تطبيع الإمارات.. الاتفاق الذي دعّم أركان إسرائيل عسكرياً ووسّع نفوذها
تسعى تل أبيب للحصول على سلاح أمريكي لم تحصل عليه من قبل، مقابل السماح بحصول الإمارات على مقاتلات F-35، ويشير محللون إلى أن الاتفاق سيساهم بدعم الصناعات العسكرية الإسرائيلية وتوسيع نفوذ إسرائيل ونقل حلبة المعركة بعيداً عن حدودها.
خبراء إسرائيليون: اتفاق التطبيع سمح بنقل حلبة الصراع إلى حدود إيران ودعم الصناعات العسكرية الإسرائيلية (AFP)

لم يسهم اتفاق "التطبيع" بين أبو ظبي وتل أبيب في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي والعلاقات الأمنية والعسكرية بين الجانبين فحسب، إذ بدا واضحاً أن إسرائيل تسعى لاستغلال الاتفاق لمصالح لم تكن لتحققها، ولعل أهمها هو مضاعفة الترسانة العسكرية ومضاعفة التفوق النوعي عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط.

ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن اتفاق التطبيع، بدأ الحديث في إسرائيل عن صفقة أمريكية لبيع مقاتلات من طراز F-35 للإمارات، مقابل هذا التطبيع، وهو ما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه كلياً، وشدد عليه خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في تل أبيب، مشيراً إلى أن إسرائيل ستقف حجر عثرة أمام بيع المقاتلات لكل الدول العربية وبينها الإمارات.

الإمارات من ناحيتها أبدت انزعاجها من تصريحات نتنياهو واعترضت عليها، وهو ما دفع المشهد إلى اتجاه آخر، إذ عاد الحديث عن الصفقة مجدداً، فيما أشارت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية إلى أن نتنياهو كان قد أكد للإدارة الأمريكية موافقته بيع المقاتلات لأبو ظبي مقابل التطبيع، على الرغم من نفيه المتكرر.

وفي هذا الخضم المتداخل من التصريحات والأنباء المتداولة حول الموضوع، بدا أن إسرائيل على وشك التنازل والسماح للإمارات بامتلاك هذه المقاتلات، لكنّ الثمن لم يكن اتفاق "التطبيع" فحسب، إذ يتضح أن لإسرائيل مآرب أخرى من هذه الصفقة التي قد تعود عليها بفوائد جمّة أهمّها تعزيز قدراتها العسكرية.

يقول الصحفي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية ناحوم بيرناع في تقرير نشرته الصحيفة، إن "المستوى السياسي والعسكري والأمني في إسرائيل بدأ بعقد مشاورات حول صفقة مقاتلات F-35 الأمريكية-الإماراتية".

ويشير إلى أن إسرائيل بدأت تبحث عن "التعويض" الأمريكي، مقابل السماح بإبرام الصفقة مع الإمارات، وهو تعويض سخي لم تحصل تل أبيب على مثله من ذي قبل، حسب قوله.

ويبدو أن القيادات العسكرية في إسرائيل تسعى لبلورة جملة من المطالب التي تبتغي الحصول عليها من الإدارة الأمريكية مقابل السماح بصفقة مقاتلات F-35، وأهمّ هذه المطالب هو تقديم موعد تصنيع وتسليم لمنظومات عسكرية أمريكية لإسرائيل سنة كاملة".

ويوضح الصحفي الإسرائيلي أن مجرد قبول الإدارة الأمريكية بهذا العرض، فذلك سيصب في مصلحة إسرائيل عسكرياً واقتصادياً بشكل كبير في ظل الأزمة الاقتصادية وتداعيتها، بخاصة على القطاع العسكري، إذ لن تسدد إسرائيل ثمن هذه المنظومات إلا بعد عام من تسليمها.

ويلفت إلى أن تل أبيب ستتلقى مقابل موافقتها على إبرام الصفقة المذكورة، سلاحاً أمريكياً نوعياً يضمن لها التفوق العسكري في الشرق الأوسط "وهو سلاح لم تحصل عليه من ذي قبل".

نحن نقترب من نقطة حساسة بالنسبة إلى إيران، بعد أن كُنّا نحارب توسعها قرب حدودنا، ولذلك فإن السماح بامتلاك الإمارات مقاتلات F-35 الأمريكية هو مصلحة إسرائيلية بامتياز.

الباحثة في الدراسات الإسرائيلية - مور الطيشولر

في سياق متصل، يقول مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة "معاريف" إن "تسلم الإمارات مقاتلات من طراز F-35 يعد مصلحة إسرائيلية، إذ لن تتضرر إسرائيل من الأمر بل ستربح منه كثيراً".

ويضيف: "وجود مثل هذه المقاتلات في يد دولة صديقة تجمعنا معها مصالح مشتركة وقريبة جداً من إيران، هو مصلحة إسرائيلية بلا شك".

بدورها، تقول الباحثة في الدراسات الإسرائيلية مور الطيشولر في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، إن "اتفاق التطبيع مع الإمارات جعل لإسرائيل موطئ قدم على مقربة من شواطئ إيران، لأوّل مرة إسرائيل لن تحارب التوسع الإيراني بالقرب من حدوها في لبنان وسوريا بل تسعى لإعادة تشكيل حلبة الصراع لصالحها".

وتوضح: "نحن نقترب من نقطة حساسة بالنسبة إلى إيران، بعد أن كُنّا نحارب توسُّعها قرب حدودنا، ولذلك فإن السماح بامتلاك الإمارات مقاتلات F-35 الأمريكية هو مصلحة إسرائيلية بامتياز".

وتشير إلى أنه "وبفضل هذه الصفقة سوف نتمكن من تعميق العلاقات مع سلاح الجو الإماراتي، ونكون أقرب إلى إيران من أي وقت مضى".

للمزيد اقرأ:

- نتنياهو-دحلان-بن زايد.. حلف لتصفية القضية الفلسطينية واستهداف تركيا

- الإمارات تعبث شرق المتوسط.. هل تستطيع إسرائيل حمايتها من الحساب التركي؟

وحول الموضوع نفسه، يقول الضابط رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي غيروا إيلاند لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إن "إسرائيل تستطيع التعايش مع امتلاك الإمارات مقاتلات F-35، لأن الحديث يدور عن دولة بعيدة جغرافياً عن إسرائيل، ونظام أمين وثابت لا يقتني هذه المقاتلات لمحاربة إسرائيل، بل لأن الإمارات قريبة لإيران وتشعر بتهديد مستمر ليس أقل من التهديد الذي تشعر فيه إسرائيل".

ويكاد يجمع الخبراء في إسرائيل على أن حصول الإمارات على مقاتلات F-35 يصب في مصلحة تل أبيب، إذ يرى الدبلوماسي الإسرائيلي السابق والمستشار السياسي ألون بينكس أن امتلاك الإمارات لهذه المقاتلات لا يشكل أي تهديد على تل أبيب، ولا تغير من موازين القوى في الشرق الأوسط "لأن الولايات المتحدة تعهدت بأن تبقى إسرائيل صاحبة اليد الطولى عسكرياً في المنطقة، وقد نحصل قريباً على أسلحة لم نمتلكها حتى اليوم مقابل ذلك".

ويضيف: "المقاتلات ستشكل رادعاً لإيران، وإيران هي التهديد بالنسبة إلى إسرائيل".

وإلى جانب المصالح العسكرية، يشير موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي المعني بالاقتصاد، إلى أن الصناعات العسكرية الإسرائيلي تستفيد اقتصادياً من صفقة مقاتلات F-35 مع الإمارات.

ويشير إلى أن إسرائيل تُصنّع أجنحة هذه الطائرة في مصنع "لاهف" للصناعات العسكرية، وحسب الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن الأمر سيعود على إسرائيل بربح وفير قد يتجاوز مليارَي دولار.

ويذكر أن الصفقة الأمريكية الإماراتية قد تساهم في إزالة بعض القيود المفروضة على الصناعات العسكرية الإسرائيلية في ظل التنافس مع الصناعات العسكرية الأمريكية.

صفقة F-35 ستعود بمنافع اقتصادية وعسكرية على إسرائيل (AP)
TRT عربي - وكالات