أوروبا ترزح أمام أزمة جديدة تنعكس على الاقتصاد والمواطنين. / صورة: AP (Uncredited/AP)
تابعنا

أعلنت المفوضية الأوروبية الأربعاء خطتها الشاملة لإصلاح منظومة الصناعة الصيدلية، لمواجهة النقص الحاد في الأدوية الذي يعرفه عدد من الدول الأوروبية. وعلى رأس بنود تلك الخطة تطوير صناعة الدواء الأوروبية، وإجبار شركات الأدوية على حماية نفسها من النقص.

هذا في وقت، يدق عدد كبير من التقارير والدراسات ناقوس الخطر بشأن هذا النقص الواسع الذي يشمل أكثر من 3000 نوع من الأدوية، منها ما يهدد فقدانه حياة المريض. وهو ما ينعكس بالسلب على المواطنين، لدرجة تعرض سلامتهم الشخصية للخطر.

أوروبا تخطط لمواجهة النقص

تقدمت المفوضية الأوروبية الأربعاء بمشروع إصلاحها للقطاع الصيدلاني إلى برلمان الاتحاد. والذي اقترحت فيه إجبار شركات الأدوية على حماية نفسها من نقص الأدوية، وتشجيعها على تطوير مضادات حيوية جديدة وإطلاق عقاقيرها في جميع دول الكتلة الـ27.

وبهذه المناسبة، قالت مفوضة الصحة بالاتحاد الأوروبي ستيلا كيرياكيدس، أن تنفيذ هذه الخطة سيمتد لـ20 عاماً، وأنه" على مدى العقد الماضي زادت حدة النقص في الأدوية، بما في ذلك المضادات الحيوية، بالغة عشرات الآلاف نوع"، لهذا "ستحتاج الشركات إلى الإبلاغ عن النقص المحتمل في وقت مبكر وأن يكون لديها خطط وقائية لأدويتها ".

وتخطط المفوضية لوضع قائمة بالأدوية الأساسية بحلول نهاية العام، والتي يمكن أن تكون بعد ذلك بمثابة أساس لالتزام تكوين المخزونات. إضافة إلى تخفيض مدة احتكار تركيبات المستحضرات الدوائية من عشر إلى ثماني سنوات، التي تعترض وتبطئ إنتاج وتسويق الأدوية الجنسية الأرخص ثمناً.

وأشارت مفوضة الصحة الأوروبية، إلى أن مواطني دول الاتحاد الأغنى في الغرب "لديهم القدرة على الوصول إلى 90% من الأدوية" ، فيما في "بعض البلدان الصغيرة في الشرق" تنخفض هذه الحصة إلى 10%. وهو ما يستهدف إصلاح قرار تخفيض مدة احتكار التركيبات، والذي ستنخفض بموجبه أسعار الأدوية.

ما مدى النقص في الأدوية الذي تعرفه أوروبا؟

تواجه الدول الأوروبية أزمة نقص حاد في الأدوية، خاصة تلك التي تستخدم في بروتوكولات علاج نزلات البرد والأنفلونزا والالتهابات الرئوية. فيما تشير دراسات حديثة، إلى أن النقص يطول نحو 3000 نوع من الأدوية.

ووفق استطلاع للمجموعات الصيدلانية الأوربية، فإن ربع دول القارة تشهد نقصاً في 600 عقار على الأقل، و20% أعلنت بأن من 200 إلى 300 عقار فقدوا من أسواقها، وثلاثة أرباع هذه الدول أكدوا بأن شح الدواء هذا العام أكبر من سابقه.

وحسب السلطات الصحية البلجيكي، تعاني البلاد من نقص في 300 عقار على الأقل. وفي ألمانيا يبلغ عدد العقاقير المفقودة من السوق 480، كما فاق 600 عقار في النمسا. وكشفت دراسة أخيرة، أن شح الأدوية في إسبانيا زاد بنسبة 38٪ في عام واحد.

وتعاني فرنسا أيضاً من شح حاد في الأدوية، ووفق وسائل إعلام محلية، فإن النقص الذي طال عقاري الباراسيتامول والأموكسيلين بدأ منذ يوليو/تموز الماضي. وهو ما دفع "الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية" الفرنسية إلى دق ناقوس الخطر بشأن هذا الوضع، وتوصية العاملين في الصحة والصيدليات بتقنين وصف هذَين العقارَين للمرضى، وعدم بيع أكثر من علبتين منهما لكل مريض.

ما أسباب النقص؟

وصفت الأمينة العامة للمجموعة الصيدلانية في الاتحاد الأوروبي، إيلاريا باساراني، الوضع بأنه "سيئ للغاية"، فالنقص "يشمل جميع البلدان ويطول جميع أنواع الأدوية". وتضيف المسؤولة الأوروبية، في حديثها لـ"يورونيوز"، قائلة: "على مدى السنوات السبع أو الثمانية الماضية شهدنا تزايد المشكلة، لكن اليوم أسباباً أساسية تزيد من تأزم الوضع".

هذا وتعدد أسباب هذا النقص في الأدوية بالبلدان الأوروبية، بين الطلب المتزايد وغير المقنن على هذه الأدوية، وضعف القدرات الإنتاجية للشركات المحلية وجشع اختياراتها التصنيعية، وعدم امتلاك أوروبا سيادة على إنتاج العناصر النشيطة التي تدخل في تركيبات العقاقير.

وحسب المفوضة الأوروبية للصحة ستيلا كرياديس، فإنه "من الأسباب الرئيسية التي حُددت (لنقص الأدوية) هي الزيادة الكبيرة في الطلب بسبب تكاثر التهابات الجهاز التنفسي ونقص القدرات الإنتاجية (لدى شركات الأدوية)".

وهو ذات ما أكده أيضاً كبير المسؤولين الطبيين بالوكالة الأوروبية للأدوية، ستيفن ثيرستروب، بقوله: "علمنا من عدد من الشركات المصنعة أن لديهم مشكلات في القدرة التصنيعية، بعضها يتعلق بنقص الموظفين".

بالمقابل، ترى بعض الأصوات داخل البرلمان الأوروبي، بأن سبب الأزمة هو جشع شركات الأدوية، التي تميل إلى إنتاج العقاقير الخاصة وباهظة الثمن، مقابل إنتاج أدوية الاستعمال اليومي كالمسكنات ومضادات الالتهاب التي لا تدر أرباحاً كبيرة مقارنة بالأولى.

الأمر الذي أشارت له النائبة الأوروبية ميشيل ريفازي، في خطابها يوم 17 يناير/ كانون الثاني، قائلة: "تواجه أوروبا نقصاً مقلقاً للغاية في الأدوية، مما يدل على حدود نظام الإنتاج القائم على الربح. إذا أهملت المعامل إنتاج بعض الأدوية غير المربحة بدرجة كافية، وبالتالي علينا تغيير موردينا".

فيما بالنسبة لشركات الأدوية، فهذا النقص يعود بدرجة أولى إلى اضطراب سلاسل توريد العناصر النشيطة المستخدمة في تركيبة الأدوية. ومن بين هذه الشركات شركة "ساندوز"، التي تعد أحد أكبر المنتجين في سوق الأدوية الجنسية في أوروبا، إذ صرحت بأنها تعاني مشكلات في الإمداد بشكل خاص.

وفي حديثه لموقع "بوليتيكو"، قال متحدث باسم "ساندوز"، أن أبرز أسباب عدم تلبية الشركة الطلب الحاصل على الدواء هو ما تواجهه من ندرة في المواد الخام والقيود على قدراتها التصنيعية. هذا وتفتقد أوروبا السيادة على احتياجاتها من العناصر النشيطة، فيما تنتج الصين والهند نحو 90% من الطلب العالمي على تلك المواد.

كيف يؤثر نقص الدواء على السكان؟

يؤثر هذا النقص الحاد في الأدوية بشكل سلبي على الصحة العامة للساكنة في أوروبا، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة التي تهدد حياة المريض بمضاعفات خطيرة إذا لم يحصل على الأدوية، قد تصل في بعض الحالات إلى الموت.

غير أن هذا التأثير يكون متفاوتاً حسب كل بلد، إذ يزداد في دول الشرق الصغيرة وذات الاقتصادات المحدودة، مقارنة بدول الغربية ذات الاقتصادات الأغنى. وفق ما أشارت له مفوضة الصحة الأوروبية، بقولها إن مواطني دول الاتحاد الأغنى في الغرب "لديهم القدرة على الوصول إلى 90% من الأدوية" ، فيما في "بعض البلدان الصغيرة في الشرق" تنخفض هذه الحصة إلى 10%.

في فرنسا على سبيل المثال، وحسب دراسة أخيرة، فإن 30% من المرضى الفرنسيين واجهوا صعوبات كبيرة في الوصول إلى الأدوية الموصوفة لهم. وهو ما قد يتسبب بعواقب وخيمة على نجاعة البرتوكولات الطبية، وبالتالي على القدرة على علاج تلك الأمراض، على حد قول ذات المصدر.

وتوضح الدراسة أن فقدان عقار الفينيليرين، المستخدم في ضبط مستويات ضغط الدم في أثناء التخدير، تسبب عام 2017 بارتفاع حالات الوفاة في أثناء العمليات الجراحية بنسبة 35%. علاوة على أن النقص في الأدوية يدفع الطواقم الطبية إلى التغيير بشكل مستمر في بروتوكولاتهم العلاجية، وتعويض الأدوية التي أصبحت نادرة في السوق بأخرى قريبة منها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً