من "البقاء" إلى "الرعاية الذاتية".. طريق طويل يقطعه الناجون من الزلزال
مع انتقال جهود الإغاثة إلى المرحلة الثانية فإن احتياجات المتضررين من الزلزال تتبدل.
تسببت الزلازل التي ضربت 11 محافظة في جنوب تركيا وأجزاء من سوريا في 6 فبراير/شباط  بتشريد مئات آلاف الأشخاص / صورة: AA (AA)

تتبدل احتياجات الناجين من الزلزال مع بدء تأقلمهم البطيء مع واقع حياتهم الجديدة. في حين أن أولويتهم الملحة كانت الحصول على مقومات البقاء والمأوى، فإن تركيزهم يتبدل الآن نحو مسألة النظافة مثل الوصول إلى أدوات العناية الشخصية، كما كشف مسؤول في مجموعة الإغاثة لـTRT World.

"يريد الناس الآن مقصات الأظافر، وورق التواليت والشامبو والصابون"، كما قال ممدوح كايكليك مدير عمليات مؤسسة الإنسان والحضارة في قهرمان مرعش، إحدى المقاطعات التي ضربها الزلزال بشدة. "يريدون أيضاً قص الشعر. لذلك رتبنا نحو عشرين حلاقاً (في معسكر إغاثة)".

تسببت الزلازل التي ضربت 11 محافظة في جنوب تركيا وأجزاء من سوريا في 6 فبراير/شباط بمقتل أكثر من 50 ألفاً وتشريد مئات آلاف الأشخاص، مما أجبرهم على البحث عن مأوى في الخيام التي أقامتها إدارة الكوارث والطوارئ وغيرها من المنظمات الإنسانية. لقد أتت الزلازل المدمرة التي كانت بقوة 7.7 و7.6 على أحياء بأكملها وسوتها بالأرض، وشردت عائلات وأغلقت الأعمال التجارية.

المباني التي لا تزال قائمة في قهرمان مرعش مركز الزلزال مجرد بقايا الهياكل العظمية للأبنية مع ألواح النوافذ المكسورة تلوح من هنا وهناك، والأكوام الخرسانية والأثاث المتدلي مما كان في السابق غرف نوم وغرف معيشة. معظمها غير مناسب لعودة الناجين إليها ما لم يُعَدْ بناؤها.

تعمل الحكومة التركية بالفعل على تحديد التشققات في المنازل والمنشآت التجارية المعرضة للخطر. وقد بدأت بالفعل عملية تسجيل الناجين واحتياجاتهم للسكن في المستقبل.

المؤسسة التي يعمل فيها كايكليك المعروفة باللغة التركية باسم Insan ve Medeniyet Vakfi، هي واحدة من تسعة مؤسسات مسجلة لدى الحكومة. وهي مؤهلة لتلقي المساعدة المالية من أنقرة وتوزع كل يوم المواد الغذائية على أكثر من 80 ألف شخص في جميع أنحاء المناطق التي ضربها الزلزال.

تغيرت احتياجات الناجين مع مرور الوقت

"في البداية كل ما أرادوه هو الخبز والماء. تهدم عديد من المخابز بقهرمان مرعش أو تعرض لأضرار بالغة". هذا ما قاله كايكليك في مقابلة الأسبوع الماضي في قهرمان مرعش والذي أكد: "لا يوجد نقص في الغذاء الآن، لدينا كثير لإطعام الناس".

وأضاف بصوت خافت وكأنه يحسب كلماته ويومئ برأسه قبل أن يتحدث: "لكن الشيء الأكثر أهمية هو أن الناجين لا يريدون أن يشعروا بالوحدة في هذه الأوقات العصيبة".

في ليلة 20 فبراير تسبب زلزال آخر في هاطاي بتشققات على طول الطريق إلى قهرمان مرعش، حيث جرى إنشاء مكتب إقليمي للمنظمة بإحدى المدارس. اهتزت أسقف المبنى المكون من أربعة طوابق، مما دفع عدداً من الأمهات اللائي لديهن أطفال للجري إلى الخارج.

