"ثريدز".. 5 وقفات مع "قاتل تويتر"
استطاع ثريدز تحقيق رقم قياسي بوصوله إلى مليونه الأول خلال أقل من 24 ساعة، كاسراً بذلك كل الأرقام القياسية عالمياً.
Meta's Threads app logo / صورة: Reuters (Reuters)

أثار إطلاق تطبيق ثريدز (Threads) ضجّة عالمية كبيرة على معظم المستويات الإعلامية والشعبية وحتى السياسية والقانونية.

وبعيداً عن نقل المعلومات والأخبار والمميزات لمنصة "ثريدز" التي امتلأت بها صفحات ووسائل الإعلام، ركّزت على 5 وقفات مع التطبيق الوليد، لتسلط الضوء على زوايا أخرى أتمنى أن تكون مفيدة للقارئ الكريم.

المليون الأول الأسرع عالمياً

في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أُطلقَت منصة Chat GPT، وكانت إحدى أهم الثورات المهمّة في العالم الرقمي، مستخدمةً الذكاء الاصطناعي، واستطاع كسر حاجز أول مليون مشترك خلال 5 أيام فقط من إطلاقها، متجاوزةً بذلك أقرب منافس لها الانستغرام، الذي انطلق في 2010 وكسر حاجز المليون الأول بشهرين ونصف الشهر.

في حين أخذ تويتر "المنافس الحزين" عامَين في 2006 لتحقيق مليونه الأول، والفيسبوك 10 أشهر في 2004.

واستطاع ثريدز تحقيق رقم قياسي بوصوله إلى مليونه الأول خلال أقل من 24 ساعة، كاسراً بذلك كل الأرقام القياسية عالمياً، ومنذ انطلاق أول تطبيق رقمي في عام 2008، وكان تطبيق الهاتف الذكي "Apple's App Store"، كأحد أوائل المتاجر الرقمية التي تُتيح للمستخدمين تنزيل التطبيقات وتثبيتها على أجهزة iPhone وكان في وقته ثورة جديدة في العالم الرقمي.

المحتوى هو الملك

سيبقى المحتوى هو الملك في جميع المنصات الرقمية، ومنذ أن عبّر عن ذلك بيل غيتس عام 1996 بمقالته وعبارته الشهيرة Content is King، فالجودة العالية والمحتوى المؤثر هو ما يحدّد قيمة ونجاح الأعمال.

وساحة الإبداع في المحتوى الرقمي -بمنصاته المختلفة- هي التي تحقق الاهتمام والتأثير، بل حتى "التفاهة" التي تطغى اليوم على معظم منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت بحاجة إلى "محتوى تتمّ صناعته"، فتكرار الأعمال نفسها لا يحقّق هدف الانتشار الذي هو هدف التفاهة الأهم، فجاء صنّاع محتوى التفاهة ليقدّموا "صناعة التفاهة" بأسلوب يجذب المتابع ويبقيه متعلقاً بـ"التافه"، وهذا كلّه محتوى.

بل حتى تقييم وسائل الإعلام التقليدية اليوم من قنوات فضائية وصحف وإعلام تقليدي تكون أسهمها مرتفعة أو منخفضة بمقدار جودة المحتوى الذي تقدّمه، بعيداً عن العراقة أو القِدم أو حتى السمعة السابقة، والأمر ذاته ينطبق على الإعلام الرقمي بمختلف منصاته.

فسواء كنت في تويتر أم ثريدز أو حتى مقدماً في التلفزيون أو كاتباً في الصحف أو صانعاً للمحتوى في منصات الإعلام الرقمي، فالذي يميّزك جودة المحتوى.

بين الاستغلال والاستثمار

ربّما من أهم الوقفات المهمة التفريق بين "الاستغلال" و"الاستثمار" في عالم الأعمال، وحتى في عالم الإعلام.

وكثير من مستخدمي تويتر وجدوا أنفسهم يتعرّضون لاستغلال فجّ من مالك تويتر الجديد إيلون ماسك، الذي حوّل المنصة من إطارها الحرّ في التعبير عن الآراء والمواقف إلى منصة "استغلال" مباشر لنحو 400 مليون مستخدم نشط.

فماسك، أمامه 44 مليار دولار دفعها لشراء المنصة العالمية الأشهر، ويريد إعادتها بأي وسيلة كانت، حتى لو جاء ذلك على حساب رأس مال المنصة وهم "المستخدمون".

الاستغلال والاستثمار في عالم الأعمال يمثلان نهجَين مختلفَين؛ فالاستغلال (Exploitation) يشير إلى استخدام موارد موجودة بالفعل بطريقة تعمل على تحقيق ربح قصير الأجل، من دون الاهتمام بتطوير الموارد أو زيادة قيمتها على المدى الطويل، فهو يركّز على استخدام الموارد الحالية بأقصى استفادة مُمكنة من دون النظر إلى النمو أو الابتكار المستقبلي.

في حين الاستثمار (Investment) يتعلّق بتوجيه الموارد، سواء كانت مالية أم بشرية أو وقتاً في تطوير المشروع أو الفكرة أو الأصول بهدف تحقيق عائد طويل الأجل، فهو يهدف إلى زيادة القيمة وتحقيق النمو المستدَام عبر الابتكار وتحسين العمليات وتطوير الموارد.

استثمار علم الاقتصاد السلوكي

ويقودنا إدراك مفهومي "الاستغلال" و"الاستثمار" إلى خطأ كبير، وقع فيه مالك تويتر إيلون ماسك يطلق عليه "علم الاقتصاد السلوكي"، الذي يهتمّ بدراسة كيفية تأثير العوامل النفسية والاجتماعية والتحيّزات العقلية على الاختيارات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات.

ولتوضيح ذلك بمثال لما حدث في تويتر، دعونا نرَ هذا التسلسل البسيط:

إيلون ماسك: يعلن أنّ توثيق الحسابات بمبلغ 8 دولارات شهرياً، ثم يعلن أنّ الحسابات غير الموثقة لديها صلاحية مشاهدة 600 تغريدة فقط للحسابات؛ هنا النظر للمشتركين على أنّهم سلعة مباشرة.

المشتركون: انزعاج وتذمّر من تحويل حساب يهتم بالرأي إلى سلعة مباشرة "استغلال فجّ للمشتركين".

مارك زوكربيرغ: استثمار الوقت المناسب لطرح البديل المناسب، واستثمار الرأي العالمي المنزعج وتحويله إلى منتج اقتصادي رقمي جديد.

وهنا باختصار مثال واضح لـ"علم الاقتصاد السلوكي".

النجاح في "إطلاق العمل" وليس انتظار "الكمال"

الخطوة الأولى للنجاح أو الفشل هي "الانطلاق والعمل"، فمن دونه تبقى الأهداف والرُؤى مجرّد أحلامٍ لا قيمة لها، وأنها أفكارٍ ملقاة على قارعة الطريق لا يأبه لها أحد.

ومؤسس ميتا مارك زوكربيرغ يدرك هذه القاعدة جيداً، وأطلق منصة ثريدز في وقت لم يكتمل الكثير من خصائصه الموجودة أصلاً في باقي المنصات المملوكة لميتا، لكن لو بقِي ينتظر تجهيز كل شيء، لمَا حدثت هذه الضجة اليوم.

ويؤكد ذلك عديد من المزايا المفقودة في ثريدز وجزء منها أساسي، ومنها:

- استخدام الهاشتاغ.

- حفظ "الثريدة" قبل نشرها.

- اتجاه الصفحة بالعربي.

- إعطاء استقلالية عن الانستغرام في تسجيل الدخول أو توثيق الحسابات.

- تخصيص التايم لاين بشكل أكثر خصوصية "للمتابعين فقط".

- إرسال رسائل مباشرة للمشتركين.

وغيرها الكثير.. وربّما أهمّها عدم وضوح الخوارزميات التي ستتعامل مع مشتركي "ثريدز".. لكن مع ذلك حصل الإطلاق.

وهذا هو الدرس المهم، أن تبدأ بالمشروع ثمّ تُحسّن وتطوّر فيه، أفضل من انتظار لحظة الكمال التي لن تأتي أبداً، فلا كمال في الأعمال، ودائماً ما توجد نسخة أفضل، لكن الخطر عدم وجود نسخة أصلاً.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي