بين حرارة الصيف وضيق العيش.. كيف يقاسي أصحاب المهن في دول عربية؟
يكافح عمال المنطقة العربية لكسب رزقهم في ظل الظروف المناخية الصعبة، فتحت درجات الحرارة المرتفعة ومن دون أي وسائل حماية يسعى هؤلاء العمال لتأدية وظائفهم وكسب معيشتهم.
في دول كالعراق وسوريا وتونس والسعودية، يجد الكثير من السكان أنفسهم من دون أي فرص للاحتماء من درجات الحرارة المرتفعة. / صورة: AFP (AFP)

تعد المنطقة العربية من أكثر المناطق تأثراً بالتغير المناخي، وما يترتب عليه من آثار مناخية، ويشكل ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف أهم التحديات التي تواجه سكان المنطقة.

وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والبنى التحتية لدول المنطقة، فإن حياة سكانها في ظل هذه الأجواء تصبح أكثر صعوبة، ما يفرض عليها العمل في ظل هذه الظروف الصعبة.

ففي دول كالعراق وسوريا وتونس والسعودية، يجد الكثير من السكان أنفسهم من دون أي فرص للاحتماء من درجات الحرارة المرتفعة.

حدّاد في سوريا: "نواجه الحرّ والنار معاً"

في مدينة إدلب في شمال غرب سوريا، يواجه مراد حدّاد (30 عاماً) ألسنة النيران التي يوقدها داخل ورشته المتواضعة من أجل صهر الحديد وتطويعه، محوّلاً إيّاه إلى أدوات تستخدم في الزراعة أو الصناعة وسواها. يقول مراد " نحن ستّة أشقّاء نعمل معاً. نستيقظ باكراً عند الصباح لنخفّف من الحرّ الذي نتعرّض له، لأنّنا نواجه الحرّ والنار في آن معاً. نحرق قلبنا لنسيّر أمورنا".

مع أشقائه، يتناوب مراد على العمل في المهنة التي ورثوها أبّاً عن جدّ، متحدّين درجات الحرارة المرتفعة والتي يزيد اللهب من شدّتها.

خلال أوقات استراحة قليلة، يخلع قميصه ليجفف العرق الذي ينهمر على وجهه ومن لحيته، ثم يحتسي كوباً من الشاي أو ينفث دخان سيجارته، فيما لا تنجح مروحة قديمة تتدلى من السقف في تبريد حرارة الورشة.

ويشرح "نعمل حتى الساعة الثانية أو الثالثة بعد الظهر ونغادر بعدها، نقف هنا أمام النار لخمس أو ستّ ساعات يومياً على الأقل"، مضيفاً "هذه الوقفة تذبحنا".

توصيل الطعام في بغداد تحت 50 درجة مئوية

يكافح مولى الطائي يومياً درجات الحرارة المرتفعة التي تغطّي شوارع بغداد، ليسلّم الفلافل والكباب والأطعمة المختلفة إلى السكّان على دراجته النارية الصغيرة.

وحينما تتجاوز درجات الحرارة 50 مئوية، كما كان الحال مطلع الأسبوع، يكون مولى من القلائل الذين يخاطرون تحت شمس بغداد الحارقة، ليسلّم الطعام.

يقول الشاب البالغ من العمر 30 عاماً "الحرارة تصل إلى 52، 53، 54، ليس من الطبيعي أن يتحمّل الإنسان هذا الأمر".

ليحمي نفسه من الشمس، يغطّي مولى فمه وأنفه بقناع، كما أغلبية عمّال التسليم الآخرين الذين يوصلون الطعام على متن دراجات نارية.

يُعدّ العراق من الدول الخمس الأكثر تأثّراً ببعض تداعيات التغيّر المناخي وفق الأمم المتحدة. في الصيف، تزداد موجات الحرارة تفاقماً، أمّا الأمطار، فباتت قليلة. وتشهد البلاد موجة جفاف للعام الرابع على التوالي.

في تونس زراعة الحقول رغم حرارة الشمس

تعمل منجية دغبوج البالغة من العمر 40 عاماً مزارعةً في قرية الحبابسة في ولاية سليانة الواقعة في شمال غرب تونس.

وتحدّثت دغبوج لفرانس برس في 27 يوليو/تموز خلال موجة الحرّ الاستثنائية في تونس. ووصلت درجات الحرارة إلى 49 مئوية في الظلّ في العاصمة تونس في 25 يوليو.

بدّلت منجية ساعات عملها، فهي تستيقظ يومياً عند الفجر لتذهب إلى العمل، ومعها قارورة مياه وزاد طعام. تسير المرأة نحو 7 كيلومترات لتصل إلى الحقل، إذ تزرع الفلفل والبطيخ. ويرافقها شابان من المنطقة يعملان معها.

وتقول منجية "أستيقظ عند الساعة الرابعة صباحاً وأُعدّ الفطور لأطفالي وأجهّز قفّتي وآتي مشياً، وأبدأ العمل عند الخامسة صباحاً وأنهي العمل عند الثانية" بعد الظهر. وتضيف "نصل باكراً للعمل ثم نعود في وقت مبكر بسبب الحرارة".

ثقل الحرّ وقوارير الغاز في جنوب العراق

يجهد بائع الغاز الأربعيني، أثير جاسم، في الناصرية في جنوب العراق، إذ بلغت الحرارة 51، ليكمل يومه. يعود إلى بيته للاستراحة، ليجد الكهرباء مقطوعة.

يشكو هذا الأب لثمانية أطفال لهيب الشمس، ومن التراب. ويقول "حينما أشعر بالتعب، أستريح خمس دقائق أو عشر دقائق، أغسل وجهي ورأسي...لكي أستريح قليلاً وأستأنف نشاطي".

مغطياً رأسه بقبّعة، يتنقل جاسم بشاحنته الصغيرة من بيت إلى بيت ليوصل قوارير الغاز، حاملاً إياها على ظهره في بعض الأحيان.

يتصبّب عرقاً، لكنّه يواصل العمل رغم ذلك لأنّه يريد أن يبقى أطفاله في المدرسة ويكملوا تعليمهم.

ويعود الرجل إلى بيته في الليل. يروي "أكون متعباً، وممتلئاً بالعرق، أستحمّ ثم أذهب للنوم، فتنقطع الكهرباء".

اللياقة البدنية: أولوية لنساء الإنقاذ في السعودية

في شرق السعودية، توفّر المنتجعات على شاطئ الخليج متنفّساً للتغلّب على الطقس الحارّ، لكنّ النهار يظلّ طويلاً لنساء الإنقاذ المكلّفات الحفاظ على سلامة السباحين.

وتقول أماني الفلفل التي تعمل منذ أكثر من عقد في منتجع بمدينة الخُبر، إذ يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية "نولي الكثير من الاهتمام لمستوى لياقتنا البدنية حين نعمل خلال درجات حرارة الصيف المرتفعة".

وتضيف: "نتعاون، فإذا انتاب الإرهاق إحدانا تحلّ محلّها أخرى".

تمضي الفلفل نوبات العمل، التي تستمر لثماني أو تسع ساعات، في القيام بدوريات في المياه على متن دراجة مائية نفاثة وعلى الشاطئ سيراً على القدمين، وهي تنحني باستمرار تحت دشّ حمام السباحة لإزالة العرق وغسل وجهها بالماء البارد للمحافظة على حيويتها ويقظتها.

وتتابع "حينما أعود إلى المنزل، أطلب فقط أبرد ماء يمكنني الاستحمام به والاسترخاء، لأنّني أكون أخذت أكبر قسط من الحرارة" خلال اليوم.

TRT عربي - وكالات