العالم
8 دقيقة قراءة
انخفاض غير مسبوق.. هل تتدارك اليابان نزيفها السكاني الحادّ؟
تواجه اليابان تحدياً غير مسبوق يهدد أساسها، يتمثل بنزيف حادّ في عدد السكان، فقد أثار انخفاض معدلات المواليد في البلاد وسرعة شيخوخة السكان مخاوف بشأن الاستدامة طويلة الأجل لاقتصادها وأنظمتها الاجتماعية ومكانتها العالمية.
انخفاض غير مسبوق.. هل تتدارك اليابان نزيفها السكاني الحادّ؟
انخفاض غير مسبوق.. هل تتدارك اليابان نزيفها السكاني الحادّ؟ / صورة: Reuters
7 أغسطس 2023

تراجع عدد المواليد في اليابان إلى مستوى قياسي جديد العام الماضي، وفقاً للتقديرات الرسمية، إذ انخفض إلى أقل من 800 ألف للمرة الأولى، وهي لحظة فاصلة جاءت قبل ثماني سنوات مما توقعته الحكومة. أدى ذلك على الأرجح إلى مزيد من الانخفاض في عدد السكان في بلد يبلغ فيه متوسط العمر 49 عاماً، وهو أعلى معدل في العالم بعد مدينة موناكو الصغيرة فقط.

وتحاول اليابان في السنوات الأخيرة جاهدة تشجيع شعبها على إنجاب مزيد من الأطفال، وذلك بإعطائهم الوعود بمكافآت نقدية ومزايا أفضل، لكنها لا تزال من أغلى الأماكن في العالم لتربية الأطفال، وفقاً للاستطلاعات.

وبينما تكافح اليابان هذه الأزمة الديمغرافية يراقب العالم ليرى ما إذا كان بإمكانها تنفيذ استراتيجيات فعالة لتصحيح النزيف السكاني الحادّ.

نزيف سكاني حادّ

توجد في اليابان أدنى معدلات المواليد في العالم، فضلاً عن كونها من أعلى معدلات العمر المتوقع، ففي عام 2020 كان ما يقرب من واحد من كل 1500 شخص في اليابان يبلغ من العمر 100 عام أو أكثر، وفقاً لبيانات حكومية، الأمر الذي يعني تضخم عدد المسنّين وتقلص القوى العاملة وعدم وجود عدد كافٍ من الشباب لسدّ الفجوات، مما يشكل أزمة ديمغرافية في طور التكوين لعقود، وفق شبكة CNN الأمريكية.

وفي عام 2022 سجلت كل محافظة من محافظات اليابان البالغ عددها 47 انخفاضاً في عدد السكان، فيما انخفض إجمالي عدد اليابانيين بنحو 800 ألف، في وقت تكثف فيه الحكومة اليابانية التدابير في مسعى لزيادة معدل المواليد المنخفض للغاية.

ولم تتمكن الزيادة الكبيرة في عدد المقيمين الأجانب بأكثر من 10%، لتصل إلى 2.99 مليون، من وقف الانزلاق في إجمالي عدد السكان، الذي انخفض لمدة 14 عاماً على التوالي.

وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة الشؤون الداخلية اليابانية إلى أن عدد السكان الذين يحملون الجنسية اليابانية بلغ 122,42 مليون في الأول من يناير/كانون الثاني 2023، أي أقل بنحو 800500 شخص عن عام 2021. وأشارت الوزارة إلى أن التراجع الذي بلغ 0.65% هو الأعلى منذ عام 1968، عند توفير الإحصاءات القابلة للمقارنة.

وتشير البيانات الجديدة التي تتوقع أن يصل عدد سكان اليابان المتراجع بسرعة إلى 87 مليون نسمة في عام 2070 إلى الضغط على صانعي السياسة لمواجهة أزمة ديمغرافية في ثاني أكبر اقتصاد في آسيا.

