية.

ويقول السعدي لـTRT عربي، إن "هذه الظاهرة برزت بشكلٍ كبير مع حرب غزة التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول، إذ حوصرت مداخل المستشفيات ومداخل مراكز الإسعاف، وجرى الاعتداء على ساحة مركز الإسعاف، فضلاً عن عمليات التفتيش المذلّ المهين والتعقب لطريق سيارات الإسعاف".

ويلفت إلى أن هناك عمليات اعتقال جرت لمصابين فلسطينيين من داخل سيارات الإسعاف، عدا عن توقيف سيارات الإسعاف للتدقيق في هوية المصابين، وإعاقة الإسعاف عن نقله إلى المستشفى، ما تسبب في استشهاد فلسطينيين، منهم الشاب فؤاد عماد عباهرة (36 عاماً) إثر منع الاحتلال سيارة الإسعاف من نقله إلى المستشفى لمدة نصف ساعة، بعد إصابته في الفخذ وتركه من دون علاج حتى ارتقى في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ووفق معطيات الهلال الأحمر الفلسطيني، التي اطلعت عليها TRT عربي، بلغ مجموع الانتهاكات بحق المؤسسات الصحية في الضفة الغربية 332 انتهاكاً منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حتى 7 يناير/كانون الثاني 2024، منها 67 حالة منع فيها الجيش الإسرائيلي الطواقم الصحية والإسعاف من الوصول إلى المستشفى، و60 حالة أخرى أعاق وصولهم.

أين القانون الدولي؟

من جانبه، يقول أستاذ القانون الدولي ورئيس منظمة القانون من أجل فلسطين، إحسان عادل، إن القانون الدولي يعطي حماية خاصة للمستشفيات والمرافق الصحية، إذ إن المادتين 18 و19 من اتفاقية جنيف الرابعة (وهي اتفاقية انضمت لها كل من فلسطين وإسرائيل)، تقولان بوضوح إنه لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.

ويضيف عادل لـTRT عربي، أن "الحالة الوحيدة التي ترفع الحماية عن المرافق الطبية، هي استخدامها لأغراض عسكرية، وهو ما تقدمه إسرائيل دوماً مبرراً لاستهدافها المرافق الطبية، لكن من دون أن تثبت هذه الادعاءات، كما أنه حتى في هذه الحالة، لا يجوز استهداف أي مرفق طبي يُستخدم لغرض عسكري إلا بعد إعطاء مهلة زمنية معقولة للإخلاء".

ويشير إلى أن القانون الدولي لا يعدّ وجود مقاتلين جرحى أو مرضى تحت العلاج في المستشفيات أمراً محظوراً، أو أنه يجعل من استهداف تلك المستشفيات مسموحاً به، علاوة على أن تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية يعد جريمة حرب، وفق نظام روما لمحكمة الجنايات الدولية.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قصف الجيش الإسرائيلي المستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد 471 فلسطينياً، وفق بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة، وكان هذا الاستهداف الأول للمستشفيات الذي يسجَّل في الحرب الإسرائيلية على القطاع.

وحسب أستاذ القانون الدولي، فإن سكوت المجتمع الدولي عن مجزرة مستشفى المعمداني أعطى حصانة للاحتلال الإسرائيلي لاستهداف المؤسسات الصحية الأخرى، موضحاً أن "كل الجرائم في هذه الحرب والاستهداف الواسع للمدنيين والبنية التحتية المدنية وارتكاب الإبادة الجماعية، لم تكن لتحصل لولا أن المجتمع الدولي، لا سيما بعض الدول الغربية القوية، تورَّط في تأييد إسرائيل"، وفق عادل.

وتتضمن الدعوى التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا على إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في 29 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، استهداف إسرائيل المؤسسات الصحية في قطاع غزة، وعرضت الدعوى شهادات عن استهداف المستشفيات، وذلك في جلسة الاستماع الأولى للنظر في طلب اتخاذ تدابير مؤقتة توقف بموجبها إسرائيل عمليتها العسكرية في غزة.

حول ذلك، يوضح عادل أن "الإبادة الجماعية تندرج فيها مسائل القتل، وتعمُّد إحداث ضرر جسدي وعقلي لسكان القطاع، وفرض ظروف معيشية قاسية عليهم بقصد إهلاكهم، وبالتالي فإن استهداف المنشآت الطبية جريمة يمكن أن تدخل ضمن منظومة الجرائم التي تُرتكب ضمن عملية الإبادة الجماعية".

ويؤكد أن هذا الاستهداف يمثل نوعاً من فرض الظروف المعيشية القاسية بهدف إهلاك الشعب الفلسطيني، عبر تقييد توفر الخدمات الصحية إلى أبعد حد، مع الاستهداف واسع النطاق للفلسطينيين، مما يؤدي إلى إلحاق أكبر أذى جسدي بهم، وفق عادل.

TRT عربي