صفقة تبادل السجناء بين واشنطن وطهران.. لماذا يصعب بناء الثقة بينهما؟
تشير التقارير الواردة من واشنطن وطهران إلى أنّ البلدَين يقتربان من التوصل إلى اتفاقٍ غير مباشرٍ لإطلاق سراح سجناء تحتجزهم طهران منذ سنوات، وذلك من خلال وساطة قطرية.
USA and Iranian flags / صورة: Reuters (Reuters)

تشير التقارير الواردة من واشنطن وطهران إلى أنّ البلدَين يقتربان من التوصل إلى اتفاقٍ غير مباشرٍ لإطلاق سراح سجناء تحتجزهم طهران منذ سنوات، وذلك من خلال وساطة قطرية.

ورغم أنّ المحادثات بين الجانبين ليست بالأمر الجديد، إذ أفادت تقارير سابقة بأنّها مستمرة منذ ثلاثة سنوات، فإنّ المؤشرات عن التوصل إلى اتفاق اعتُبرَت مفاجئة من حيث التوقيت، نظراً إلى التصعيد الحاصل في المنطقة على خلفية الحرب التي شنّتها روسيا على أوكرانيا، وتدخُّل إيران غير المباشر عبر دعم موسكو بالمسيّرات الانتحارية، وهو ما أغضب واشنطن وحلفاءها الغربيين.

وحسب المعلومات المعلَنة حتى الساعة فإنّ الجانبَين الأمريكي والإيراني يسعون للتوصل إلى اتفاق يجري من خلاله إفراج السلطات الإيرانية عن خمسة أمريكيين من أصول إيرانية محتجزين لديها، مقابل إفراج السلطات الأمريكية عن بعض الأموال الإيرانية المجمّدة في مصارف كوريا الجنوبية، تصل إلى نحو ستة مليارات دولار.

وذكرت وسائل إعلام أمريكية أنّ الأمريكيين من أصول إيرانية الذين سيجري الإفراج عنهم هم: رجلا الأعمال سياماك نمازي (51 عاماً) وعماد شرقي (58 عاماً)، بالإضافة إلى خبير البيئة مراد طهباز (67 عاماً)، أمّا الآخران فلم يُكشَف عن هويتهما بعد، وقد جرى اعتقالهم بتهمة "التجسس لجهات أجنبية"، وفق رواية السلطات الإيرانية.

وتعكس طبيعة المحادثات عمق الشرخ الحاصل في الثقة بين الجانبين، فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب، تعمّقت حالة الشك بين الطرفين، ولم تجرِ بينهما لقاءات مباشرة، واعتاد الطرفان استخدام قناة ثالثة للتواصل وإجراء المفاوضات، مثل المملكة المتحدة وسويسرا وسلطنة عُمان التي كانت المحطة الأخيرة قبل قطر، إذ اتفق الجانبان حينها على تخفيف حدّة التوتر في سوريا والعراق وتجنُّب المواجهة العسكرية المباشرة بينهما.

أمّا حالياً فتجري المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة وفق مبدأ خطوة بخطوة (Step-by-step diplomacy)، وفق ما نقلته شبكة سي إن إن (CNN) عن أحد المصادر المطلعة على سير المباحثات، وهو ما يعكس أيضاً حالة عدم الثقة بين الجانبين، فالولايات المتحدة أصرّت على وجود ضمانات عبر السفارة السويسرية في طهران -التي تُعتبَر منذ أكثر من أربعة عقود القناة الرسمية الوحيدة للتواصل بين طهران وواشنطن- للتأكد من إفراج السلطات الإيرانية عن المحتجزين. ومن باب إظهار حسن النية أفرجت طهران عن المعتقلين من السجن وأودعتهم منزلاً للإقامة الجبرية لحين إتمام الصفقة.

بدورها تحاول الولايات المتحدة فرض بعض الإجراءات الاحترازية على رفع تجميد الأموال الإيرانية من بنوك كوريا الجنوبية، إذ أشارت التقارير إلى أنّه، كإجراء مبدئي، ستُرسَل الأموال من كوريا الجنوبية إلى سويسرا، وبعد ذلك يجري تحويلها إلى بنوك في دولة قطر، وهو الإجراء الذي قد يستغرق نحو الشهرين. كما فرضت واشنطن شروطاً على طبيعة استخدام إيران لهذه الأموال التي قصرتها على الجوانب الإنسانية والمدنية مثل الغذاء والدواء وما إلى ذلك.

