تشهد العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا تطورات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، مع زيادة متواصلة في حجم التبادل التجاري بين البلدين الجارين، حيث تسهم المميّزات الاقتصادية لكلا الجانبين وتبادل الموارد والمنتجات في تعزيز التجارة بينهما.
وتعمل أنقرة وبغداد على تعزيز العلاقات التجارية وإزالة العقبات والتحديات التي تعترضها، وهو ما يسهم في تعزيز الازدهار الاقتصادي لكل منهما.
خامس أكبر مستورد
وأصبح العراق أحد أبرز الشركاء التجاريين لتركيا وهو ما يعد، وفق الكثير من الخبراء، مؤشراً واضحاً على التطوّر الإيجابي الذي تشهده العلاقات الاقتصادية الثنائية.
وكشفت هيئة الإحصاء التركية في 29 يوليو/تموز 2023 عن أنّ العراق جاء في المرتبة الخامسة ضمن أكثر البلدان استيراداً من تركيا خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، بقيمة بلغت 986 مليون دولار.
وأوضحت "الإحصاء التركية" أنّ ألمانيا احتلت المركز الأول باستيرادها بضائع تركية قيمتها 1.87 مليار دولار، ثم الولايات المتحدة بقيمة 1.33 مليار دولار، فالمملكة المتحدة بقيمة 1.065 مليار دولار، وإيطاليا بقيمة 1.012 مليار دولار، وشكّلت الصادرات التركية إلى هذه البلدان الخمسة الأولى 29.6% من إجمالي الصادرات.
كانت هيئة الإحصاء التركية قد أعلنت في وقت سابق أنّ حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا عام 2022 بلغ 15.2 مليار دولار، حيث نمت الصادرات التركية إلى العراق بنسبة 23.6%، ووصلت قيمتها إلى 13.8 مليار دولار، فيما سجلت الصادرات العراقية إلى تركيا 1.4 مليار دولار، بنسبة نمو بلغت 14.7%.
وتصدّر العراق لائحة أكثر دول الشرق الأوسط والخليج استيراداً من تركيا خلال عام 2022 بواقع 10.5 مليار دولار، وفق بيانات مجلس المصدرين في تركيا.
هذا وترتبط التجارة بين العراق وتركيا بالكثير من العوامل، مثل الجغرافيا والتبادل الثقافي والتجاري التاريخي بين البلدين، وتعزز هذه العلاقة التجارية القوية فرص التعاون الاقتصادي وتعمق الروابط بين الشعبين.
طبيعة الصادرات التركية
وتشمل الصادرات التركية إلى العراق مجموعة واسعة من المنتجات والسلع، جعلت من تركيا شريكاً تجارياً مهماً، ولها دور رئيسي في تلبية احتياجات العراق من السلع والبضائع المختلفة.
وحول طبيعة الصادرات التركية إلى العراق، يقول الباحث التركي محمد رقيب أوغلو، إنّ في مقدّمة السلع تأتي "الأحجار الكريمة والبلاستيك والمطاط ومواد البناء والأثاث ومواد الطحن ودقيق القمح ولحوم الدجاج والبيض والمنسوجات والملابس".
ويبيّن رقيب أوغلو، في حديثه مع TRT عربي، أنّ أهم ما يميّز المنتجات التركية أنّها موجودة في السوق العراقية منذ سنوات، وهذا "يعطيها المزيد من ثقة المستهلك، كما أنّ تركيا لها حدود مع العراق، وهذا يمنح التجار فرصة الوصول إلى المنتجات التركية وأصحابها بسهولة".
ويؤكد الباحث التركي إمكانية اتخاذ الكثير من الخطوات لزيادة حجم التجارة بين البلدين، إحداها "توقيع اتفاقية تجارة حرة أو تحسين أبعاد الاتفاقيات القائمة".
وينوّه رقيب أوغلو إلى وجود عقبات أمام تطور حجم التجارة مع العراق، أبرزها "سياسات الفاعلين المحليين والإقليميين والعالميين"، محذّرا من "وجود جهات تحاول منع تطوّر النموّ التجاري بين بغداد وأنقرة".
