لم تكن تغطية محادثات السلام اليمنية في مدينة رينبو السويدية، التي بدأت الأسبوع الماضي، أمراً سهلاً، فالمناقشات تجري في جلسات مغلقة، وتعمل الصحافة في ظلِّ قيود كثيرة، وتتغيَّر التحديثات حول المحادثات باستمرار، وقد جعل الطقس المُتجمِّد والأيام المُظلِمة مهمة اكتشاف الحقيقة مهمةً صعبة. ولم تجرِ مشاركة جدول الأعمال الكامل، لكنَّ القضايا الإنسانية كانت محور التركيز الرئيسي حتى الآن.
احتمالات السلام في اليمن واعدة لكن إذا استمر الضغط من المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة.
ومع أنَّ صفقة التبادل الكبيرة للسجناء شكَّلَت انفراجةً في المفاوضات، لكن بدون وقف لإطلاق النار، ومع وجود انقسامات عميقة بين الطرفين حول إطار العمل السياسي الذي يمكن للجميع الاتفاق عليه، ما تزال ثمّة عقباتٌ هائلة تواجه إحلال السلام في اليمن.
ومع أنَّ مقترحات الإطار السياسي لم تُناقَش بعد، فإنَّ الأطراف المتحاربة أظهرت هوةً واسعة من الاختلافات حول قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 لعام 2015، الذي دعا لنزع سلاح الحوثيين واستعادة الشرعية الرئاسية لعبد ربه منصور هادي.
ومع ذلك، فإنَّ احتمالات السلام واعدة، لكن بشروط: إذا استمر الضغط من المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، وإذا أبدت الأطراف المتحاربة اهتماماً عميقاً في التوصُّل إلى حلٍّ سياسي.
خارجياً، تأتي محادثات السلام هذه بعد إدانة عالمية لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وإعادة التقييم العالمي للحرب السعودية المدمرة في اليمن، ودعوات جادة من مسؤولين أميركيين بارزين لإنهاء الحرب.
وبعيداً عن جلب الأطراف المتحاربة للالتقاء وجهاً لوجه للمرة الأولى منذ عامين -وهو إنجازٌ في حدِّ ذاته- فإنَّ المبعوث الأممي الخاص لليمن، مارتن غريفيث، قد نجح في التعامل مع أوجه القصور في تجهيز المحادثات السابقة وإدارتها.
أنشأ غريفيث مجموعتين استشاريتين مستقلتين (للشؤون السياسية والمدنية) تتكوَّنان من أبرز السياسيات والسياسيين اليمنيين الذين ساهموا، وسوف تستمر مساهمتهم، في إجراء المحادثات.
تغير النفوذ
بعد أربع سنوات، غيَّرت الحرب في اليمن، بشكلٍ جذري، من القوتين السياسية والعسكرية للأطراف المتحاربة. إذ عزَّزَ قتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح من القوة السياسية والعسكرية للحوثيين، لكن من الممكن لمعركة الحديدة أن تعدل من توازن القوى وتمثِّل ميزةً عسكرية لأحد الأطراف، لما تنته المعركة بعد، ولا تزال جميع الاحتمالات قائمة.
ومع ذلك، فيبدو أنَّ الرغبة في الوصول إلى اتفاق أقوى مما كان عليه الحال في المحادثات السابقة، إذ أدركت الحكومة اليمنية زيادة الضغط الدولي على داعمها، المملكة العربية السعودية.
ينبغي أن تدرك السعودية والإمارات والولايات المتحدة أنَّ الوسائل العسكرية وحدَها لن تُنهي هذا الصراع في اليمن.
ويبدو أنَّ الحوثيين أيضاً قد أدركوا أنَّ السعودية بحاجة لحفظ بعضٍ من ماء وجهها في أعقاب العزلة الدبلوماسية العالمية لها بعد مقتل خاشقجي. ويمكنهم استخدام ذلك لمصلحتهم لانتزاع تنازلات، ويعتقد بعض المراقبين أنَّ من بين الأسرَى عشرات السجناء السعوديين الذين تُصمِّم السعودية على استعادتهم.
لكنَّ إحدى المشكلات الرئيسية، ما لم تكن المشكلة الأساسية، تتمثَّل في من لديه سلطة اتخاذ القرار الأخير في المحادثات. ربما يخلص البعض إلى أنَّ هذه العملية مضيعةٌ للوقت بدون محادثات مباشرة بين عبد الملك الحوثي وعبد ربه منصور هادي؛ ذلك أنَّ التقدم بطيء، إذ يتعيَّن على كلِّ وفدٍ إبلاغ قادته، ولا يمكنه المضي قُدُماً إلا بعد فعل ذلك.
وعندما أُثيرت هذه المعضلة أمام أعضاء الوفود، ردوا بفظاظة ورفضوا الإفصاح قائلين: "من المحال عقد محادثات سلام مباشرة بين الرئيس عبد ربه منصور هادي وعبد الملك الحوثي، والأمور أعقد مما تبدو عليه".
إرادة سياسية جمعية
من أجل أن تنجح هذه المحادثات، فثمّة عنصر آخر بحاجة إلى أن يسير بالتوازي مع المفاوضات. فاللاعبون الخارجيون (السعودية والإمارات وإيران والولايات المتحدة والمملكة المتحدة) بحاجةٍ إلى تقديم الدبلوماسية وتشجيع هادي على عقد حملة مصالحة وطنية يمكن بموجبها للأطراف اليمنية المتحاربة وضع خارطة طريق سياسية جديدة.
ينبغي أن تدرك السعودية والإمارات والولايات المتحدة الآن، بعد أربع سنوات من القتال، أنَّ الوسائل العسكرية وحدَها لن تُنهي هذا الصراع، وينبغي أن تتفق السعودية والإمارات، على وجه الخصوص، في الطريقة التي يرون فيها يمن ما بعد الحرب.
دعمِ الإمارات لحركة انفصالية في الجنوب وتنفيذِها عمليات قتل غير قانونية لزعماء سياسيين يمنيين، يقوِّض السلم والاستقرار في اليمن.
إنّ حقيقة دعمِ الإمارات لحركة انفصالية في الجنوب وتنفيذِها عمليات قتل غير قانونية لزعماء سياسيين يمنيين، يقوِّض السلم والاستقرار في اليمن.
حتى الآن، فإنَّ هذه المحادثات ليست مُعرَّضةً لخطر الانهيار، ومن الأهمية بمكان أن تنتهي باتفاق حول فتح مطار صنعاء وتثبيت وقف إطلاق النار للتخفيف من الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
ويُعدّ توقيت محادثات السلام أمراً بالغ الأهمية؛ إذ إنَّ التركيز الدولي على اليمن غير مسبوق، وتأتي هذه المحادثات في لحظة حاسمة سياسياً وعسكرياً، وينبغي الاستفادة منها قبل اختفاء الفرصة وغياب اليمن عن الاهتمام العام مرة أخرى.
محادثات السلام هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها سوف تكون طريقها طويلة وصعبة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.