وجرى التوصل إلى هذا الاتفاق بين وزارتي الدفاع في النيجر والولايات المتحدة، بعد اجتماعات دامت 5 أيام، وهذا بعد طلب المجلس العسكري في النيجر قبل نحو شهرين من "البنتاغون" سحب نحو 1000 جندي أميركي موجودين في أراضيهم.
أسباب تراجع النفوذ الأمريكي في النيجر
كانت لواشنطن قاعدتان جويتان؛ إحداهما "قاعدة النيجر الجوية 201" في أغاديس التي افتُتحت في 2016، وتبلغ تكلفتها 100 مليون دولار، والأخرى "القاعدة الجوية 101" في نيامي، وكانتا قد أُنشئتا بهدف "دعم العمليات الاستخباراتية ومراقبة الجماعات المسلحة".
وفي 16 مارس/آذار الماضي، أعلن المجلس العسكري في النيجر في بيان له، أنه ألغى اتفاق التعاون العسكري مع واشنطن الذي أبرمته حكومة الرئيس السابق محمدو إيسوفو، مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، في 2012.
وقال العقيد عبد الرحمن أمادو، المتحدث باسم المجلس الوطني لحماية الوطن، الهيئة العسكرية الحاكمة في النيجر، في البيان الذي أُذيع في التليفزيون الرسمي، إن هناك عدداً من المبررات دفعت النيجر إلى إلغاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا الصدد ذكر تقرير لمجلة "قراءات إفريقية" المتخصصة في شؤون إفريقيا، أن أول تلك الأسباب، عدم احترام البروتوكول الدبلوماسي، إذ لم تُخطر الولايات المتحدة النيجر بشكل رسمي بزيارة الوفد الأمريكي للعاصمة نيامي في مارس/آذار الماضي، أو موعد وصوله أو جدول أعماله.
ويذكر التقرير أن السبب الثاني هو التدخل في الشأن الداخلي للنيجر، إذ أعرب هذا الوفد الأمريكي عن اعتراضه على علاقات النيجر مع روسيا وإيران، زاعمين وجود معلومات تفيد بتوقيع النيجر اتفاقاً سرياً بشأن اليورانيوم مع البلدين، باعتبار النيجر تحتل المرتبة السابعة في العالم لإنتاج اليورانيوم، أي نحو 5% من النسبة العالمية، وفق الجمعية النووية العالمية.
وقد جاء بيان المتحدث باسم الحكومة في النيجر ليوضح أنه فيما يتعلق باختيار الشركاء الدبلوماسيين والاستراتيجيين والعسكريين، تأسف حكومة النيجر لرغبة الوفد الأمريكي في حرمان شعب النيجر ذي السيادة من الحق في اختيار شركائه ونوع الشراكة القادرة على مساعدتهم، ذاكراً أن النيجر لم توقِّع أي اتفاق سرِّي بشأن اليورانيوم مع روسيا وإيران. كما ندَّد بـ"الموقف المتعالي" المصحوب بالتهديدات بالانتقام من جانب رئيس الوفد الأمريكي تجاه حكومة وشعب النيجر.
ويذكر التقرير المنشور في المجلة الإفريقية أن تصاعد المشاعر المُعادية للغرب في النيجر هو واحد من أهم الأسباب التي دفعت الحكومة النيجرية لهذا القرار، إذ يُنظَر إلى الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة على أنه "رمز للتدخل الغربي"، لذلك قررت حكومة النيجر إلغاء الاتفاقية المبرمة مع الولايات المتحدة الأمريكية المتعلقة بوجود عسكريين أمريكيين وموظفين مدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية على أراضيها.
ويؤكد التقرير أن هذا الأمر تشديد على سيادة النيجر الكاملة، ورفض للوجود العسكري الأمريكي الذي عدَّته حكومة النيجر "غير قانوني وينتهك كل القواعد الدستورية والديمقراطية"، كما أنها اتفاقية مُجحفة على اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضتها بشكل أحادي من خلال مذكرة شفوية في 6 يوليو/تموز 2012.
وتشير مجلة الأبحاث الإفريقية إلى أن تعليق المساعدات الأمريكية لحكومة النيجر كان أحد الدوافع المؤثرة، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعليق جميع المساعدات الأمريكية لحكومة النيجر، معتبرةً أن النيجر شهدت "انقلاباً عسكرياً" العام الماضي، وأوقفت بعض برامج المساعدات الخارجية المقدمة لحكومة النيجر التي يبلغ مجموع قيمتها نحو 200 مليون دولار.
كما قررت واشنطن تعليق جميع المساعدات المُقدَّمة إلى النيجر من خلال وكالة أمريكية تابعة للكونغرس الأمريكي، تُقدّم مساعدات خارجية للبلدان الفقيرة الملتزمة بالمعايير الديمقراطية.