يأتي ذلك في ظل تأكيد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن أنّ الإفراج المشروط عن الأموال الإيرانية المجمّدة لا يعني تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي، مضيفاً بالقول: "سنواصل فرض كامل عقوباتنا، وسنواصل التصدّي بحزم لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة وخارجها (...)، لا شيء من هذه الجهود يبطل ذلك (في إشارة إلى صفقة إطلاق السجناء)".

ولفهم توقيت الصفقة ينبغي البحث في سياقها الداخلي والإقليمي، فعلى مستوى الولايات المتحدة تحاول إدارة الرئيس بايدن تحقيق نجاح -ولو محدود- في أحد ملفات السياسة الخارجية الساخنة قُبيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها العام المقبل.

وفي ظل تراجع دور إدارة واشنطن، لا سيّما في جبهة الحرب في أوكرانيا، والصورة التي ظهرت بها في عديدٍ من الملفات الخارجية، والانطباع العام عن ضعفها، يحاول بايدن تحقق أي إنجاز ولو كان بسيطاً يحمله في جعبته عند مخاطبته للناخب الأمريكي في أثناء حملاته الانتخابية المقبلة التي أصبحت على الأبواب.

وتحاول إدارة بايدن استمالة إيران ومغازلتها ولو بطريقة محدودة لإبعادها عن روسيا وتخفيف الدعم لها عبر المسيّرات الانتحارية وقِطَع الغيار لمعدّاتها العسكرية، فضلاً عن حاجة الولايات المتحدة إلى تخفيف التوتر في منطقة الخليج العربي، وضمان أمن الممرات المائية التي تعبر منها غالبية واردات العالم من النفط، في محاولة لتجنب التصعيد من جانب، والحفاظ على أسعار النفط من جانب آخر، لا سيّما في ظل الانعكاسات السلبية التي تجلبها الحرب الروسية-الأوكرانية على قطاع الطاقة.

أمّا على الجانب الإيراني فيبدو الأمر أكثر وضوحاً، فبعد سنوات طويلة من العقوبات الدولية والأمريكية المشدّدة بسبب برنامجها النووي والصاروخي، وصل الاقتصاد الإيراني إلى حالة من الاختناق الشديد، وعلى إثر ذلك نشب في الأعوام القليلة الماضية عديد من الاحتجاجات الواسعة نتيجة تدهور الأحوال المعيشية في البلاد.

وفي ظل هذا الوضع المتأزم يمكن أن يؤدّي تحرير جزء من أموال إيران المجمّدة إلى تحسين وضع البلاد اقتصادياً، وهو ما يسهم في تخفيف حدّة الاحتقان الشعبي، خصوصاً أنّ البلاد تتحضر لمرحلة ما بعد خامنئي.

على صعيد متصل، قد ترغب طهران في استخدام صفقة تحرير السجناء لجسِّ نبض واشنطن في حال أراد الطرفان الانتقال إلى مرحلة أخرى في المفاوضات المتعلقة بملفها النووي ورفع العقوبات المفروضة عليها. وبعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي حاول الطرفان إحياء الاتفاق من جديد عبر سلسلة مفاوضات في فيينا، غير أنّ المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، وذلك نظراً إلى تضارب وجهات النظر بين الجانبين بشكل كبير.

أرادت طهران العودة إلى الاتفاق السابق الذي جرى توقيعه مع مجموعة 5+1 إبان فترة إدارة الرئيس أوباما عام 2015، بيد أنّ إدارة الرئيس بايدن حالياً تريد إضافة بعض الشروط الجديدة، لا سيّما المتعلقة بملف إيران للصواريخ الباليستية ودورها في المنطقة، الذي ترى فيه واشنطن عاملاً "مزعزعاً للاستقرار"، فضلاً عن دعمها للجماعات التي تعتبرها واشنطن إرهابية.

وأرى أنه لا ينبغي تعليق كثيرٍ من الآمال على هذه الصفقة الجديدة في بناء الثقة بين الطرفين (واشطن وطهران)، لأنّ حجم الفجوة بينهما شاسع، وقد فشلت اتفاقيات أكبر منها بكثير سابقاً بتقريب الطرفين بعضهما من بعض وتجاوز خلافاتهما التاريخية، فضلاً عن وجود تاريخ من تبادل الرهائن بين البلدين، أبرزها ما يُعرَف بـ"إيران-كونترا" في ثمانينيات القرن الماضي، لذا فإنّ مثل هذه الصفقات لها سياقات محدّدة بين الجانبين لا تتعداها، وتأتي في سبيل تحقيق أهداف تكتيكية لا استراتيجية.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي