هل تنجح ترويكا الدوحة في وقف انهيار الدولة السورية الوشيك؟
في عام 2017 وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تدخل بلاده في سوريا عام 2015 بأنه جاء قبل ثلاثة أسابيع من سقوط النظام.
Qatar Turkey Russia (AP)

وحمل توصيف لافروف هذا الكثيرَ من الدقة، فقد كان النظام آنذاك يُسيطر على أقل من ثُلث الأرض السورية، وكان ما تبقى من مناطق سيطرته آيلاً للسقوط في أي لحظة، رغم كل المقاتلين المؤدلجين الذين زجّت بهم إيران في المعركة.

وبعد أكثر من خمس سنوات من التدخل، وإعلان روسيا مراراً ما تُسميه "انتصار سوريا في المعركة"، جاء توصيف لافروف مختلفاً في أثناء لقاء الدوحة الثلاثي في 11 مارس/آذار، حين تحدّث عن "انهيار الدولة السورية الوشيك"، وهو توصيفٌ ملفتٌ ويدعو للكثير من التوقف.

فانهيار "الدولة" الوشيك يحدث هذه المرة في ظل الوجود الروسي، بما يُمثّل اعترافاً بعجز موسكو عن إنقاذ دمشق كما فعلت في 2015.

لكن مكان الاعتراف وسياقاته تحمل هي الأخرى دلالات ملفتة، حيث جاء في لقاء مع وزير خارجية قطر وتركيا، آخر الفاعلين المعارضين بشكل واضح للنظام السوري، ضمن مسعى من لافروف للحصول على تعهّد من هؤلاء الفاعلين، دون غيرهم، لمنع انهيار الدولة، وهو ما يبدو أنه حصل عليه "وفق خطة عملية تنفيذية واضحة تفضي إلى تنفيذ كامل متدرج للقرار 2254".

وبغض النظر عمَّا إذا كان هذا التعهد سيأخذ مجراه الفعلي إلى التنفيذ، وما إذا كانت روسيا ستلتزم بتنفيذ الخطة العملية للقرار المذكور وفقاً لتفسير الأطراف الثلاثة، وليس وفقاً للتفسير الروسي وحده بطبيعة الحال، إلا أن مجرد الموافقة على هذا التوصيف الذي تلاه لافروف بنفسه يُظهر حجم المأزق الروسي، وتحول سوريا إلى مستنقع لا يمكن الخروج منه إلا بخطة عمل مشتركة مع الأطراف الرافضة للنظام.

الاجتماع الثلاثي بين وزراء الخارجية لقطر وتركيا وروسيا لبحث الأزمة السورية  (Reuters)

وما كان ملفتاً في لقاء الدوحة أيضاً هو تحويله إلى مسارٍ مستمرٍ تم تحديد محطاته القادمة مسبقاً، رغم أن الوزراء المجتمعين حرصوا على عدم وصفه بالمسار، دون أن يتحفّظوا في الوقت ذاته على التسمية. كما تم تعيين مبعوثين عن الدول الثلاث للاستمرار في تحقيق الأهداف المشتركة المتفق عليها في اللقاء.

إن إطلاق هذا "المسار" السياسي ذي الصبغة الإنسانية يُشير إلى أن موسكو تشعر بالحاجة إلى البحث عن مخرج للمأزق الذي تعيشه في سوريا، فاستخدامها المفرط للقوة سمح لها بوقف تقدم المعارضة وحصرها في شمال البلاد، إلا أن هذه القوة وقفت عاجزة أمام الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها النظام، والتي أثّرت حتى على مزاج وتوجهات الحاضنة الأكثر دعماً للنظام، كما أن هذه القوة لم تتمكن من فرض الأمر الواقع على المجتمع الدولي، ولم تتمكن من نقل سوريا إلى حالة الاستقرار التي يمكن أن تعود بالنفع الاقتصادي والسياسي على روسيا.

كما أن روسيا تواجه تغيراً في المعطيات الدولية والإقليمية، بما يدفعها هي الأخرى لتغيير توجهاتها وسياساتها السابقة.

فوصول إدارة أمريكية جديدة، لا تنظر بالكثير من الود إلى موسكو، فرض تغييراً روسياً في الأداء السياسي الخارجي، مثلما فرض مثل هذا التغيير على بقية الفاعلين في المنطقة، وهو ما قد يُحدث إزاحة تُهيئ لانطلاق مسار الحل السياسي ولو بشكل جزئي.

وتبدو جولة وزير الخارجية الروسي الأخيرة في المنطقة، ومحاولته التوصل إلى توافقات مع حلفاء الولايات المتحدة فيها خطوة روسية أولية لبناء التوافق القادم مع البيت الأبيض الجديد، حيث تأمل موسكو في أن تتمكن من صياغة مشاريع للحل تقبل بها المنطقة أولاً، قبل أن تقوم باعتمادها أمريكياً.

ورغم الغياب الإيراني الواضح عن اللقاء الثلاثي الذي بدا مخصصاً للشأن السوري، فإنّ ذلك قد يبدو مبرراً روسياً وإيرانياً، حيث تمتلك طهران مسارها التفاوضي الخاص مع الولايات المتحدة، والذي يشمل المشروع النووي أولاً، وقد يشمل الساحات اليمنية والعراقية، لا الساحة السورية المصنفة أمريكياً باعتبارها ملفاً روسياً لا إيرانياً.

كما أن روسيا تولّت حتى منذ ما قبل دخولها المباشر إلى سوريا عام 2015 إدارة الملفات التفاوضية المتعلقة بالملف السوري بعيداً عن إيران، بتوافق معها أحياناً، ودون توافق في أحيان أخرى، فإيران تُدرك أن تقدمها إلى الواجهة في الملف السياسي السوري لن يُساهم إلا في تعقيد الملف، كما أنها تُدرك أن روسيا تمتلك فائضاً من النفوذ السياسي الذي يمكّنها من التفاوض مع الفرقاء بصورة فاعلة.

إلا أن هذا التفويض الإيراني لا يعني موافقة إيرانية على مخرجات التوافقات الروسية مع الفاعلين، خاصة أن العديد من هذه التوافقات تتعارض كلياً أو جزئياً مع المصالح الإيرانية، مثل التوافقات الروسية الإسرائيلية، والروسية الأمريكية، والروسية التركية.

لكن إيران تملك في الواقع خيارات محدودة في عرقلة هذه التوافقات من جهة، وهي تعتبر هذه التعارضات خسائر تكتيكية مقبولة، ما دامت لا تؤثر على مشروعها الاستراتيجي في سوريا.

وستحمل الشهور القليلة القادمة عدداً من المؤشرات التي ستفحص جدية النيات الروسية في التعامل مع المسار الثلاثي الجديد، حيث ستكون الانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا أولى هذه المحطات.

قمة ثلاثية في أنقرة  بحضور أردوغان وبوتين وروحاني لبحث الملف السوري (AP)

فتنفيذ الانتخابات في موعدها وبطريقتها المسرحية المعتادة، وهو السيناريو الإيراني المفضل، سيحمل مؤشراً على غياب الرغبة الروسية في إجراء تغيير فعلي في نهجها، وعدم جديتها في تطبيق القرار 2254 الذي تتغنّى به في كل محفل.

كما أنتصويت مجلس الأمن في شهر يوليو/تموز على آلية دخول المساعدات الأممية للشمال السوري عبر معابر لا يسيطر عليها النظام سيمثل هو الآخر محطة لاختبار النيات الروسية، فاستخدام حق النقض لوقفه سيعني أن المسار الثلاثي لم ينجح في تحقيق مبتغاه.

وبالمقابل فإنّ وصول مساعدات إنسانية إلى مناطق سيطرة النظام عبر أطراف اللقاء الثلاثي سيعني نجاحاً للمسار، وكسراً للمعادلات التي كانت قائمة خلال السنوات العشر الماضية.

بكل الأحوال فإنّ لقاء الدوحة أعاد الزخم إلى الملف السوري الذي بدا لسنوات منسياً إلا من الأطراف الثلاثة الضامنة له، حيث لم يشهد هذا الملف لقاءات دولية متعددة الأطراف، خارج مسار أستانا، منذ اللقاء الرباعي الذي جمع زعماء تركيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا نهاية عام 2018.

ولذا فإنّ لقاء الدوحة الذي تم تخصيصه للملف السوري يُعيد الزخم من جديد إلى الملف، ويساهم في تحريك مياهه الراكدة، ويحاول الاستفادة من الزخم الذي أحدثه وصول إدارة أمريكية جديدة.

كما أن اللقاء ساهم في رسم صورة واقعية للمشهد السوري، بما يساعد على قراءة المستقبل بشكل أفضل، حيث تبدو في وسط الصورة دولة على وشك الانهيار، وحليف يبحث عن أي حل يمنع هذا الانهيار الذي يحدث بين يديه وهو عاجز عن وقفه.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي