لماذا عاد الاحتلال الإسرائيلي إلى الهجوم على مخيم جباليا؟
عودة إسرائيل إلى المناطق الشمالية وتحديداً مخيم جباليا، تسلط الضوء على أهمية هذه المنطقة سواء للفلسطينيين على صعيد السكان بعد أن تحولت إلى مركز حيوي لشمال قطاع غزة، أو للمقاومة الفلسطينية التي تحتفظ بثقل حيوي فيها.
جانب من حالة النزوح التي يتعرض لها سكان المخيم بعد تقدم القوات الإسرائيلية / صورة: Reuters (Reuters)

أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم السبت 11 مايو/أيار بدء جيش الاحتلال عملية جديدة في شمال غزة، بعد أن طلب من سكان عدد من الأحياء إخلاء منازلهم.

العملية التي بدأت بقصف جوي مكثف طال منازل وممتلكات المواطنين، تحولت لاحقاً إلى توغل بري بعد أن تقدمت قوات من الفرقة 98 الإسرائيلية إلى المناطق الشرقية من مخيم جباليا في اتجاه مركزه، وبالتزامن معها واصلت الفرقة 99 الإسرائيلية عملياتها في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، فيما تعمل الفرقة 162 في مدينة رفح.

وشهدت أحياء مخيم جباليا موجة من النزوح مع اشتداد المعارك والقصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي الذي أدى إلى استشهاد عشرات المواطنين الفلسطينيين. بدورها أعلنت كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية في أكثر من بلاغ تصديها للقوات المتقدمة وإيقاع خسائر فيها.

وبرر المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، السبت، عودة الجيش الإسرائيلي إلى العمليات في مخيم جباليا أنها "بسبب محاولات حركة حماس استعادة قدراتها العسكرية في جباليا".

عودة الاحتلال الإسرائيلي إلى المناطق الشمالية وتحديداً مخيم جباليا، تسلط الضوء على أهمية هذه المنطقة سواء للفلسطينيين على صعيد السكان بعد أن تحولت إلى مركز حيوي لشمال قطاع غزة، أو للمقاومة الفلسطينية التي تحتفظ بثقل حيوي فيها.

المخيم كثقل للواء الشمال

تقسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس قطاع غزة إلى خمسة ألوية، يغطي كل لواء إحدى المحافظات، بدءاً من لواء الشمال، ولواء غزة، ولواء الوسطى، ولواء خان يونس، ولواء رفح.

ووفقاً لمعهد دراسة الحرب (İSW) فإن لواء الشمال ينقسم إلى 6 كتائب: كتيبة بيت لاهيا، وكتيبة بيت حانون، وكتيبة جباليا، والكتيبة الغربية " عماد عقل"، والكتيبة الشرقية " سهيل زيادة"، وكتيبة الخلفاء، وتحت كل كتيبة مجموعة من السرايا، وكل سرية تحتها عدد من الفصائل.

ويلاحظ أن مخيم جباليا وحده يحتوي على ثلاث كتائب من أصل ستة تنشط في لواء الشمال الذي يغطي أراضي محافظة شمال غزة.

كانت المناطق الشمالية من أوائل المناطق التي استهدفتها قوات الاحتلال في المرحلة الأولى من العملية البرية التي أطلقتها في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتوغلت خلالها قوات الاحتلال في مناطق نفوذ اللواء وتحديداً الشمالية والشمالية الغربية.

وأعلنت كتائب القسام في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 استشهاد قائد لواء الشمال أحمد الغندور أبو أنس رفقة قادة آخرين في القسام، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن الاحتلال اغتيال كل من نسيم أبو عجينة قائد كتيبة بيت لاهيا، وإبراهيم البياري قائد كتيبة الخلفاء، بالإضافة إلى عدد من كوادر وقيادات كتائب القسام في شمال غزة.

وعلى الرغم من فشلها في اجتياح معسكر جباليا لأكثر من مرة، ادعى الاحتلال الإسرائيلي تفكيك الجهاز العسكري لحركة حماس، وفي 6 يناير/كانون الثاني الماضي أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري "تفكيك الهيكل العسكري لحركة حماس في شمال غزة".

حديث الاحتلال عن تفكيك كتائب شمال قطاع غزة يتنافى مع الواقع على الأرض، ففي أكثر من مناسبة أطلقت المقاومة الفلسطينية من مناطق من شمال غزة رشقات صاروخية تجاه أهداف للاحتلال الإسرائيلي، وخلال محاولاته العودة إلى التوغل برياً في مناطق من شمال قطاع غزة تصدت المقاومة الفلسطينية لهذه المحاولات ما يظهر قدرتها على إعادة بناء وترتيب صفوفها.

ومع ذلك كثفت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الفترة الماضية من حديثها حول إعادة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بناء قدراتها تمهيداً لتهيئة الرأي العام من أجل عملية عسكرية جديدة في المخيم.

المخيم كمركز للنظام المدني في الشمال

بدأ الاحتلال عملياته العسكرية على قطاع غزة واضعاً تدمير النظام المدني على رأس أهدافه، ظهر هذا التوجه في تدمير المؤسسات الحكومية، وضرب القطاع الصحي، ولاحقاً في استهداف العاملين في الشرطة والأجهزة الأمنية.

ويشير إسماعيل الثوابتة مدير المكتب الإعلامي الحكومي في حديث سابق مع TRT عربي إلى أن الاحتلال"يهدف إلى خلق حالة من الفوضى والفراغ الإداري تمهيداً لتهجير من تبقى من السكان".

واستمراراً لهذه السياسة استهدفت قوات الاحتلال العاملين في مجال تأمين المساعدات لمفاقمة حالة المجاعة والفوضى خدمة لخيار التهجير، بخاصة بعد أن تحول مخيم جباليا في الفترة الأخيرة إلى رمز لثبات سكان شمال قطاع غزة ورفضهم خيار التهجير بعد أن ظلت الكتلة السكانية الأكبر فيه.

بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من المناطق التي توغل فيها في محافظتي غزة والشمال، بدأ سكان الشمال بإعادة تنظيم الحياة في مواجهة السياسات الإسرائيلية وتحديداً سياسة التجويع وخلق الفوضى، فأعيد بناء لجان الطوارئ الحكومية، التي عملت على تنظيم توزيع المساعدات الإنسانية والأمور الحياتية الأخرى.

وبعد تدمير الجزء الأكبر من بلدة بيت حانون وعزبتها، والمناطق الحدودية نزح هؤلاء إلى مخيم جباليا لأسباب عدة منها وجود عدد من مدارس وكالة "الأونروا" في المخيم وتحولها إلى مراكز إيواء.

يضاف إلى ذلك نجاح الطواقم الحكومية في تشغيل جزء من المراكز الصحية في المخيم كمستشفى كمال عدوان المركز الصحي الأهم في شمال غزة، والذي ظل محافظاً على تقديم خدماته حتى لو بشكل جزئي بعد أن اعيد افتتاحه بعد اقتحام قوات الاحتلال له.

كما عاد مستشفى العودة لتقديم خدماته الصحية في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد حصار قوات الاحتلال له، وأخيراً وعلى الرغم من محدودية الموارد تمكنت وزارة الصحة من إعادة بعض أقسام مستشفى الإندونيسي للخدمة مرة أخرى في شهر مايو الحالي.

المخيم ودوامة الأهداف الإسرائيلية

يدخل الاحتلال حي الزيتون للمرة الثالثة منذ انسحابه منه في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، ويعود الاحتلال مجدداً إلى مخيم جباليا الذي حاصره وحاول اقتحامه أكثر من مرة خلال الحملة البرية الأولى.

كان من المفترض أن يعلن الاحتلال دخول المرحلة الثالثة من القتال، والتي يقتصر فيها نشاطه على العمليات المحدودة جواً وبراً، ولم يكن في الحسبان أن يلجأ إلى الأساليب الأولى في القتال وتحشيد قوات بحجم الفرقة كما هو الوضع الآن.

عدم اتخاذ المستوى السياسي أي خطوات باتجاه ترتيبات اليوم التالي، والافتقار إلى أي استراتيجية لإدارة الحرب وأهدافها السياسية مبررات ساقها رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي في انتقاده لرئيس حكومته نتنياهو وإدارته لملف الحرب في غزة كما نقلت قناة الـ13 الإسرائيلية.

يضاف إلى ذلك رفض إسرائيل التوصل إلى إيقاف لإطلاق النار بعد أن وافقت حركة حماس على الورقة المصرية المقدمة لوقف إطلاق النار، والرهان الإسرائيلي على القوة العسكرية في حسم الصراع في غزة، ما يعني أن أمد هذه الحرب قد يطول ما يعني المزيد من المعاناة لسكان القطاع.

وفي هذا الإطار هاجم الصحفي والكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل سياسة نتنياهو ووعوده بتحقيق نصر كامل تحول إلى "حرب الاستنزاف، وواحدة من أطول الحروب التي عرفتها إسرائيل على الإطلاق، من دون أي نتيجة متوقعة".

TRT عربي