كيف تمددت الكراهية والإسلاموفوبيا في بريطانيا؟
منحى مختلف اتخذته الأزمة التي تشهدها بريطانيا منذ أيام على خلفية الرسوم المسيئة إلى الرسول"محمد"، بعد تحويلها من جريمة انتهاك لحقوق التلاميذ المسلمين إلى الزعم بانعزالية المسلمين أنفسهم عن المجتمع.
الإسلاموفوبيا في بريطانيا (Others)

القصة بدأت قبل أيام عندما عرض مدرس في مدرسة "باتلي غرامر سكول" الثانوية غرب "يوركشاير" رسوماً مسيئة إلى الرسول، تصوره وهو "يرتدي عمامة وفيها قنبلة"، خلال حصة الدراسات الدينية "Religion Education"، وهي مادة يدرس من خلالها الطلاب معلومات عن الأديان المختلفة سواء "الإسلام أو المسيحية واليهودية والبوذية"، فأخبر التلاميذ المسلمون أسرهم فتظاهر أولياء أمور الطلاب أمام المدرسة رفضاً لمثل هذا التصرف.

إدارة المدرسة سارعت بتقديم اعتذار وأوقفت المدرس عن العمل، وأكدت أن الصور التي عرضها لم يكن من المناسب استخدامها، لكن كثيرون دافعوا عن موقف المدرس مطالبين بإعادته إلى مزاولة عمله، ونشروا عريضة إلكترونية للدفاع عنه وقع عليها أكثر من 40 ألف شخص.

منحى مغاير

تقول د.رغد التكريتي رئيسة الرابطة الإسلامية في بريطانيا لـ TRT عربي: "يجب التركيز على أن القضية تتعلق بطلاب المدرسة وحمايتهم من أي انتهاك لحقوقهم، وحقهم في الرعاية من قبل المدرسة وإدارتها ومدرسيها في بيئة المدرسة، ويجب ألَّا ننجرف وراء محاولات تغيير مسارها وتصويرها على أنها قضية تعايش وانسجام كما يريد اليمين المتطرف الذي يستغل أي حادثة لإظهار المسلمين باعتبارهم غير منسجمين مع المجتمع وغير مقتنعين بالمنهج التعليمي، وتصوير الإسلام كأنه يريد أن يضيق على الحريات، وهذا غير حقيقي".

وكشفت التكريتي أن هناك زيادة ملحوظة للإسلاموفوبيا في ساحات المدرسة نفسها التي شهدت الأزمة، وأن بعض تلاميذها المسلمين يتم ازدراؤهم ووصمهم بالإرهاب، وهذا كان له تأثير واضح في المعاناة النفسية وحتى في تحصيلهم العلمي، خصوصاً أن نحو 70% من طلاب المدرسة مسلمون. وأشارت إلى تقرير منظمة "تشايلد لاين" وهي هيئة بريطانية تقدم المشورة والنصائح للأطفال عبر الهاتف، في 2017، عندما أعلنت أنها كانت لديها 2500 جلسة خلال ثلاث سنوات لمواجهة التنمر الذي تعرض له أطفال مسلمون، كوصمهم بالإرهاب أو مناداتهم بالإرهابيين.

ومن جانبه رجح مدير مسجد فينسبري بارك في لندن محمد كزبر، في تصريحات لـTRT عربي، أن "تكرر مثل هذه الحوادث من حين لآخر في أوروبا عموماً في ظل حالة الصعود الملحوظ لمظاهر الكراهية وازدراء الإسلام التي يغذيها اليمين المتطرف، لإظهار أن المسلمين مكون غير منسجم مع المجتمع وتقاليده"، معتبراً أنه "من الأهمية بمكان أن تتخذ السلطات إجراءات تمنع استخدام مثل هذه الصور المسيئة إلى الإسلام وغيره تجنباً لتكرار هذه التجاوزات، وأنه على المسلمين الوعي بكيفية التعامل مع مثل هذه الحوادث مستقبلاً، وعدم التسرع في اتخاذ خطوات غير مدروسة قد تنعكس بالسلب على صورة الإسلام والمسلمين".

بوابة للشهرة

أما الناشطة المجتمعية وعضوة المجلس الإسلامي البريطاني لانة الصميدعي فتقول لـTRT عربي إن "السنوات الأخيرة شهدت تصاعداً في حمى الإسلاموفوبيا حتى أصبح التندر والسخرية من الأديان عملاً اعتيادياً وسائداً، فصار كل من يريد أن يلفت الأنظار يتناول موضوع الأديان، وهذا إن كان يحدث مع أغلب الأديان فإن الإسلام يناله النصيب الأكبر من هذا الازدراء، كون الإسلام ديناً تتم ممارسته في الحياة اليومية".

الكراهية تتمدد

وفي تعليقه لـTRT عربي حول هذه الواقعة يرى محلل الشؤون الأوروبية حسام شاكر أنها "تشير إلى أن منحى الازدراء الذي يستخدم مع الإسلام ومقدساته مستمر، وإن كان يتخذ أشكالاً متعددة في الواقع، فهو يحاول أن يجد له موطئ قدم أيضاً في المؤسسات التعليمية التي يفترض أن ترعى التعايش السلمي وتؤسس لثقافة الحوار والاحترام المتبادل، لكن أن يقدم مدرس على مثل هذا التصرف فهذا دلالة على استغلال الوظيفة التعليمية والأدوار المتبادلة بين المعلم والتلاميذ، وهذا أمر ينبغي الانتباه إليه".

بالنظر إلى ما حدث في مدرسة "باتلي غرامر" من عرض رسوم مسيئة إلى الرسول، وتوقيتها في ظل تصاعد ملحوظ للإسلاموفوبيا فإنه لا يخدم إلا غرض الأطراف التي تؤجج الانقسام (AA)

وأوضح شاكر أن "خطاب الكراهية وتمدده خلال العقدين الأخيرين في منصات سياسية وإعلامية وثقافية وحتى تعليمية في البيئة الأوروبية يمثلان تحدياً، ليس فقط للمسلمين وإنما أيضاً للمجتمع الأوروبي ككل وقيمه في التعايش المشترك".

من جانبه قال الداعية الإسلامي في بريطانيا محمد طلبة لـTRT عربي إن "هذه الإساءة لم تكن الأولى في بريطانيا، وأشار إلى تحقيق رابطة الصحافة خلال 2017، الذي خلص إلى أن جرائم الكراهية التي تستهدف المساجد وغيرها من أماكن عبادة المسلمين ارتفعت في جميع أنحاء بريطانيا إلى أكثر من الضعف عن العام الذي سبقه، كما أشار إلى التقرير الذي أعده البروفيسور بجامعة تيسايد نايجل كوبسي خلال عام 2013، وتوصل إلى أن ما بين 40% و60% من المساجد وغيرها من المراكز الإسلامية في المملكة المتحدة تعرضت للاعتداء، واختتم حديثه بتأكيد أهمية سن تشريعات تجرم الإساءة إلى أي دين أو معتقد".

بالنظر إلى ما حدث في مدرسة "باتلي غرامر" من عرض رسوم مسيئة إلى الرسول، وتوقيتها في ظل تصاعد ملحوظ للإسلاموفوبيا فإنه لا يخدم إلا غرض الأطراف التي تؤجج الانقسام وتفتح الباب لمزيد من ازدراء الإسلام باعتباره غريباً عن هذه المجتمعات، خصوصاً أنها جرى استخدامها في دول أخرى وأحدثت انقساماً وتوتراً ملحوظين، كما أن الترويج لها مجدداً وإن كان في درس تعليمي ترسيخ للصورة المغلوطة التي يروج لها اليمين المتطرف بأن المسلمين إرهابيون.

واللهجة التصعيدية من قبل مسؤولين تجاه احتجاج أولياء الأمور المسلمين والتهوين من شأن الإساءة يكشفان المفارقة عمَّا حدث خلال عام 2014، عندما تم فصل مدرسين مسلمين اعتماداً على رسالة وصلت إلى "مكتب مراقبة المؤسسات التعليمية" تزعم محاولتهم أسلمة المدارس، وجرى حينها إخضاع 20 مدرسة في برمنغهام للتحقيق.

يبدو أن العنصرية تمددت جذورها في مناحٍ كثيرة في بريطانيا والبيئة الأوروبية عموماً، حتى إنه مؤخراً كشفت ميغان ماركل زوجة الأمير هاري تعرضها للعنصرية من العائلة البريطانية المالكة.

وسبق أن نشرت "الأناضول" في مارس/آذار 2018 دراسة استقصائية بريطانية أجراها "الاتحاد الوطني للطلاب" خلال 2017، أظهرت أن ثلث الطلاب المسلمين في بريطانيا تعرضوا لجرائم كراهية، وأن الخوف تضاعف بين الطالبات لا سيما بسبب ملبسهن الذي يعكس هويتهن الدينية.

لكن الصورة الحقيقية للمكون الإسلامي على عكس ما يتم الترويج له من انعزالية، يكفي أن نشير إلى تصنيف وزارة التعليم البريطانية خلال 2019، الذي أظهر تصدر 3 مدارس إسلامية المراكز الأولى لأفضل المدارس على مستوى بريطانيا.

TRT عربي