"الآن أو أبداً"

منذ تسعينيات القرن الماضي أدركت الحكومات اليابانية المتعاقبة أن عدد السكان سيبدأ في الانخفاض وحاولت تقديم حلول. ومع ذلك فاجأت سرعة الانكماش حتى الخبراء. في عام 2017 على سبيل المثال توقع المعهد الوطني لأبحاث السكان والضمان الاجتماعي ومقره طوكيو أن العدد السنوي للمواليد لن يقل عن عتبة 800000 حتى عام 2030.

ومع تزايد خطورة انخفاض عدد السكان في اليابان أعلنت حكومة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا عن سلسلة من الجهود لتشجيع مزيد من الناس على إنجاب الأطفال. وفي بداية العام الجاري تعهّد كيشيدا باتخاذ خطوات عاجلة للتصدي لانخفاض معدل المواليد في البلاد، قائلاً إنه "الآن أو أبداً"، وفقاً لما نقلته رويترز.

في يناير/كانون الثاني حذّر كيشيدا من أن الأمة "على شفا أزمة" وأن البلاد "على وشك عدم القدرة على الحفاظ على الوظائف الاجتماعية" بسبب انخفاض معدل المواليد. وقال إن حكومته سوف تنفق نحو 20 تريليون ين (نحو 140 مليار دولار) على تدابير لدعم الأزواج الشباب الذين يرغبون في إنجاب مزيد من الأطفال. يتوافق هذا مع نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان، وهو ما يقرب من ضعف المبلغ الذي خصصته الحكومة لنفس الهدف في السنة المالية 2021.

وافقت الحكومة على زيادة مخصصات الأطفال وبذل جهود إضافية للقضاء على فقر الأطفال وإساءة معاملتهم. سيجري أيضاً تشجيع الآباء الجدد على أخذ إجازة أبوة، فضلاً عن منحهم إعفاءات ضريبية أكبر وتخصيص تمويل إضافي لمرافق الحضانة حتى يتمكن الآباء العاملون من العودة إلى العمل.

عقبات اقتصادية واجتماعية

أنماط الحياة الحضرية المزدحمة وساعات العمل الطويلة لا تترك سوى القليل من الوقت لبعض اليابانيين لتكوين أُسَر، كما أن ارتفاع تكاليف المعيشة التي تعني إنجاب طفل أمر مكلف للغاية بالنسبة إلى عديد من الشباب. في عام 2022 صُنفت اليابان من أغلى الأماكن في العالم لتربية الأطفال، وفقاً لبحث أعدته مؤسسة جيفريز المالية ونقلته CNN.

وخلال حديثه لـ دويتشه فيله الألمانية، وافق ماساتاكا ناكاجاوا، الباحث الأول في المعهد الوطني لأبحاث السكان والضمان الاجتماعي، على أن أحدث الإحصاءات السكانية كان مقلقاً، لكنه حذر من وجود عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار، مثل انخفاض عدد الزيجات. وقال إن الناس في اليابان عادة ما يتزوجون في وقت لاحق من حياتهم ويختارون إنجاب عدد أقل من الأطفال، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الضغوط المالية.

وقالت تشيساتو كيتاناكا، الأستاذة المشاركة في علم الاجتماع بجامعة هيروشيما، إنّ الحكومات فشلت في وضع سياسات فعالة لحل مشكلة السكان على الرغم من إدراكها أن التراجع أمر لا مفرّ منه.

وأضافت كيتاناكا: "لطالما كان أمام الشباب الذين يريدون إنجاب الأطفال كثير من العقبات للتغلب عليها"، مشيرةً إلى أن هذه تشمل المخاوف المالية والتعليمية، بالإضافة إلى أن المشكلة الأكبر تتمثل في المواقف الاجتماعية.

وقالت: "في اليابان، إنجاب طفل يعني أنه يجب على الزوجين الزواج. 2% فقط من الأطفال يولدون خارج إطار الزواج في اليابان". وأردفت كيتاناكا: "هذا ما لا يُعَدّ مقبولاً اجتماعياً هنا، وهو ما يجعل تربية أم عزباء لطفل أمراً صعباً لأنه يتعين عليها العمل وكسب المال، وفي الوقت نفسه يحددها المجتمع".

