هل يشهد العراق انتخاباته القادمة تحت إشرافٍ أُممي؟
يضجّ الشّارع العراقي بمطالبات تحثّ الأمم المتحدة على إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة تحت إشراف المنظمة الدوليّة ومراقبتها بطريقة نزيهة.
الانتخابات العراقية (Others)

وذلك وفقاً لدعوةٍ مِن الحكومة الاتحادية ورئاسة الوزراء بقيادة مصطفى الكاظمي، وفي ظلّ تصدي الأحزاب السياسيّة المسيطرة على الحكم منذ عام 2003 لدعوة الشعب تحت مبررات أسماها المعارضون التدخل الدولي والتلاعب بمصير الشعب العراقي.

وأبرز تلك الأطراف السياسيّة المعارضة لإشراف الأمم المتحدة هي ائتلافُ دولة القانون بزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق الذي شهدتْ حقبته الرئاسية 8 سنوات بين أعوام 2006-2014 واعتبرها مراقبون في الشأن السياسي أسوأَ فترة للحكم في ظل اختراق الفساد لمؤسسات الدولة، ومن جانب آخر يضمّ زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي صوته لمنع الإشراف الأممي على الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، خصوصاً أن الأخير صار على قائمة عقوبات الخزانة الأمريكية بتهمة الإرهاب.

موقف الحكومة العراقية

بين رافضٍ ومؤيد مِن الكتل السياسيّة لدور الأمم المتحدة في الإشراف أو مراقبة الانتخابات العراقية المقبلة، أكدت مفوضية الانتخابات العليا أهمية المساندة الأممية في مراقبة العملية الانتخابية وليس الإشراف عليها. وقد نسّقت مفوضية الانتخابات مع وزارة الخارجية لتوجيه 71 دعوة منها 52 دعوة لسفارات عربية وأجنبية لمراقبة العملية الانتخابية، وكذلك 19 منظمة دولية.

بهذا الصدد تحدّث مستشار رئيس الوزراء العراقي عبد الحسين الهنداوي لـTRT عربي قائلاً: "دور الأمم المتحدة في الانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2021 القادم سيكون المراقبة لا الإشراف، وهذا حق دستوري تكفله القوانين الدولية المتعارف عليها، بما يضمن نزاهة الانتخابات لحماية أصوات المواطنين وتحديد آليات نظاميّة عادلة، بهدف حل أزمة نتائج الانتخابات وضمان مستقبل أفضل للبلاد".

وأضاف الهنداوي: "العراقيون هم من يقومون بإدارة الانتخابات في كل مراحلها، وإن المرجعية الدينية الشيعية تحدثت عن إشراف الأمم المتحدة ومراقبة الانتخابات، لكن مِن الناحية العمليّة فإن وزارة الخارجية العراقية طلبت المراقبة فقط. ويأتي هذا الإجراء الدبلوماسي لتشجيع المواطنين للتوجه نحو صناديق الاقتراع وتخفيض العزوف بإدلاء الأصوات كما في الحقب الانتخابية السابقة".

وتابع الهنداوي: "الانتخابات العراقية كان مقرراً لها أن تجري في السّادس من يونيو/حزيران المقبل 2021، إلا أنّ مفوضية الانتخابات طالبت بتأجيل موعدها، واستجابت الحكومة لذلك وجعلت الموعد الجديد هو العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل 2021، وهذا مؤشر على احترام رئاسة الوزراء لرغبات الأحزاب السياسية في البرلمان العراقي، وتعاون الحكومة مع الأطراف كافة بهدف الوصول إلى تنسيقٍ مشترك بشكلٍ قانوني ودستوري".

دور الأمم المتحدة في الانتخابات

أما بخصوص الخلافات الواسعة التي يضطرب بها المشهد العراقي حالياً فهي تحديد دور الأمم المتحدة في الانتخابات البرلمانية المقبلة وحصره في تقديم المساعدة اللوجيستية والإشراف أو تمديده إلى العمل الرقابي الكامل. وأكد مراقبون ومختّصون وجود تأييدٍ رصينٍ من الشارع العراقي لممارسة الأمم المتحدة والبعثات الدولية دوراً رقابياً على الانتخابات، المقرر إجراؤها في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، لتلافي ما حدث في الانتخابات الماضية من عمليات تزوير منظمة، وأيضاً بسبب انتشار الفصائل المسلحة، خاصة مع تصريحات أحزاب سياسيّة بأنها ستحصل على الأغلبية استباقاً لبدء العملية الانتخابية.

وفقاً لهذا السياق صرّحت المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي لـTRT عربي بالقول: "المفوضية مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، ودور الأمم المتحدة يتمثل في إبداء المساعدة في إجرائها، وقد رفدت المفوضية عدداً مِن الخبراء الذين سيمدّون العمل الانتخابي بالمشورة الفنية والإدارية".

