أرض الصومال.. إقليم منسي تحول إلى ساحة تنافس إقليمي ودولي
الاهتمام الدولي المتصاعد بالبحر  الأحمر ومحيطه في السنوات الأخيرة انعكس تسابقاً للقوى الإقليمية والدولية على تثبيت مواطئ أقدام لها على مفترق طرق بحرية حيوي للتجارة العالمية.
وضع اتفاق التايوان وأرض الصومال الأخيرة في قلب الصراع الأمريكي الصيني في القرن الإفريقي (AP)  (AP)

أعاد تعيين الإمارات العربية المتحدة لعبد الله النقبي سفيراً لها في أرض الصومال الحديث مجدداً عن التنافس على بناء العلاقات مع الإقليم الصومالي.

إذ يحاول الإقليم الانفصالي منذ عام 1991 استثمار التناقضات بين مختلف المتنافسين لتوسيع قاعدة الاعتراف به، ورغم امتلاكه 22 مكتباً تمثيلياً حول العالم لكنه ما يزال مفتقراً إلى الاعتراف الرسمي باستقلاله الذي لم توافق عليه أي دولة حتى الآن.

وكانت أرض الصومال أعلنت استقلالها مايو/أيار 1991 إبان انهيار الدولة المركزية في الصومال، وقرر ممثلو القبائل في مؤتمر برعو العودة إلى الحدود الجغرافية ما قبل الاستقلال 1960، حين اتحدت الأقاليم الصومالية التي توزعتها القوى الأوروبية في دولة واحدة عاصمتها مقديشو.

قوى الشرق الأوسط تتنافس في أرض الصومال

أبرزت السنوات الأخيرة نشاطاً كبيراً لأبو ظبي في أرض الصومال ضمن ما عُرف "بحرب المواني"، وشكلت حرب اليمن ورفض جيبوتي المفاجئ تمكين "موانئ دبي العالمية" من إدارة ميناء دافعاً لتكثيف الإمارة الخليجية استثمارها السياسي في أرض الصومال المجاورة.

وكان من أبرز تجليات هذا اتفاق شركة موانئ دبي العالمية العمل مع أرض الصومال عام 2017 على تطوير وتشغيل ميناء بربرة على مدخل باب المندب، كما تم الاتفاق كذلك على بناء قاعدة عسكرية إماراتية في بربرة، مقابل مقابل استثمار بقيمة مليار دولار في البنية التحتية والتدريب وإيجاد فرص العمل في المنطقة الصومالية المنفصلة.

لكن ديناميات محلية وخارجية معارضة أدت إلى إعلان رئيس أرض الصومال موسى بيحي تحويل مشروع القاعدة إلى مطار مدني سيكون "أضخم مطار في القرن الإفريقي".

ويرى مراقبون أن هذا النشاط الإماراتي كان لموازنة الدور التركي في الصومال، حيث تتمتع أنقرة بنفوذ سياسي كبير في مقديشو. ومن دلائل ذلك أن رغبة أبو ظبي في بناء قاعدة عسكرية ببربرة توازت مع افتتاح تركيا قاعدتها في مقديشو.

ورغم عمل أنقرة على توطيد علاقاتها مع أرض الصومال فإنها تدعم حكومة رئيس الوزراء الصومالي محمد عبد الله فرماجو التي تؤكد وحدة الأراضي الصومالية، حيث تُلمس بصمة تركيا في مجالات متعددة تنموية واقتصادية وعسكرية أمنية.

ويبدو أن تل أبيب انضمت إلى سباق التنافس على أرض الصومال، حيث راجت أواخر العام الماضي احتمالات التطبيع بين الطرفين، وصرح مدير المخابرات الإسرائيلية إيلي كوهين بأن تل أبيب في طريقها إلى اتفاق سلام مع دولتين عربيتين إحداهما في القرن الإفريقي، وهو ما فُسر حينها بأرض الصومال.

وبينما طالب ثلاثة أعضاء في برلمان أرض الصومال حكومتهم بالاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، سارع باشي أويل عمر ، ممثل أرض الصومال في كينيا، للترحيب بالاتفاق الإسرائيلي الإماراتي.

وقال باشي، الذي شغل منصب ممثل هرجيسا في الإمارات قبل مغادرته إلى نيروبي في عام 2018: "الاتفاقية مثال جيد للتحالفات بين الدول الإقليمية المهتمة بالاستقرار والتكامل الإقليمي وتؤكد التطلعات الأبدية للتوصل إلى سلام مع الجيران".

ميناء بربرة في أرض الصومال (رويترز) (Reuters)

القاهرة وأديس.. تحولات دراماتيكية

شهد عام 2018 وما بعده تغيرات دراماتيكية في علاقة كل من مصر وإثيوبيا بأرض الصومال، على خلفية الصراع المحتدم على سد النهضة.

فتحول موقف القاهرة الذي كان داعماً لوحدة الصومال وقطع الطريق أمام استقلال أرض الصومال، إلى العمل على تدفئة العلاقات مع هرجيسا التي زارها وفد مصري رفيع في منتصف يوليو/تموز 2020، بحث مع المسؤولين هناك التجارة الثنائية والاستثمارات في مجال الثروة السمكية والحيوانية.

في حين تردد أن اتفاقاً تم بين الطرفين على فتح مكاتب تمثيلية في القاهرة وهرجيسا، كما ذهب مراقبون إلى رغبة مصر في بناء قاعدة عسكرية قرب مدينة زيلع في أرض الصومال، بعد أن أذهب التحالف الإرتري الإثيوبي باحتمالات تحدثت عن بناء القاعدة في إرتريا.