”لا داعي للذعر. لا بأس الآن. ضرب الزلزال هاطاي. سنكون بخير"، أُعلن على مكبر الصوت وعاد من فوره إلى العمل.

بحي غوزيليالي، ليس بعيداً عن مطار أضنة وهي مدينة أخرى ضربها الزلزال، أعاد متطوعون كانوا يفرزون أكوام الأحذية والسترات المتبرَّع بها تأكيد ما قاله كايكليك.

"في الأيام القليلة الأولى أراد الناس أشياء كالمناديل والأحذية لأطفالهم. قال أحد المتطوعين لـTRT World، وأضاف: "إننا لا نشهد هذا النوع من الاندفاع نحو هذه الاحتياجات الآن".

لعبت المنظمات غير الحكومية NGOs دوراً حاسماً في دعم جهود الإغاثة التي تبذلها أنقرة في المنطقة المنكوبة. فقد أكد عمال الإغاثة أن تعامل أي كيان بمفرده مع التداعيات الهائلة الناجمة عن الزلازل يعد مستحيلاً.

"لم أرَ كهذه الكارثة بهذا الحجم من قبل". قال كايكليك وهو يتحدث عن المدارس التي تديرها المؤسسات ومعسكرات الإغاثة في البوسنة وكشمير وسوريا التي مزقتها الحرب منذ سنوات.

لقد تغلبت السلطات التركية على بعض المشكلات المتعلقة بتوفير أساسيات الاستخدام اليومي في غضون فترة قصيرة.

في نورداجي على بعد نحو 50 كيلومتراً من قهرمان مرعش شُغلت أضواء الشوارع، حيث تسببت أشعة الضوء بخلق ظلال شبحية في حطام المباني والملاجئ التي أقامتها إدارة الكوارث والطوارئ قرب أنقاض المنازل.

تحدث تقريباً كل الناجين من الزلزال (24 شخصاً) الذين قابلتهم TRT World عن هطول الأمطار الغزيرة والثلوج والبرد الذي تعرضوا له صباح 6 فبراير المشؤوم.

لكن بعد أسبوعين قال عمال الإغاثة إن الناس بدوا كأنهم يتخلون عن القلق الفوري الذي انتابهم بسبب الطقس البارد حيث ارتفعت درجة الحرارة وارتدوا ملابس دافئة.

استمرت الشاحنات المحملة بمواد الإغاثة بالتحرك عبر الطرق السريعة المتجهة إلى مناطق مثل البستان، مركز الزلزال الثاني.

"ممتنون للجميع -دولتنا والبلدان الأخرى والمنظمات غير الحكومية- لمساعدتنا وقت الحاجة هذا"، كما قالت سيراب 29 عاماً.

لكن ربما لن تكون المساعدة كافية لمداواة الجروح النفسية التي خلفتها الكارثة. لم تفقد سيراب المتزوجة حديثاً أي شخص في عائلتها. فقد احتمت مع زوجها في مكان آمن لحظة بدأت فيها الأواني الزجاجية تتكسر وتهتز الخزائن الخشبية في شقتهم. كان الباب موصداً بإحكام وظلوا محاصرين لمدة 20 دقيقة مرعبة حتى كسر أحد الجيران الباب وخرجوا.

لا يمكنهم العودة إلى شقتهم المتضررة بشدة حيث كانوا يخططون لاستضافة العائلة والأصدقاء لتناول طعام الغداء والعشاء ذلك اليوم.

كانت مجموعة أواني الطعام الجديدة التي تلقتها سيراب هدية زفاف إحدى ممتلكاتها الثمينة. أرادت تقديم الطعام فيها لضيوفها بمنزلهم. كانت لا تزال معبأة بصندوق عندما ضرب الزلزال. الآن تقبع محطمة في مكان ما تحت الركام. قالت وهي تمسح دموعها: "إنه أمر مؤلم للغاية لدرجة أنني لا أستطيع الحديث عنها".

TRT عربي