مشاهد مرعبة.. معتقلون سابقون لدى النظام السوري يروون معاناتهم بمستشفى عسكري
كشف تقرير حقوقي وشهادات معتقلين سابقين عن وقائع مفزعة من "مستشفى تشرين العسكري" في العاصمة السورية دمشق، حيث يستقبل المرضى من المعتقلين وجثث الموتى الذين انتهت حياتهم بالتعذيب أو جراء الأوضاع السيئة في مراكز الاعتقال.
معتقلون سابقون يروون معاناتهم في "مستشفى تشرين العسكري" بدمشق / صورة: وسائل إعلام سورية (وسائل إعلام سورية)

أصدرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، تقريراً، الثلاثاء، بعنوان "دفنوهم بصمت"، يعرض روايات ووقائع من "مستشفى تشرين العسكري" في سوريا، حيث أُجبر معتقلون مرضى على نقل جثث، وتُرك آخرون من دون علاج حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، وتعرّض كثيرون لضرب مبرح، وفق شهادات معتقلين سابقين.

"مستشفى تشرين العسكري" في دمشق، يُنقل إليه بشكل رئيسي مرضى من المعتقلين وجثث موتى قضوا تحت التعذيب أو جراء الأوضاع السيئة في مراكز الاعتقال، وعلى رأسها سجن صيدنايا ذائع الصيت.

ويروي المعتقل السابق في صيدنايا "أبو حمزة"، وهو اسم مستعار، (43 عاماً)، الذي دخل "مستشفى تشرين" ثلاث مرات خلال فترة اعتقال دامت سبع سنوات، لوكالة "فرانس برس"، قائلاً: "كان السجناء يخشون الذهاب إلى المستشفى، لأن كثراً لم يعودوا منه".

ويضيف: "إن كان الواحد منّا قادراً على السير يعود إلى السجن، أما المريض جداً فلا يعود ويُترك للموت في نظارة المستشفى".

ويبيّن التقرير الذي اعتمد على مقابلات مع 32 شخصاً بينهم معتقلون سابقون وعناصر أمن وأفراد من الكادر الطبي ووثائق مسربة، مسار التعامل مع جثث المعتقلين و"التخلص منها"، من نقلها وتجميعها وتوثيقها وتصويرها وصولاً إلى إرسالها إلى المقابر الجماعية.

وتطرقت تقارير حقوقية من قبل إلى هذه الممارسات. فقد التقط المصوّر السابق في دائرة التوثيق التابعة للشرطة العسكرية السورية الذي يُعرف باسم "قيصر"، صوراً لجثث معتقلين في مستشفيات عسكرية سورية، بينها "مستشفى تشرين"، أظهرت التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون.

و"قيصر" هو الاسم المستعار للمصور الذي انشقّ وخاطر بحياته لتهريب 53275 صورة لجثث معتقلين سوريين بينهم امرأة، في مراكز احتجاز سورية، إلى خارج البلاد منذ عام 2013. واقتُبس اسمه لما عُرف في ما بعد باسم "قانون قيصر" في الولايات المتحدة الذي نصّ على عقوبات اقتصادية ضد سوريا.

ويشير تقرير "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" إلى أن مفرزة الشرطة العسكرية التابعة للمستشفى هي "المحطة الأولى للمعتقل (...) وهي أيضاً مكان تجميع جثث المعتقلين قبل تحميلها ونقلها إلى مقابر جماعية" في نجها (جنوب) والقطيفة وجسر بغداد (قرب دمشق).

تركوه يموت

ويتذكّر أبو حمزة: "في إحدى المرات، كان موقوف يئنّ كأنه ينازع داخل زنزانة المفرزة، لم يعرضوه على طبيب، بل وضعوه بين الجثث.. تركوه يموت".

ويشير التقرير إلى إجبار المعتقلين على نقل جثث من السجن إلى المستشفى، ويكون بينها أحياناً مرضى ينازعون بين الحياة والموت، فتجري تصفيتهم.

ويتابع "أبو حمزة" شهادته قائلاً: "لساعات طويلة، كنت أنقل -حافي القدمين وفي البرد القارس- جثث معتقلين من سجن صيدنايا إلى عربة نقل، ولاحقاً إلى أماكن تجميع قرب المستشفى، حيث تُكتب أرقام عليها أو على ورقة بيضاء تُوضع عليها، قبل أن يأتي مصوّر لالتقاط صور لها".

وتصدر شهادات الوفاة لاحقاً من المستشفى وغالباً ما تُكتب أسباب الوفاة على أنها توقّف القلب أو فشل كلوي أو جلطة دماغية، وفق التقرير الذي يشير إلى أن الأطباء الشرعيين لا يفحصون فعلياً جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب أو جراء ظروف اعتقال سيئة.

تعذيب وحشي

ويكشف تقرير رابطة معتقلي صيدنايا "عمليات تعذيب وحشية بحق المعتقلين المرضى" ينفّذ معظمها عناصر المفرزة الأمنية التابعة للمشفى.

وحسب التقرير وشهادات الناجين، تعرّض بعض المعتقلين المرضى لإهانات من "الكادر الطبي" وضرب شديد على أيدي معتقلين آخرين، على مرأى من عناصر أمن لم يحرِّكوا ساكناً.

ويضيف "أبو حمزة" الذي رأى مرة واحدة طبيباً لم يقترب منه: "في إحدى المرات، دخل حرس مفرزة المستشفى علينا، طلبوا منّا الانبطاح أرضاً وأبرحونا ضرباً لربع ساعة ثم خرجوا".

وأفاد التقرير الحقوقي أن عناصر المفرزة كانوا أحياناً يتخلصون من المعتقلين المرضى بخنقهم عبر لفّ "منشفة" أو "خرقة" حول أعناقهم.

في حين يشير الشريك المؤسس في الرابطة، دياب سرية، إلى أن "مستشفى تشرين" يؤدي دوراً مركزياً في عمليات الإخفاء القسري والتستّر على عمليات تعذيب وتزييف أسباب الوفاة، فضلاً عن المعاملة السيئة داخل المستشفى وتصفية معتقلين، و"ذلك كله يُعد جرائم ضد الإنسانية".

ويتابع: "ما يحصل في (تشرين) ومستشفيات عسكرية أخرى يعد سياسة ممنهجة".

واعتُقل محمود (25 عاماً) في عام 2014 حين كان عمره 16 عاماً لمدة سنتين. واصفاً لحظات الرعب والمعاناة في "مستشفى تشرين": "وضعوني أرضاً وداسوا عليّ وأغلقوا فمي بأيديهم حتى لم أعد أشعر بشيء. غبتُ تماماً عن الوعي"، مضيفاً: "صحوت بعد وقت قصير لأجد نفسي بين جثث في زاوية الزنزانة".

ويكشف عن أن جثتين كانتا فوقه سقطتا أرضاً، فما كان منه إلا أن صاح بأعلى صوته.

ويتابع: "كنت مرتدياً سروالي الداخلي فقط، وقد تبوّلت وتبرّزت لا إرادياً".

وغادر محمود المستشفى حينها إلى السجن من دون عرضه على طبيب. ومنذ ذلك الحين، ساءت حياته في السجن أكثر ولم يعد يجرؤ على الذهاب إلى المستشفى حتى في أقصى فترات معاناته من مرض السلّ داخل زنزانة صيدنايا.

ويقول: "وصلت إلى درجة لا أستطيع فيها حتى أن أمضغ الأكل، لكني لم أُبلغ أحداً حتى لا يأخذوني إلى (مستشفى تشرين) مرة أخرى".

اتهامات ومحاكمات

على مرّ سنوات النزاع السوري المتواصل منذ عام 2011، اتهمت منظمات حقوقية عدة أجهزة أمنية سورية بتعذيب المعتقلين وتنفيذ أحكام إعدام من دون محاكمات داخل السجون. وتستهدف دعاوى قضائية عدة في أوروبا، اليوم، النظام السوري بتهم تعذيب معتقلين.

في فرانكفورت الألمانية، يخضع طبيب سابق في سجن حمص العسكري لمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لضلوعه في تعذيب معتقلين.

TRT عربي - وكالات