وتابعت الغلاي في حديثها: "طلبت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مِن فريق المنظمة بالبلاد "يونامي" رفدها بالخبراء الدوليين للنهوض بالعملية الديمقراطية والارتقاء بعملها نحو الأفضل بما يضمن نزاهة الانتخابات، بخاصة أن المفوضية طبّقت ما ورد بقانون المفوضية رقم (31) لسنة 2019 في الفصل الثالث من المادة العاشرة والفقرة الرابعة التي تضمنت اعتماد المراقبين الدوليين".

وأشارت الغلاي إلى أن "القصد هو رصد العملية الانتخابية بإيجابياتها وسلبياتها، في حين يقوم فريق المراقبة الدولية برفع تقريره إلى جهاته التي ينتمي إليها، ولا يحقّ له التدخل في الانتخابات، بخاصة وأنّ المفوضية هيئة مهنية مستقلة محايدة تتمتع بالشخصية المعنوية الإدارية والمالية وتخضع لرقابة مجلس النواب".

المالكي والخزعلي يرفضان إشراف الأمم المتحدة

كشفت أطراف سياسية تعرُّضَ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والحكومة المركزية إلى ضغوط من بعض الجهات الحزبية لمنع المطالبة بالإشراف الأممي على الانتخابات، في الوقت الذي أشار مستشارون في رئاسة الوزراء إلى وجود جهات سياسية تفرض قوّتها على المناطق التي تسيطر عليها عسكرياً، وتُجبر الناخبين على التصويت لمرشحين محددين، فضلاً عن حالات سيطرة عدد من أتباع هذه الجهة أو تلك على المراكز الانتخابية، معتبرين أن موضوع الإشراف الأممي على الانتخابات سيكون ضرورة حتميّة لتخفيف أضرار التزوير والابتزاز الانتخابي.

وبخصوص أسباب رفض ائتلاف دولة القانون للإشراف الدولي، صرّح عضو البرلمان العراقي عن "دولة القانون" كاطع الركابي، وقال في حديثه لـTRT عربي: "أي دولة تحترم نفسها، وتملك سيادة كاملة، لا يمكن لها قبول موضوع الإشراف الأممي على الانتخابات، فالعراق لا ينقصه شيء حتى يطلب من الأمم المتحدة أو جهة دولية أن تكون مشرفة على الانتخابات، لأن الأمم المتحدة كانت في الفترة الأخيرة منحازة ولا تتعامل بمهنية واحترافية".

كما تابع الركابي: "إننا مع وجود رقابة للأمم المتحدة من أجل الحفاظ على نزاهة وشفافية الانتخابات، وهذا الأمر معمول به منذ أول انتخابات أجراها العراق بعد 2003، ولكن هناك مخاوف سياسية من أن هذا الإشراف قد يكون لصالح جهات سياسية ضد جهات سياسية أخرى، من خلال التلاعب في الانتخابات أو نتائجها، وإذا ما استدعت عملية الإصلاح السياسي ترشيح رئيس إئتلاف دولة القانون السيد نوري المالكي، سيكون أول المرشحين لمنصب رئيس الوزراء وسيطارد كلّ من يهدد سيادة الدولة العراقية".

من جهته صرّح النائب عن كتلة الصادقون عبد الأمير تعيبان لـTRT عربي قائلاً: "موقفنا واضح وفقاً لتوجيهات قائد عصائب أهل الحق السيد قيس الخزعلي وقد حذّرنا من الإشراف والتدخل التفصيلي في الانتخابات النيابية المقبلة، لأن المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت منحازة وغير محايدة، وإذا ما سمحنا بدور للأمم المتحدة فلا بأس برقابة فقط، وحتى لو كان بمشاركة الاتحاد الأوروبي، أما الإشراف فهذه مسألة خطيرة، ولن نقبل بها أبداً".

بهذا الصدد ومن جانبٍ أخر علّق المحلل السياسي صابر العاني قائلاً: "نواب كُتلتي نوري المالكي وقيس الخزعلي يرفضون إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات البرلمانية لأنهم يخشون القوانين الدولية، ويسعون إلى التّلاعب بصناديق الاقتراع كما في الانتخابات السابقة. ورفْض الأحزاب لدورِ الأمم المتحدة نابع مِن قلقٍ شديد، لأن ذلك سيضيّع عليهم فرصة التزوير، وإذا ما أصرّت الحكومة العراقية على إشراف الأمم المتحدة، ستحاول الأحزاب المعارضة نشر قوّاتها وميليشياتها في شوارع العراق تهديداً للحكومة".

نواب الصّدر يوافقون ولكن بشرط

بعد السِّجالات السياسيّة المختلفة التي حصلت بين الصّدر والمالكي، تمخّضت النتيجة عن تصعيد الاتهامات بين التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حول ما عُرف بـ"البطّة"، وهي السيارة التي كانت تُتهم أيام الحرب الطائفية (2006-2008) بالعراق بالتصفيات من جيش المهدي التّابع للتيار الصدري، خصوصاً بعد تصريحات مقتدى الصّدر الذي وجّه تحالفَه "سائرون" لطلب الإشراف الأممي على الانتخابات بشرط عدم تدخل باقي الدول الإقليمية.

وفقاً لتصريحات الصدر، تحدث النائب عن تحالف سائرون علي اللامي لـTRT عربي قائلاً: "نسمح بعملية الإشراف على الانتخابات من الأمم المتحدة فقط كونها منظمة عالمية ومن حقها التدخل بشؤون الدول ومراقبة عملية الانتخابات لضمان نزاهتها، لكنّها وإن تدخلت لا يمكنها أن تغطّي محطات العراق كافة ومراكزه الانتخابية".

كما أوضح اللامي: "إنّ أي دولة أخرى لا تمتلك الحقّ في التدخل بشؤون العراق الداخلية، وستبقى رئاسة الوزراء إصلاحية ولن نسمح للفاسدين بالتربّع عليها، بل سنقوم بواجبنا الأمني عن طريق سرايا السلام التي لطالما دافعت عن العراق وشعبه، وسنسعى لمساعدة الدولة في تهيئة انتخابات برلمانية نزيهة".

وأشار اللامي إلى أنهم "يرفضون تدخل أي دولة بالشؤون العراقية وشؤون الانتخابات أيّاً كانت، سواء كانت أمريكا أو إيران أو السعودية، ولا تمتلك أي دولة الحق القانوني بأن تكون مشرفة على الانتخابات العراقية".

سرايا السلام تهدد

ويرجّح مراقبون للشأن السياسي عدمَ قبول الأحزاب السياسية إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات، لأن ذلك سيفقدها عمليات التزوير وسيضيّق عليها فرصة الهيمنة السياسية على المناصب. وأشار المراقبون إلى أنّ الفصائل المسلحة ستستمر بالاستعراض وتخويف المواطنين لحين تصفية الحسابات السياسية بالتهديدات وابتزاز الحكومة لتقديم تنازلات.

من جانب آخر، تساءل الباحث السياسي شاهو القره داغي عبر حسابه على تويتر، عن موقف الحكومة إزاء تلك التحركات الخارجة عن القانون، وقال في تغريدة له على تويتر كتب فيها: "مليشيات سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر تنتشر في شوارع النّجف لنشر الخوف والإرهاب وتهديد أيّ شخص يفكر في انتقاد السيد مقتدى الصدر.. إلى متى سيستمر خطر المليشيات المسلحة ومتى سيغضب الحليم كما تعهّد الكاظمي؟".

وتحدث لـTRT عربي بالقول: "يحاول مقتدى الصدر إعادة فِرق الموت إلى الساحة العراقية لتهديد العملية السياسية والحصول على رئاسة الوزراء بالتهديد الأمني، وهذا كان واضحاً من خلال تصريحات نواب تحالف سائرون بتوعّدهم لإرجاع "البطّة" إذا ما لم يحصلوا على منصب رئاسة الوزراء في الانتخابات البرلمانية القادمة".

وأضاف القره داغي: "إن هذا الخطاب يهدد سيادة الدولة العراقية، وينشر الرعب في قلوب المواطنين، ويعيد البلاد إلى الحقبة الطائفية المظلمة في 2006، وهذا ما يرفضه الشعب، لذلك على الحكومة العراقية أن تتعامل بطريقة جديّة وصارمة لمنع هكذا خطابات تحريضية تبتزّ الباحثين والكُتّاب والناشطين الذين تعرضوا للتصفية لأنهم انتقدوا تحرّكات سرايا السّلام في النجف".

تضارباتٌ في تصريحات الأحزاب السياسيّة الكبرى بالبرلمان العراقي، ومطالبات جماهيرية شعبية بإشراف الأمم المتحدة على الانتخابات البرلمانية القادمة يضع البلاد على صفيحٍ ساخنٍ، في ظلّ انتشار الفصائل المسلحة في شوارع بغداد والنجف وابتزازها للصحفيين والباحثين بهدف توصيل رسالةٍ للحكومة بأن سلطة السّلاح أعلى وأقوى من سلطة الدولة. وحتى تنتهي الخلافات السياسية بين الحكومة والأحزاب سيعيش العراقيون في حالة مِن القلق، وسيكون مصيرهم التّيه لحين إجراء الانتخابات في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل 2021.

TRT عربي