آراء
العالم
7 دقيقة قراءة
معركة أنوال.. عندما مرّغ الريفيون أنف إسبانيا في الطين
تُعتبر معركة أنوال التي انتصر فيها المقاومون من منطقة الريف بالمغرب ضد إسبانيا، التي تحلّ ذكراها المئوية 21 يوليو/تموز 1921، منعطفاً تاريخياً.
معركة أنوال.. عندما مرّغ الريفيون أنف إسبانيا في الطين
عبد الكريم الخطابي / Others
21 يوليو 2021

إذ كانت أول انتصار للشعوب المستعمَرة، وهزّت مِن ثَمَّ أركان الإمبراطوريات الاستعمارية، وأعطت الزخم للأحزاب الشيوعية في أوروبا.

وكان من تداعيات حرب الريف أن سقطت المَلكية في إسبانيا سنة 1926، ودخلت إسبانيا عقبها حرباً أهلية طاحنة، حسمتها الكتائب اليمينية بقيادة ضابط حارب في الريف هو فرانكو، بفضل قوات غير نظامية مغربية، حتى إن الإسبان قالوا إن القرن العشرين الإسباني قرن مغربي، أو إن المغرب أثر في مجرى تاريخ إسبانيا الحديث بسقوط الملكية جراء تداعيات هزيمتها في معركة أنوال، وفي استحكام الفاشية التي فرضها فرانكو الذي قضى على الجمهوريين بفضل القوات المغربية التي كانت تحارب في صفوفه.

وعلى مستوى آخر ألهب مثال القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي حماس شعوب مستضعَفة، ورأوا في حروب العصابات التي انتهجها أسلوباً في المقاومة، واستحضر قائد الحزب الشيوعي الصيني ماو سابقة عبد الكريم الخطابي، واستوحى القائد الفيتنامي هو شي منه أسلوبه، كما استوحى الثوار سابقته في أدغال أمريكا اللاتينية.

وبعد هزيمة الجيوش العربية في 1948 في فلسطين، زار ثوار عرب محمد بن عبد الكريم في منفاه بالقاهرة، وكان هو مَن نظّر لحرب العصابات أو ما كان يُعرف بـ"العمليات الفدائية". معركة أنوال هي الرحم التي خرج منها القائد الفذ محمد بن عبد الكريم الخطابي، المعروف اختصاراً بـ"عبد الكريم الخطابي".

في 21 يوليو/تموز من سنة 1921، انتصرت فئة قليلة من قبائل الريف على قوة عسكرية أوروبية مدجَّجة بالسلاح والعتاد والعدد.

كان أولَ انتصار للمستضعَفين بعد أن أطبقت القوى الاستعمارية قبضتها على العالم. استطاعت فئة من المجاهدين ببنادق قديمة أن تنتصر على قوة استعمارية بجيش نظامي، مع لفيف من المرتزقة.

في أعقاب الحرب العالمية الأولى قرّرَت إسبانيا أن تبسط يدها على منطقة الريف التي آلت إليها بمقتضى اتفاق سري بينها وبين فرنسا. وبعثت إسبانيا واحداً من أكبر قوادها ومَن تَمرَّس بالحروب في كوبا والفلبين الجنرال سلفستر، كي يُطبِق اليد نهائياً على الريف، وكان هذا الجنرال من معارف الملك الإسباني، وله نفوذ في البلاط، وتَوعَّد بعد إذ رست البوارج الحربية في مرفأ الحسيمة أن يجعل من الريف لقمة سائغة، ومن الأهالي عِبرة.

كان خطابه ينضح بالاحتقار للأهالي وعقيدتهم ونظام عيشهم. وتوغل القائد العسكري بجيوش جرارة، ولقي مقاومة مستميتة انهزمت بها قواته في معركة ظهر أوبران، ولكن ذلك لم يَثنِه، فتوغل جهة الجنوب، في سلسلة من المرتفعات الوعرة تُعرَف بـ"أنوال"، وأنوال بالأمازيغية هو الأخدود الذي تشتد فيها الحرارة صيفاً، وهو ما يقابل بالعربية كلمة "الحَرَّة".

كانت أعداد الجيش الإسباني التي حلت بأنوال تربو على العشرين ألفاً مدججة بالسلاح من النظاميين ومن بعض الأهالي الذين وظفتهم إسبانيا. كانت وعورة المرتفعات هي السلاح الذي استعمله المجاهدون، بالإضافة إلى عنصر المفاجأة، وقطع خط الإمدادات. انقضّوا عليهم وهم في الوهاد، انقضاض النسر على الطريدة. ولم يسَعِ الإسبانَ حينها إلا أن يفرّوا بجلودهم من استطاع إلى ذلك سبيلاً. ولم ينسلخ النهار حتى أضحت تلال أنوال مضرجة بدماء الإسبان وجثثت قتلاهم، وكان ممن لقي حفته الجنرال سلفستر، الذي قال إنه سيجعل من الريف لقمة سائغة وأهاليه عِبرة.

كان وقع الهزيمة قوياً على إسبانيا، وعمَّها الحزن، وتوشحت بالسواد، ونكّست الأعلام، ولم تجد تعبيراً للتدليل على تلك الهزيمة سوى الكارثة. وكان من تداعياتها أن أقال قائد عسكري بريمو دي ريفرا، رئيس الحكومة في ما يشبه انقلاباً عسكرياً. كان بعض من السياسيين الإسبان، وحتى القائد العسكري بريمو دي ريفرا، يفكرون قبل معركة أنوال في الانسحاب من منطقة الريف، لكن الهزيمة أو الكارثة، غيرت حسابات الطبقة السياسية والعسكرية الإسبانية، وأضحى الرهان غسل العار. ولذلك جيشت إسبانيا جنودها للقضاء على الثوار من الريف، ولم تستنكف من استعمال الطائرات التي تنفث الغازات السامة على الأهالي.

بزغ نجم القائد عبد الكريم الخطابي، وأصبح زعيم الريف بلا منازع، ولُقب بالأمير، والأمير أصلاً هو القائد العسكري، والتفّ حوله المجاهدون، ونظّم شؤون الريف في ما عُرف في التاريخ بـ"جمهورية الريف"، ووضع لها علماً يزينه الهلال مع نجم، بلون أحمر، وأقبل إليه في المكان الذي احتضن نواة "الجمهورية" بأجدير (وهي الحصن بالأمازيغية) الغربيون كما "الجراد" حسب تعبيره، منهم من تستحثّهم المغامرة للانغمار في معركته، ومنهم من يدفعه الطمع، ومنهم وسطاء كانوا يريدون أن يجنوا كسباً مادياً أو دوراً سياسياً في عملية تبادل الأسرى.

بيد أن صيت عبد الكريم ذاع خارج ربوع المغرب، وأخذ يتردّد على الألسن في بقاع العالم الإسلامي بما فيها الهند، وأُسبِغَ عليه لقب "غَازٍ" بعد مصطفى كمال الذي دحر القوات البريطانية وعملاءها من اليونانيين في الأناضول.

لم تكن فرنسا لتنظر إلى مجرى الأمور في الريف بمنظر اللا مبالاة. كانت تخشى خطر العدوى، أولاً في ما يُعرف بـ"المغرب الفرنسي"، مما كان في دائرة "حمايتها"، ثم في الجزائر. استشعرت الخطر، وعبّر المقيم العامّ الفرنسي في الرباط المارشال ليوطي عن دعمه لإسبانيا، واستعداده لوضع حدّ للتمرد، وطلب الإمدادات العسكرية بما فيها الغازات. ولم يعد الخطر شأن القيادة الفرنسية في الرباط، بل انتقل إلى باريس، وكانت حرب الريف أحد المحاور التي فاتح رئيس المجلس (رئيس الحكومة) بانلوفي البرلمانيين بسببها لوضع حد للتمرد في الريف، وانتقد الشيوعيين الفرنسيين الذين كانوا يناصرون المقاومين المغاربة في جبال الريف، واعتبر كل من يناصر معارك الريف زمرة من المجرمين.

كان الحزب الشيوعي الفرنسي أشد المناصرين للثوار المغاربة من الريف، واعتبر انتصارهم انتصاراً للطبقات العاملة، ولذلك استشعرت فرنسا الخطر من حرب الريف، ورأت فيها خطراً مزدوجاً، أحمر (الشيوعية) وأخضر (الإسلام). واعتبر بعض الصحف المؤثرة في باريس أن المعركة التي تدور في الريف، هي معركة "بلاط الشهداء" ثانية، المعروفة في الأدبيات الغربية بمعركة بواتيه Poitiers، والتي انهزم فيها المسلمون جنوب فرنسا، ووضعت من منظور غربي، حدّاً للتوغل الإسلامي في أوروبا.

ولذلك عبأت فرنسا قواتها وأسندت العملية إلى واحد من ضباطها المبرزين الذي انتصر في معارك فردان في أثناء الحرب العالمية الأولى، المارشال بيتان، مُسنَداً بقوات عسكرية جرارة، واستسلم القائد عبد الكريم الخطابي سنة 1926، للقوات الفرنسية أمام اختلال موازين القوى وحقناً للدماء. وكم من قواد ولو تولوا بالهزيمة يجللون صدر التاريخ باستماتتهم وصمودهم ومثالهم. وهل برئت فرنسا من ملازمة معركة بلاط الشهداء؟

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

مصدر:TRT عربي
اكتشف
المنازل المنهارة في غزة.. خطرٌ قاتل يُهدد الناجين من القصف الإسرائيلي
موسكو تعلن سيطرتها على أراض أوكرانية وإسقاطها 235 مسيّرة وزيلينسكي: روسيا تطيل أمد الحرب
جيش الاحتلال يقصف سيارة جنوبي لبنان بزعم استهدافه عناصر لحزب الله
حماس ترفض كل أشكال الوصاية على غزة وتؤكد اقتصار دور القوات الدولية على حفظ وقف إطلاق النار
الثاني خلال أيام.. استشهاد أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال
استشهاد فلسطيني بالضفة والاحتلال يعتقل العشرات وسط تصاعد اعتداءات مستوطنين
12 قتيلاً جراء عملية إطلاق نار خلال احتفالات الحانوكا اليهودي في أستراليا
شهداء وجرحى بغارات على القطاع.. وحماس تعلن استشهاد القيادي رائد سعد وسط تفاقم الكارثة الإنسانية
مظاهرات في إسرائيل تطالب بلجنة تحقيق في إخفاقات 7 أكتوبر أو تنحّي حكومة نتنياهو
فنزويلا.. تظاهرات مؤيدة لمادورو ومنددة بمصادرة أمريكا ناقلة نفط
تجميد استهداف إسرائيلي لقرية جنوب لبنان عقب تحرك للجيش واليونيفيل
الضفة.. استشهاد طفل برصاص الاحتلال في جنين وسط اعتقالات واقتحامات إسرائيلية متواصلة
تايلاند تعلن حظر تجول مع امتداد القتال على الحدود مع كمبوديا رغم جهود الوساطة
زيلينسكي سيلتقي مبعوثين أمريكيين وأوروبيين في برلين لبحث السلام وسط ضغوط أمريكية على كييف
اشتباكات لليلة الثانية في تونس عقب وفاة رجل بعد مطاردة أمنية