هل تفتح إيران صفحة جديدة في علاقتها مع تركيا؟
انطلاقاً من الحالة السياسية التي كانت عليها إيران في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، حيث كانت تعيش قبل وصول الرئيس إبراهيم رئيسي إلى السلطة في صراع بين اتجاهين جوهريين في سياساتها الخارجية.
العلاقات التركية-الإيرانية (Others)

كانت حكومة روحاني ترغب في إنهاء أزماتها السياسية مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، كأولوية لها قبل الملفات الأخرى، في الوقت نفسه فقد كانت هناك أطراف في الحكم ترى أن تسوية الصراع مع الأطراف الإقليمية سيكون باباً للتقارب مع الغرب.

ومع التسليم بأن السياسة الخارجية لطهران، تُرسَم بعيداً عن كرسي الرئاسة إلا أن وصول رئيسي إلى السلطة، دفع البعض إلى التنبؤ بسياسة مختلفة خارجياً، فقد كان رئيسي يؤمن بالتفاهم مع دول الإقليم قبل أن يذهب إلى الغرب، متسلحاً بعلاقات قوية في المنطقة، وبالأخص مع تركيا والتى تتلامس مع إيران في ملفات كثيرة، بالإضافة إلى محاولة فتح سبل للتفاهم مع دولة مثل السعودية، وهو ما شهدته العلاقات الأيام الماضية من انفراجة، وإن كانت بطيئة، تمثلت في معاودة فتح باب التجارة بين البلدين.

ورغم أن المناخ، كما يهيأ للمتابعين، كان مؤاتياً لانطلاق رئيسي في ملفاته الإقليمية باحثاً عن انتصار دبلوماسي او سياسي يتكئ عليه حين يجلس على مائدة التفاوض مع دول الاتفاق النووي بالإضافة إلى واشنطن، فإن تطور المواقف في الإقليم كانت كاليد التي تجذب رئيسي إلى الوراء لتغرقه في أنماط جديدة من الصراع في المنطقة .

ملفات مشتركة بين البلدين

تصاعد الأزمة في ملف الصراع الأرميني الأذربيجاني، ودخول تركيا كداعم لأذريبجان دفعت طهران إلى البحث عن ملفات ذات قواسم مشتركة بين البلدين. مما يخفف معها حدة التوتر التي شهدتها الدولتان الأيام الماضية بسبب المناورات التركية مع أذربيجان والتي كانت بالقرب من حدود إيران.

إيران ذهبت الى أنقرة يوم الجمعة 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021 لإجراء مباحثات شارك فيها كل من نائبي وزيري الخارجية التركي سادات أونال، والإيراني علي باقري كني، وقد تناولت جملة من الملفات التي يتشارك البلدان الرغبة فيها للبحث عن حلول: سوريا والهجرة الوافدة من أفغانستان ومنطقة القوقاز، وكذلك ملف الحدود بين البلدين.

لم يقتصر الموقف على هذا اللقاء فقط، ولكن كان من مخرجاته بعد ذلك، توقيع البلدين في يوم الأربعاء 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021 مذكرة تفاهم للتعاون الأمني بينهما، بحضور كل من وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، ونظيره الإيراني أحمد وحيدي في طهران.

هذا الاتفاق الأمني الجديد بطبيعة الحال سيطال الموقف من تنظيم PKK الإرهابي وكذلك الهجرة غير الشرعية، بخاصة بعد وصول طالبان للحكم في أفغانستان وانسحاب القوات الأمريكية.

بالنظر إلى الاتفاق الأمني المبرم بين البلدين في العاصمة الإيرانية طهران تجدر الإشارة إلى أن توقيع الاتفاق الأمني بين تركيا وإيران، يأتي في الوقت الذي أعلنت فيه أنقرة القبض على شبكة تجسس إيرانية كانت تنوي اختطاف معارض إيراني لتهريبه إلى داخل الأراضي الإيرانية.

هذه العملية التي شارك فيها ثمانية أشخاص، منهم عميلان إيرانيان، على الأراضي التركية، تكشف وبوضوح في طيات الرسائل التي أرادت أنقرة إرسالها إلى الجانب الإيراني، أن النشاط التجسسي الذي تمارسه الجارة طهران مرصود بشكل دقيق من جانب الدولة التركية، وأن لا مجال للتهاون في مثل هذه المسائل التي تهدد الأمن القومي التركي.

جاءت عملية الكشف عن عملية التجسس في الوقت الذي تزداد فيه حدة التصعيد السياسي بين البلدين في خلاف واضح حول أزمة أرمينيا وأذربيجان، ما يوضح بجلاء أن أنقرة لن تتراجع عن دعم أذربيجان على حساب أرمينيا وطهران مهما كانت العقبات في هذا المسار.

إلا أنه يجب الإشارة إلى أن صلب الخلاف بين تركيا وإيران، لم يمنع التفاهم الأمني بين البلدين في ملفات مهمة مثل الحدود ولاجئي أفغانستان وتنظيم PKK الإرهابي، وهي مسألة ليست وليدة اليوم، فالدولة التركية ومنذ 2017 أطلقت مشروعاً كبيراً يتضمن بناء جدار عازل على الحدود الشرقية لها مع إيران بطول 60 كيلومتراً من أجل منع تسلل المهاجرين الأفغان القادمين من إيران والراغبين في الوصول إلى أوروبا عن طريق تركيا.

وقد نجحت أنقرة بالفعل في بناء 40 كيلومتراً من الجدار الموجود في منطقة "فان" الحدودية مع إيران، ولكن ما يمكن أن يطلق عليه المشكلة الجوهرية في هذا المشروع، هو أن الحدود الإيرانية التركية لا تقل عن 500 كم، معظمها مناطق تضاريس طبيعية يستحيل معها بناء أي جدر عازلة ومن ثم يتسلل منها اللاجئون الأفغان إلى الداخل التركي، ومن هنا جاء الاتفاق الأمني بين البلدين للتصدي لمثل هذه الثغرات.

التصدي لتنظيم PKK الإرهابي

نجد أن القضية الأخرى ذات الأهمية بين البلدين، والتي تضمنها الاتفاق الأمني هي التصدي لتنظيم PKK الإرهابي، وقد سعت أنقرة إلى التصدي له منذ سنوات، وقد ذهبت أيضاً منذ نحو عامين إلى بناء جدار أمني بطول 80 كيلومتراً بمحاذاة ولاية "أغري" مع إيران، وذلك من أجل مواجهة التنظيم الإرهابي الذي يزعج البلدين، بخاصة أنه يتمركز بشكل أساسي داخل الأراضي الإيرانية بمحاذاة الحدود التركية، وينطلق لتنفيذ عملياته العسكرية داخل تركيا بمقاتليه الذين لا يقل عددهم عن 1200 مسلح، ثم يتسلل عائداً إلى مقراته مرة أخرى داخل إيران.

لا إشكال هنا في التفاهم الأمني في بعض الملفات التي يتلاقى فيها الطرفان ويسعيان إلى حسمها من أجل أمنهما القومي، ومنها مواجهة تنظيم PKK الإرهابي. لكن رغم التفاهم الإيراني التركي بخصوص وقف زحف اللاجئين الأفغان إلى الداخل التركي، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن استمرار تدفق اللاجئين الأفغان إلى إيران سيكون ورقة تستخدمها طهران لابتزاز الدولة التركية في ملفات أخرى.

إذ إن طهران ربما تلجأ إلى استخدام ورقة اللاجئين الأفغان للضغط على الجانب التركي من أجل تقليل حدة التوتر، على سبيل المثال في ملف أرمينيا وأذربيجان ومحاولة إيجاد صيغة مقبولة لها بقليل من الخسائر بعد دخول تركيا وبقوة على حلبة الصراع الأرميني الأذربيجاني.

انطلاقاً من هذه النقطة فيجب الإشارة إلى أن الإشكال الذي تواجهه إيران في ملف أذربيجان والذي طُرح للنقاش كذلك في لقاءات وفدي البلدين في الأيام القليلة الماضية، هو أن إيران لا تحبذ الاعتماد على طرق وممرات أرمينيا من أجل الوصول بنفطها وبضائعها إلى أوروبا، ومع تطورات الحرب مع أذربيجان والدعم التركي لها، فقد وجدت إيران أن طريق "غوريس ـ كابان" الموجود فوق الأراضي الأذربيجانية، يمثل تحدياً حقيقياً لها.

فضلاً عن ذلك، تظل طهران مرتبكة بخاصة وأن هناك شقاً اقتصادي سلبي على ايران حال استمرار التقارب التركي مع أذربيجان، حيث ستدفع ايران ثمنا اقتصادياً باهظاً وستقع فريسة لضرائب أذربيجان على الشاحنات الإيرانية وسيكلفها ذلك كثيراً إذا ما أرادت الذهاب إلى أرمينيا لخلق مسار جديد لها نحو أوروبا.

بخاصة وأن أنقرة سوف تحاول إيجاد منفذ بري جديد لها يكون صلة الوصل بينها وبين أذربيجان عبر إقليم نخجوان، الموالي لتركيا ما سيتيح معه وجوداً قوياً لأنقرة في بحر قزوين يدعم موقفها في مبادرة طريق الحرير الصينية.

لذلك فإن ملف أذربيجان سيزيد من هوة العلاقات بين إيران وتركيا في الأيام المقبلة في ظل تخوف إيران من تمدد نفوذ تركيا هناك، كذلك، وفي حال نجاح تركيا في الدخول الى أفغانستان من باب الاستثمارات الضخمة او حتى الباب الأمني، سيؤجج ذلك من حدة الصراع مرة أخرى بينهما.

لكن الأمر لن يمنع التفاهم بين البلدين في ملفات ذات أهمية جيوسياسية بين البلدين ولن يعطل المضي فيها، إذ إن أنقرة لديها استراتيجية الفصل بين الملفات المتشابكة، وأنها قادرة على إدارة ملفاتها المختلفة كلاً على حدة، وهي سياسة توفر القدرة على إنجاز تقدم في ملفات رغم تعثر ملفات أخرى.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي