اتفاق سوتشي.. مصير ضبابي في ظل قصف النظام السوري لإدلب
تزايدت مؤخراً هجمات قوات النظام السوري والمجموعات الموالية له على مدينة إدلب التي تخضع لاتفاق خفض التصعيد. وهو ما قد يهدد تفاهمات سوتشي بين تركيا وروسيا ويدفع باتجاه حالة أمنية ميدانية عسكرية جديدة تفرض نفسها، وفق مراقبين.
15 قتيلاً و49 مصاباً في قصف للنظام السوري على مناطق خفض التصعيد في إدلب (AA)

ما المهم: تواصل قوات النظام السوري قصفها لمدينة إدلب التي يقطنها نحو 4 ملايين مدني، على الرغم من خضوعها لاتفاق خفض التصعيد المُوقّع بين تركيا وروسيا، وهو ما يشير إلى أن اتفاق سوتشي المُبرم بين أنقرة وموسكو بات تواجه خطراً في ظل استمرار استهداف المدينة من قبل جيش النظام.

وكثفت قوات النظام غاراتها، على مركز مدينة إدلب وبلدتَي خان شيخون وسراقب وقرية أم جلال، وهي مناطق تقع ضمن منطقة خفض التصعيد.

المشهد: انتشلت فرق الدفاع المدني السوري، الخميس، جثامين 15 قتيلاً، وأسعفت 49 مصاباً وأخمدت ثلاثة حرائق، نتجت عن أربع غارات شنها الطيران الحربي السوري استهدفت الأحياء السكنية في إدلب، كما استطاعت إنقاذ خمسة أشخاص على قيد الحياة من تحت الأنقاض.

وهاجمت قوات النظام السوري وعناصر موالية لها، الثلاثاء، بقنابل الفوسفور الأبيض المحرمة دولياً، بلدة التمانعة بريف إدلب، وواصلت قصفها على المنطقة حتى ساعات الصباح.

واستهدف النظام السوري مناطق مأهولة بالمدنيين في حريتان وعندان وكفر حمرة بالريف الغرب لمحافظة حلب.

وتسببت الهجمات البرية والجوية على منطقة خفض التصعيد بمقتل 138مدنياً وجرح أكثر من 425 آخرين، منذ مطلع العام الجاري، حسب وكالة الأناضول.

الخلفيات والدوافع: عقب إبرام اتفاق سوتشي، أوقفت روسيا وقوات النظام السوري غاراتهما الجوية على إدلب لفترة وجيزة، ما أتاح الفرصة لعودة نحو 80 ألف سوري إلى ديارهم.

ولم يمضِ وقت طويل على فترة الهدوء هذه، لتعود قوات النظام السوري، إلى استهداف المناطق المأهولة بالمدنيين والخالية تماماً من أيّة مجموعة مسلحة.

وهاجمت قوات النظام السوري، قبل يومين، بقنابل الفوسفور الأبيض المحرمة دولياً، بلدة التمانعة بريف إدلب، شمالي البلاد.

إضافة إلى ذلك، قالت وكالة سبوتنيك الروسية، إن طائرات حربية روسية استهدفت مستودعاً للأسلحة في محافظة إدلب، وأشارت إلى أن المستودع تابع لهئية تحرير الشام.

ردود الفعل: قبل يومين، قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع التركية ناديدة شبنم أقطوب إن "الجهود متواصلة بنجاح لتنفيذ اتفاق سوتشي حول إدلب بالتنسيق مع روسيا رغم الاستفزازات".

وأشارت إلى أن الدوريات التي يسيّرها الجيش التركي في المنطقة منزوعة السلاح، بالتوازي مع دورية للجيش الروسي في محيطها، ستسهم في ترسيخ وقف إطلاق النار، واستمرار جهود تأسيس السلام والاستقرار.

كما لفتت، في الوقت ذاته، إلى عدم تحقيق نجاح كافٍ فيما يتعلق بمنع الهجمات التي يشنها النظام السوري على إدلب. وشددت على ضرورة كبح انتهاكات النظام لوقف إطلاق النار، من أجل ضمان استمرارية الأنشطة في المنطقة منزوعة السلاح.

من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إن اتفاق خفض التصعيد في منطقة إدلب، حقق نجاحاً في منع حدوث مأساة إنسانية جديدة، والحيلولة دون موجة هجرة جديدة تجاه تركيا وأوروبا.

وشدّد على أن تركيا ملتزمة باتفاق إدلب رغم جميع الاستفزازات، ومصممة على حماية الهدوء في المنطقة.

وفي سياق متصل، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أقار إن بلاده تواصل العمل مع روسيا لإنشاء مركز تنسيق مشترك بشأن الأوضاع في إدلب. وأضاف "اتفقنا مع وزير الدفاع الروسي على تسيير دوريات في إدلب لجعل العمل أوضح ونواصل العمل مع موسكو لإنشاء مركز مشترك هناك".

بين السطور: أبرمت تركيا وروسيا اتفاق سوتشي في 17 سبتمبر/أيلول 2018، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب. وعقب إبرام الاتفاق، أوقفت روسيا وقوات النظام السوري غاراتهما الجوية على إدلب لفترة وجيزة، ما أتاح الفرصة لعودة نحو 80 ألف سوري إلى ديارهم.

وسحبت المعارضة السورية أسلحتها الثقيلة من المنطقة التي شملها الاتفاق، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إلا أن النظام السوري ما زال يخرق الاتفاق بقصفه المتكرر على منطقة خفض التصعيد واستهداف المدنيين.

ما التالي: يرى الأكاديمي والمحلل السياسي التركي سمير صالحة، أن تركيا ملتزمة بتفاهمات أستانا وسوتشي فيما يخص منطقة خفض التصعيد والمنطقة الآمنة، في المقابل يوجد إصرار من قبل النظام السوري على الأرض لعرقلة هذه التفاهمات، في وقت توجد فيه جهة تشجع الخروقات، تتمثل في روسيا "التي شاركت في عمليات القصف الأخيرة واستهدفت المدنيين".

ويقول صالحة في حديث لـTRT عربي، إن التجاوزات الأخيرة تُلزم موسكو بتوضيح موقفها من استهداف المدنيين، خاصة بعد إعلان قوى المعارضة السورية أنها لن ترد على القصف الأخير، مؤكدة على تمسكها بالتفاهمات.

ويضيف "استمرار التصعيد بهذا الشكل سيهدد تفاهمات سوتشي ويدفع باتجاه حالة أمنية ميدانية عسكرية جديدة تفرض نفسها، وسط عدم رضا أنقرة بهذه الخروقات، خاصة أنها تهدد بموجة لجوء جديدة كانت قد حذرت منها تركيا والعواصم الأوروبية".

ويتابع "على الأطراف الفاعلة التحرك من أجل وقف الانتهاكات التي تحصل في منطقة خفض التصعيد، وتحمُّل كافة مسؤوليتها بهذا الاتجاه، قبل الانزلاق نحو مأزق جديد يُصبح بعده من الصعب تدارك الكوارث".

مقتل 138 مدنياً وجرح أكثر من 425 آخرين في منطقة خفض التصعيد منذ مطلع العام الجاري (AA)
TRT عربي