ويعلق الأكاديمي التشادي والباحث في الشأن الأفريقي إسماعيل محمد طاهر، على قرار النيجر انسحاب القوات الأمريكية، بأنه "نتيجة طبيعية وردّة فعل منتظَرة على السلوك السلبي للسياسة الخارجية للدول الغربية مثل أمريكا وفرنسا" تجاه القارة الإفريقية خصوصاً دول الساحل.
ويؤكد طاهر في حديثه مع TRT عربي، أن الشعوب والحكومات الإفريقية باتت ترى أن القوى الغربية تهتم بمصالحها ومنافعها المادية فقط، ولا تهمها الديمقراطية وحريات الشعوب ورفاهيتها، مشيراً إلى أن الحكومات الغربية "لا مانع لديها أن تقف مع الجانب الذي يفشل في تحقيق التنمية المحلية ما دامت مصالحها محفوظة حتى لو كان ذلك على حساب الشعوب الأفريقية ومرفوضاً منهم".
تعزيز النفوذ الروسي في الساحل الإفريقي
في الوقت نفسه الذي أعربت فيه الحكومة العسكرية في النيجر عن رغبتها في انسحاب القوات الأمريكية من أرضها بشكل نهائي، تحولت نيامي إلى موسكو للحصول على دعم أمني، إذ أعلنت النيجر في الشهر نفسه الذي أعلنوا فيه رغبتهم في انسحاب الولايات المتحدة، أن مدربين عسكريين وصلوا من روسيا على طائرة محمَّلة بمعدات عسكرية، وأشاروا إلى اتفاق بين المجلس العسكري والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتعزيز التعاون المشترك.
وفي هذا السياق ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أن انسحاب القوات العسكرية للولايات المتحدة من النيجر، يعد نصراً استراتيجياً آخر لموسكو في منطقة الساحل الأفريقي، مشيرةً إلى أن عدداً من الدول الإفريقية بدأت بشكل كبير تجنُّب الاتصالات مع الشركاء الغربيين، وبدلاً من ذلك بدأت بزيادة وتعزيز التعاون مع روسيا.
من ناحية أخرى، وبعد الإعلان عن سحب القوات الأميركية من النيجر، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، إن واشنطن "عازمة على سحب قواتها من تشاد بشكل مؤقت".
ووصف تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، سحب القوات الأميركية من تشاد بأنها "ضربة ثانية كبيرة خلال أسبوع للأمن الأميركي، وسياسة مكافحة الإرهاب في منطقة مضطربة في غرب ووسط أفريقيا".
وكانت قناة CNN الأمريكية، قد أفادت في وقت سابق، بأن رئيس أركان القوات الجوية التشادية إدريس أمين، وجَّه رسالة إلى الملحق العسكري الأمريكي في تشاد، هدَّد فيها بإلغاء الاتفاقية حول وجود القوات الأمريكية، بعد أن شككت حكومته في شرعية العمليات الأمريكية على أراضي البلاد.
ويُذكر أن العدد الدقيق للعسكريين الأمريكيين الموجودين في تشاد غير معروف بشكل مؤكد، لكنه لا يزيد على 100 جندي.
ويلفت الأكاديمي التشادي والباحث في الشأن الأفريقي إسماعيل محمد طاهر إلى أن هذا الانسحاب المتزامن للولايات المتحدة وفرنسا من دول الساحل سيترتب عليه تقلص للوجود الغربي في المنطقة، مما يتيح فرصة لـ"انفراد الروس بها، وهم حالياً موجودون في معظم دول الساحل تقريباً".
ويتابع طاهر: "أضف إلى ذلك أن روسيا عقدت بالفعل في وقت سابق اتفاقية تدريب عسكري مع وزارة الدفاع في النيجر، لتطوير قدرات الجيش خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب".
ويرى الباحث في الشأن الإفريقي أن دول الساحل سوف تتجه شرقاً في الفترة المقبلة، "عسكرياً وأمنياً تجاه روسيا، واقتصادياً وتمويلياً تجاه الصين"، وعليه سوف تكون هناك قطيعة بين بعض الدول مع هذه الدول الغربية، حسب تعبيره.
ويختم الباحث: "ولكننا لا نستطيع القول إن الغرب سيسمح بحدوث ذلك ويصمت، فمن المعروف أنهم دائماً يخلقون المشكلات من أجل أن يصل أتباعهم إلى السلطة، وهذا يعني وجود احتمال بأن تشهد هذه الدول الإفريقية مضايقات من حركات ومجموعات رافضة للتغيير الذي يحدث في القارة الإفريقية من أجل تحقيق أهداف غربية".