والرغبة المصرية التي وصفتها أديس بأنها "خط أحمر" لطالما راودت أديس أبابا مقابل تمنع هرجيسا، وبينما تُبرر الرغبة المصرية بحماية خطوط الملاحة البحرية المرتبطة بقناة السويس، يرى مراقبون أن هذا في الحقيقة يمنحها الفرصة لمراقبة إثيوبيا عن قرب.

وهو ما لم تتأخر أديس أبابا في الرد عليه، فبعد أسبوع واحد من الزيارة المصرية كان وفد رفيع برئاسة وزير المالية الإثيوبي أحمد شايد في هرجيسا، حيث تم الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، بعد أن امتنعت إثيوبيا سابقاً عن تعيين ممثلها الدبلوماسي في مكتب الاتصال بهرجيسا.

ومن المفارقات أن إثيوبيا كانت الحليف الأقوى لأرض الصومال طوال عقود، ضمن استراتيجية أديس لإضعاف الصومال، وللاستفادة منه كمنفذ بحري لإثيوبيا الحبيسة، وساهمت إثيوبيا في صفقة تطوير ميناء بربرة حيث تمتلك 19% من أسهم الميناء، مقابل 30% لأرض الصومال و51% لموانئ دبي العالمية.

مع وصول آبي أحمد إلى سدة رئاسة الوزارة في إثيوبيا 2018 تغيرت أولويات أديس في الصومال، حيث انتهج استراتيجية جديدة تعتمد على التحالف مع أسمرة ومقديشو.

وأمام تخوف هرجيسا من خطر فقدان حليفها الوشيك، قامت بمناورة دبلوماسية من خلال التجاوب مع القاهرة المستاءة من تأييد مقديشو لموقف أديس في ملف سد النهضة، ما دفع الأخيرة إلى العودة إلى الشراكة مع هرجيسا لقطع الطريق على مصر.

مثلت تطورات ملف سد النهضة عاملاً رئيسياً في صياغة استراتيجية إثيوبيا ومصر تجاه أرض الصومال. (Reuters)

بكين تايبيه واشنطن.. اللعب مع الكبار

تتعدد العوامل التي تدفع نحو تعزيز العلاقة بين أرض الصومال وتايوان، فكلتاهما تفتقدان الاعتراف وأنشأتا هياكل حكم مستقرة، وتتمتعان بموقع جيواستراتيجي هام، وكذلك فكلتاهما مههدتان بتقويض كيانيهما بإعلان مقديشو تبعية هرجيسا لها وكذلك الحال بين بكين وتايبيه.

وللطرفين مصلحة في هذه العلاقة حيث تحاول تايوان توسيع قاعدة الاعتراف الدولي بها بعد فشلها في تحقيق إنجاز في هذا الملف بعد إنشاء علاقات مع جزيرة سانت لوسيا في البحر الكاريبي عام 2007.

في حين تستفيد أرض الصومال من إمكانيات تايوان من خلال برامج مساعدات في مجالات متنوعة منها تطوير البنية التحتية، ودعم التعليم وتقديم المنح الدراسية، والمساهمة في تعزيز قدرات القطاع الطبي.

وكان هذا نتاجاً لعلاقات بدأت منذ عام 2009 وشهدت انعطافة كبيرة في فبراير/شباط 2020، بتوقيع اتفاق على تبادل مكاتب تمثيلية بين الطرفين، أثار غضب بكين بعد الإعلان عنه في يوليو/تموز من العام نفسه.

تعد الصين تايوان إقليماً منفصلاً عنها وتعمل على محاصرتها في كل المحافل وتطالب بعودتها إليها، ولذا فقد أثار الاتفاق الأخير مخاوف الصين ولا سيما أن القرن الإفريقي يعد منطقة استراتيجية بالنسبة إلى مشروع "الحزام والطريق" الذي تأمل بكين من خلاله السيطرة على أهم طرق التجارة البحرية.

مما زاد من مخاوف الصين ما راج عن رغبة تايوان في بناء قاعدة عسكرية مستقبلاً في أرض الصومال، وهو ما يمثل تحولاً مقلقاً لقربها من قاعدة بكين في جيبوتي المجاورة.

ولذا سارعت بكين عارضة على أرض الصومال تطوير مشاريع البنية التحتية كالمواني والمطارات والمجمعات الصناعية مقابل قطع العلاقات مع تايوان، وهو ما رفضته هرجيسا التي ترى في هذه العلاقة باباً خلفياً لفتح علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية حليفة تايبيه.

وهو ما وجد صدى إيجابياً في واشنطن التي لطالما كانت داعمة لوحدة أراضي الصومال، حيث رحب مجلس الأمن القومي الأمريكي بالاتفاق، مؤكداً في بيان في 9 يوليو/تموز 2020 بأن "من الرائع أن نرى تايوان تكثف مشاركتها في شرق إفريقيا".

هذا التغير في الموقف الأمريكي يُعزى إلى صراع بكين وواشنطن في منطقة البحر الأحمر ومحيطه، حيث تعتبر تعتبر المنافسة الاستراتيجية بينهما على جيبوتي أمراً محورياً في اللعبة الجيوسياسية بين الطرفين، وهو ما خلق في المحصلة تنافساً استراتيجياً بين جيبوتي وأرض الصومال.

وبالنسبة إلى واشنطن يمكن استخدام أرض الصومال كشريك بحري وعسكري بديل إذا زادت مخاوف الولايات المتحدة بشأن هيمنة الصين على جيبوتي بشكل كبير.

TRT عربي