لإبعاد داعمي فلسطين.. كيف يحاول اللوبي الصهيوني تفريق الديمقراطيين بأمريكا؟
يسعى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، مستخدماً أمواله وأدوات ضغطه، لإقصاء السياسيين الديمقراطيين مناصري فلسطين. وهو ما يعود بالضرر على الحزب الديمقراطي، مسبباً له انقسامات داخلية وانحداراً لشعبيته.
كيف يحاول اللوبي الصهيوني تفرقة الديمقراطيين بأمريكا؟ / صورة: Reuters (Reuters)

في يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتصل رجل الأعمال الأمريكي ليندن نيلسون بالمرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ هيل هاربر، عارضاً عليه مبلغ 20 مليون دولار مقابل تخليه عن ترشحه الأول والترشح بدل ذلك لمجلس النواب عن الدائرة 12 لولاية ميشيغان، وذلك من أجل إزاحة النائبة رشيدة طالب.

وكانت مجلة بوليتيكو أول من كشف القضية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عن مصدر مقرب من المرشح الديمقراطي. وبعدها، قال هاربر في تغريدة: "لم أكن أريد لمكالمة خاصة أن تخرج إلى العموم، لكن بما أنها خرجت ها هي الحقيقة: أحد أكبر المتبرعين لـ(أيباك)، عرض عليَّ 20 مليون دولار مقابل الترشح لمنافسة رشيدة طليب".

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتحرك فيها لوبي "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية"، المعروف اختصاراً بـ"أيباك"، من أجل إزاحة النائبة الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس. وبعدها بأيام قال المرشح الديمقراطي، ناصر بيضون، إنه تلقى نفس العرض من نفس اللوبي ولنفس الغرض.

ونشر بيضون مقطعاً مصوراً، يوم الاثنين، قال فيه إنه قد تلقى عرضاً بـ20 مليون دولار مقابل "تخليَّ عن الترشح لمجلس الشيوخ والترشح لمنافسة الصديقة رشيدة طليب".

وتكشف هذه الأحداث المتتالية، استمرار اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة في مساعيه لإزاحة السياسيين الديمقراطيين منتقدي السياسات الإسرائيلية ومناصري فلسطين، وهو ما يؤثر سلباً في وحدة الصف داخل الحزب الديمقراطي، كما يُضعف شعبيته على بعد عام من الانتخابات العامة.

أموال ضخمة وضغط سياسي

ولانتقادها ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في غزة، واتهامها الرئيس جو بايدن بأنه "متواطئ مع الإبادة التي تقع"، تعرضت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب إلى تضييقات كبيرة داخل الكونغرس الأمريكي. على رأسها التصويت بسحب الثقة منها، وجرى التصديق عليه بالإجماع، بعد تخلي 22 نائباً ديمقراطيّاً عن دعمها.

وعقب التصويت، تعهّدت رشيدة طالب بأنها "لن تصمت إزاء ما يقع في غزة، ولن تقبل إسكات صوتها"، منتقدة مساعي اللوبي الصهيوني لربط مناهضة الصهيونية بمعاداة السامية واصفة إياها بأنها "فكرة تشكِّل سابقة مقلقة للغاية وتُستخدم لإسكات الأصوات التي تدافع عن حقوق الإنسان".

وبالتزامن مع هذا، قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن اللوبي الصهيوني في أمريكا قد أطلق حملة إشهارية ضد المرشحين الديمقراطيين التقدميين مناصري فلسطين، بالإضافة إلى دعم المرشحين الذين يتحدونهم في الانتخابات الأولية. وأضافت الصحيفة أن هذا اللوبي "قد ضخ عشرات الملايين من الدولارات لهذه الحملة".

ليست هذه المساعي التي يقودها اللوبي الصهيوني وليدة اليوم، بل مستمرة منذ سنوات، وهو ما يكشفه موقع "إنترسبت" الأمريكي، في مقال نشر يوم الاثنين، موضحاً جهود "أيباك" في التضييق على، وإزاحة، النواب التقدميين معارضي سياسة إسرائيل، منذ دخول الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي إلى الكونغرس.

ونقل الموقع الأمريكي، تصريحاً سابقاً لرئيس "أيباك" هوارد كوهر لصحيفة واشنطن بوست، قال فيه: "إننا نرى مزيداً من المنتقدين الصريحين للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والذين لهم تأثير في المناقشة (...)، لهذا علينا الرد على صعود الأقلية عالية الصوت من أقصى يسار الحزب الديمقراطي".

ويقول "إنترسبت" إن "أيباك" أنفق خلال عام 2020 ما يزيد على 30 مليون دولار للتضييق على نواب تقدميين، كرشيدة طليب وإلهان عمر وألكسادنريا أوكاسيو كورتيس، كما يتوقع الموقع أن هذا المبلغ قد يرتفع إلى 100 مليون دولار خلال انتخابات عام 2024.

انقسام وانحدار في الشعبية

وأصبح هذا الصراع بين اللوبي الصهيوني المدافع عن الدعم الأمريكي اللا مشروط لإسرائيل، والنواب الديمقراطيين التقدميين الذي يسعون لتقييد هذا الدعم والدفع بإدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن وقف إطلاق النار، صراعاً محتدماً يؤدي إلى انقسامات داخل الحزب الديمقراطي.

وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كتب موقع أكسيوس، عن وجود انقسامات داخل الكتلة الديمقراطية في الكونغرس، سببها اختلاف المواقف بشأن الحرب في غزة. ونقل الموقع عن نواب ديمقراطيين تأكيدهم أن هذا الوضع مرجح للتفاقم مع استمرار الحرب.

وفي ذات السياق، أشار موقع بوليتيكو إلى أن مؤتمر الحزب الديمقراطي في كاليفورنيا، الذي عُقد في 18 و19 من الشهر الجاري، ينذر بانقسام كبير وسط الحزب. واضطرّ المنظمون إلى إلغاء عدد من فعاليات المؤتمر، خوفاً من صدامات بين الأعضاء المناصرين لفلسطين وأولئك المناصرين لإسرائيل.

وحسب استطلاعات أخيرة، انحدرت شعبية الرئيس جو بايدن إلى أقل مستوياتها منذ توليه الرئاسة. وكشفت هذه الاستطلاعات أن 40% من الأمريكيين فقط راضون عن الرئيس، وردَّت هذا التدني في الشعبية إلى الطريقة التي يتعامل بها بايدن مع الحرب في غزة، إذ إن 70% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و39 عاماً معترضون على انحياز الإدارة الأمريكية لإسرائيل.

وتشير استطلاعات رأي أخرى إلى أن 68% من الناخبين الأمريكيين يؤيدون وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب. كما انخفضت نسبة دعم الناخبين الأمريكيين لإسرائيل، خصوصاً الديمقراطيين، إذ انتقلت من 31% عقب عملية طوفان الأقصى إلى 20.5% في الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، أي بانخفاض ناهز 10.5%.

وحسب موارا دانكن، الكاتبة المختصة في الشأن الأمريكي بصحيفة الغارديان البريطانية، فإنه "توجد دلائل متزايدة على أن الحزب الديمقراطي يتجه نحو ثورة بشأن هذه القضية (انحياز بايدن لإسرائيل)"، وأن "الناخبين الشباب ليسوا وحدهم الغاضبين، بل الناخبون الأمريكيون العرب والمسلمون كذلك، مما يعرض فرص إعادة انتخاب بايدن للخطر في جميع أنحاء البلاد، ولكن بشكل خاص في ولاية ميشيغان الحاسمة، التي تعد معقل كتلة ناخبة مسلمة كبيرة".

TRT عربي