هل توقف المبادرة الجزائرية لتجريم التطبيع  الهرولة العربية نحو إسرائيل؟
تتوالى الأخبار القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وتل أبيب عن التحاق دول عربية جديدة بركب المطبّعين مع الاحتلال الإسرائيلي، فتعددت المبادرات الشعبية المنادية بوقف هذه الهرولة غير المسبوقة نحو إسرائيل.
قانون في الجزائر لتجريم التطبيع مع إسرائيل (Others)

تم العمل على سَنّ قوانين تجرّم التطبيع انطلقت من الجزائر وبلدان أخرى. فإذا كان موقف الأنظمة العربية غالباً مخيباً في ما يتعلق بالدفاع عن القضية الفلسطينية، فإن الضمير الشعبي في معظم هذه الدول العربية يبقى حيّاً، وهو ما ترجمته الاحتجاجات الرافضة لوضع قادة عرب يدهم في يد إسرائيل.

واقع مخيف

بعد علاقات خفيَّة امتدت لسنوات، أعلنت الإمارات العربية المتحدة في شهر أغسطس/آب الماضي تطبيعها العلاقات مع إسرائيل في المجالات كافة، السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو الإعلان الذي شكّل وقتها صدمة للشعوب العربية، غير أنه مثّل لباقي الدول التي كانت تنتظر في صفّ المطبعين الحجة التي ترصدتها طويلاً لتلتحق بركب أبو ظبي وتجهر بفتح علاقات دبلوماسية مع تل أبيب.

ورغم اعتبار السلطة الفلسطينية إعلان الإمارات خيانة للقدس ونسفاً للمبادرة العربية للسلام الرافضة لإقامة أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإن قطار التطبيع الذي انطلق من أبو ظبي واصل سيره ليبلغ دولاً أخرى.

وأعلنت عقب ذلك البحرين التحاقها بركب المزكّين لفتح هذه العلاقات الموجودة أصلاً من قبل مع تل أبيب، وتلاها المغرب والسودان، وسط توقعات بأن ترسم سلطنة عمان هذه العلاقات الموجودة سلفاً، فقد استقبلت مسقط في أكتوبر/تشرين الأول 2018 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، والتقى حينها قادتها رغم التهم الموجهة إليه باضطهاد الشعب الفلسطيني.

وحسب مسؤولين أمريكيين، وتقارير إعلامية عدة، فإن دائرة المطبعين مع الاحتلال الإسرائيلي ستمتدّ إلى دول أخرى لا تزال تنتظر في الطابور.

ويقول النائب البرلماني الجزائري عن حركة مجتمع السلم يوسف عجيسة لـTRT عربي، إن الهوان الذي تعيشه الدول العربية بـ"هرولة" عدة عواصم للتطبيع مع تل أبيب تحت مبررات غير مقنعة، يحتّم اليوم على الضمير العربي التحرك، شعبياً على الأقلّ، لوقف هذه العلاقات المستحدثة على حساب الدم الفلسطيني.

سند قانوني

وأضاف عجيسة أنه بعد الصدمة المغربية التي وقّع فيها رئيس حكومة محسوب على التيار الإسلامي اتفاق التطبيع مع تل أبيب، منافياً بذلك كل خطاباته ومواقفه السابقة، أصبح الحل الوحيد لوقف هذه الهرولة العربية، هو إصدار قوانين تجرّم هذه الخطوة التي تتنافى مع كل مخرجات القمم العربية السابقة.

وبدأ عجيسة مهمته من بلده الجزائر، بخاصة أنه وجد سنداً سياسياً يتكئ عليه يتمثل في مواقف الرئيس عبد المجيد تبون الذي قال إن بلاده لن تدعم التطبيع مع إسرائيل ولن تباركه، من مبدأ أن "الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، مثلما يوضّح النائب البرلماني ذاته.

وفي السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، تَقدَّم عجيسة برفقة 50 نائباً برلمانياً بالمجلس الشعبي الوطني الجزائري بمقترح قانون يجرّم التطبيع مع إسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية وترفض حتى اليوم الامتثال للقانون الدولي.

وأشار عجيسة إلى أن هذا المقترح لقي الدعم من مختلف النواب، فلم يقتصر الأمر على حركة مجتمع السلم، بل انضمّ إلى المبادرة برلمانيون من الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء وجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والمستقلين.

وتَضمَّن مقترح القانون تسع موادّ، جاء في الثانية منها أنه "يمنع الاتصال أو إقامة أي علاقات أو فتح مكاتب تمثيل من أي نوع وعلى أي مستوى مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بطرق مباشرة أو غير مباشرة".​​​​​​​

ونصت المادة الرابعة على أنه "يُمنع السفر من وإلى إسرائيل، كما يُمنع دخول أو استقبال حاملي الجنسية الإسرائيلية في الجزائر أو في مقرات البعثات الدبلوماسية التابعة لها".

وتضمن المادة الخامسة "منع المشاركة في أي نشاط يقام بالكيان الصهيوني أو يساهم فيه أو يحضره أشخاص معنويون أو طبيعيون من الجزائر، سواء كان هذا النشاط سياسياً أو أكاديمياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو فنياً أو رياضياً أو غيرها، نظّمته جهات رسمية أو غير رسمية".

ووسع مقترح القانون تجريم التطبيع حتى إلى الفضاء الإلكتروني، فقد جاء في المادة السابعة أنه "يُمنع مستخدمو الشبكة العنكبوتية أو وسائط الاتصال الإلكتروني التعامل والتعاقد مع المواقع والخدمات الإلكترونية المنشأة في إسرائيل، أو التابعة لها، أو الشركات الداعمة لها، ويتمّ حجب الوصول إلى جميع المواقع والخدمات من طرف الجهة الوصية بالدولة".

ودعت المادة التاسعة إلى معاقبة من يرتكب جرم التطبيع بالسجن من 5 إلى 15 سنة وبغرامة مالية تصل إلى مليون دينار جزائري (7700 دولار أمريكي).

واعتبر الصحفي الفلسطيني يوسف أبو وطفة في حديثه مع TRT عربي أن تجريم التطبيع في الجزائر وغيرها من الدول أمر مطلوب، كونه " يمكن أن يوقف أي محاولات للانجراف نحو التطبيع العربي الدائر حالياً، ويساهم في زيادة الالتفاف الشعبي حول القضية الفلسطينية ويعزز من مكانتها".

جبهة دولية

كشف يوسف عجيسة لـTRT عربي أنه ما إن أعلن عن مبادرته القانونية في الجزائر لتجريم التطبيع حتى وصلته اتصالات من دول عربية أخرى مثل موريتانيا وتونس والكويت للتنسيق فيما بعد.

وأوضح عجيسة أنه سيعمل من خلال عضويته في لجنة فلسطين الدائمة في برلمانات دول التعاون الإسلامي، لتوسيع هذه الخطوة في عدة برلمانات دول عربية وإسلامية أخرى.

وفي موريتانيا دعا التكتل البرلماني لأحزاب الصواب والتحالف الشعبي التقدمي والتحالف من أجل العدالة والديمقراطية إلى تشكيل لجنة لصياغة قانون يجرّم التطبيع مع إسرائيل وتقديمه للجمعية الوطنية في أقرب الآجال للتصديق عليه.

وأصدرت الأحزاب ذاتها بياناً جاء فيه أنه "في ظلّ اتساع دائرة التطبيع السياسي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني ووصول موجته إلى منطقتنا المغاربية والإفريقية، لم يعد خافياً أن ضغوطاً كثيرة يمارسها مروّجوه علناً وفِي الخفاء لالتحاق مزيد من الدول بقطاره المشؤوم".

ويعتقد الصحفي يوسف أبو وطفة أن "توسيع مبادرات تجريم التطبيع من شأنه أن يؤسس قاعدة شعبية وجماهيرية للوقوف في وجه الهرولة المتصاعدة من أجل التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن أن يساهم في منعه أو وقفه على المستوى العلني، وإن كان بعض الدول يقيم علاقات خفية، لكن توسُّع المبادرات وتحويلها إلى شبه قوانين برلمانية وتشريعية سيساعد الشعوب على فرض إراداتها بشأن العلاقة مع الاحتلال".

وبلسان المواطن الفلسطيني، أوضح أبو وطفة لـTRT عربي، أن "الفلسطينيين يعوّلون كثيراً على الشعوب وعلى القواعد الشعبية والجماهيرية، أكثر من الأنظمة، وبالتالي فالمطلوب اليوم هو حراك جماهيري جمعي في مختلف الأقطار العربية، على غرار حركة المقاطعة، يسهم في ثني الأنظمة عن التطبيع، لأنه من الواضح والمعطيات أن مزيداً من الدول سيتجه إلى التطبيع وفقاً للتسريبات الدائرة حالياً".

TRT عربي