وبينما يقترح الخبراء أنه من الجيد التفكير بجدية في الهجرة على نطاق واسع لحل مشكلة السكان في اليابان وتوفير إمدادات مستقرة من العمال، فإنهم يرون في هذه الخطوة "أمراً صعب" التحقيق حالياً، لا سيما أن كثيراً من اليابانيين غير مستعدّين بعد لقبول الأجانب.

آفاق قاتمة

على الرغم من جهود حكومة كيشيدا التي تهدف إلى كسب دعم المجتمع للأطفال والآباء عبر خلق دائرة اجتماعية صديقة لتربية الأطفال في جميع أنحاء البلاد، فإنّ النقاد غير مقتنعين تماماً بالمقترحات الأخيرة. ويحذّرون من أن الحكومة السابقة حاولت أيضاً استخدام الإنفاق لتشجيع طفرة المواليد، لكن المجتمع الياباني فشل في الاستجابة.

ويشيخ السكان بسرعة، ويبلغ عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً بالفعل ما يقرب من 30% في اليابان. وتؤثر شيخوخة السكان في اليابان بالفعل في كل جانب من جوانب المجتمع تقريباً. وجرى تصنيف أكثر من نصف جميع البلديات مناطقَ خاليةً من السكان، وأكثر من 1.2 مليون شركة صغيرة لديها مالكون يبلغون من العمر 70 عاماً تقريباً وليس لديهم ورثة، حسب ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية.

ولهذا السبب بدأت البرامج على قنوات البث عبر الأقمار الصناعية توجه رسالتها إلى الجمهور الأكبر سناً، مع الإعلانات التجارية، مثل الإعلان عن عروض لخدمات الجنازات، والمكملات الغذائية لتخفيف آلام المفاصل ومنصات السلس.

كما أن العالم السفلي لليابان أيضاً لم يفلت من الأذى الديمغرافي هذا، فغالبية الياكوزا -العصابات اليابانية- تزيد أعمارهم على 50 عاماً، وهناك الآن عدد أكبر من رجال العصابات في السبعينيات من العمر أكثر من العشرينيات.

اكتشف
مقتل 15 شخصاً في حادث اصطدام مروع شمالي الهند
استشهاد فلسطينيين برصاص الاحتلال والمستوطنين في نابلس والخليل
"العدد قابل للزيادة".. ارتفاع حصيلة قتلى إعصار ميليسا إلى 28
زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب شمال أفغانستان وخشية من هزات ارتدادية
مقتل 4 في غارة على جنوب لبنان والاحتلال يعلن نيته تكثيف هجماته ضد حزب الله
"الدعم السريع" تقتل 300 امرأة في الفاشر.. وتزايد الانتهاكات بدارفور
حريق ضخم يعقبه انفجار في متجر بالمكسيك يودي بحياة 23 شخصاً
وزير الحرب الأمريكي: اتفقنا مع الصين على إقامة قنوات اتصال عسكرية مباشرة
ترمب يهدّد بتدخل عسكري أمريكي في نيجيريا ويطلب تأهب وزارة الحرب
مصر.. 79 وفداً دولياً يشاركون في افتتاح المتحف المصري الكبير
واشنطن تُحيي "مبدأ مونرو".. ترمب يطرق أبواب أمريكا اللاتينية بالبارجات والعقوبات
روسيا تصعّد في أوكرانيا.. إسقاط 170 مسيّرة وبوتين يعلن تطويق مدينتين
إعصار "ميليسا" يخلّف عشرات الضحايا والمفقودين في هايتي وجامايكا
انطلاق القمة بين الرئيسين الصيني والأمريكي في بوسان بكوريا الجنوبية
على فوهة الحرب.. هل أصبحت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل مسألة وقت؟
إسرائيل تعتقل فتى فلسطينياً من ذوي الإعاقات وتخضعه للتعذيب منذ أسبوعين