وفي سياق متّصل التقى ممثلو عدد من الشركات التجارية من تركيا والعراق في اجتماع عُقد في فندق ببغداد في وقت سابق وضم أكثر من 31 شركة و33 مشاركاً، لمناقشة فرص التعاون الجديدة.
وفي حديثه خلال الاجتماع الذي جرى في 6 يونيو الماضي، صرّح سفير تركيا في بغداد علي رضا غوني، بأنّ "العراق بلد قوي لكنّه يحتاج إلى تنويع مصادر قوته وعدم الاقتصار على الاعتماد على النفط، بل العمل على استثمار موارده البشرية التي تتسم بالديناميكية الشديدة التي تدعو إلى الفخر، حيث إنّ أكثر من 50% من سكان العراق من الشباب وسيبنون مستقبل البلاد".
من جانبه قال رئيس مجلس إدارة قطاع الحبوب والبقول والبذور الزيتية، أحمد ترياكي أوغلو، خلال مشاركته في الاجتماع، إنّ "بغداد رمز للجمال في عالم قلوبنا كما في الماضي، بغداد هي صديقنا وشقيقنا وشريكنا التجاري اليوم".
وأشار ترياكي أوغلو إلى زيادة صادرات بلاده إلى العراق من الحبوب والمواد الكيماوية والأثاث والفواكه وغيرها من المجالات، مرجّحاً أن تستمر العلاقات مع العراق في التطوّر بسرعة، مع تشكيل الحكومة التركية الجديدة بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان.
فرص تجارية واعدة
ويؤكد خبراء الاقتصاد أنّ العلاقات التجارية بين العراق وتركيا تحظى بإمكانات كبيرة وتكتنز الكثير من الفرص الواعدة للتعاون الاقتصادي.
وحول ذلك يقول الخبير الاقتصادي أحمد صدام، إنّ فرص توسيع نطاق التجارة بين العراق وتركيا تتمثل فيما إذا كانت هناك جهود حقيقية تستهدف تطوير قطاع الصناعة التحويلية والقطاع الزراعي في العراق، وهذا التوجّه سوف يرفع من مستوى استيراد السلع الرأسمالية من تركيا، وكذلك السلع الوسيطة، ومختلف الاحتياجات من المواد المطلوبة بهدف تنمية الاقتصاد العراقي.
ويبيّن صدّام، في حديثه مع TRT عربي، أنّ "اعتماد هذه السياسة الاقتصادية من الممكن أن يحفّز المستثمرين في تركيا لزيادة الإنتاج لتلبية الطلب العراقي على السلع الرأسمالية المختلفة".
وعن أبرز السلع التي يستوردها العراق من تركيا، يشير صدّام إلى أنّ "المواد الغذائية والملابس والأثاث والسجّاد تعدّ من أهم السلع المستوردة في الوقت الحالي"، ويشير إلى أن سبب الإقبال على هذه السلع يعود إلى "مميّزاتها التنافسية من حيث السعر والجودة، بالإضافة إلى عوامل مهمة تتمثل في القرب الجغرافي وسهولة النقل والحصول على سمات الدخول"، على حد قوله.
في المقابل يعدّ النفط الخام من أهم السلع التي يصدّرها العراق إلى تركيا بمعدل 3.12 مليار دولار في المتوسط للمدة من 2018 الى 2022، حسب الخبير العراقي.
ويلفت إلى أنّ مستوى تطور العلاقات التجارية يتمثّل في ارتفاع مستوى الاستيرادات العراقية من تركيا بشكل متزايد ابتداءً من عام 2018 حتى عام 2022 –باستثناء عام 2020 بسبب جائحة كورونا– إذ ارتفع حجمها من 9.4 مليار دولار أمريكي عام 2018 إلى 13.8 مليار دولار عام 2022 بمعدل نمو 23.6%.
ويرى أنّ هذه الزيادة "تُثبت مستوى الإقبال الكبير على استهلاك السلع التركية التي تزايد الطلب عليها مؤخراً بسبب ضعف مستوى الإنتاج المحلي وزيادة عدد سكان العراق، ومن ثمّ مستوى الاستهلاك".














