صورة نشرتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) تزعم بها أنّ سلطات النظام صادرت شحنة من الكبتاغون كانت متجهة إلى السعودية (AFP)
تابعنا

على نحو غير مسبوق، انتشرت خلال الأشهر القليلة الماضية أنباء بعدة دول أغلبها عربية عن ضبط تهريب كميات مختلفة من المخدّرات القادمة من الأراضي اللبنانية، فيما تشُير تقارير إلى أنّ مصدر تلك المخدرات هو حزب الله اللبناني وحليفه النظام السوري.

ويقول خبراء إنّ اقتصاد الأخيرين بات يعتمد على تجارة المخدّرات بشكل متصاعد، وأنّ مخدّري القنب وأقراص "الكبتاغون" (Captagon)، وهو مخدّر قائم على مادة الفينيثايلين، هما أكثر ما يصدّره حزب الله بإنتاج وتنسيق مشترك مع نظام الأسد، حيث يعمل الاثنان على نحو خاص بإنتاج كميّات مهولة من الكبتاغون الملقّب بـ"كوكايين الفقراء" وبثّه إلى دول عديدة لجني أرباح طائلة، كما يُتَّهم حزب الله بالسعي إلى استهداف أعدائه عبر تلك المواد المخدّرة.

شحنات فاكهة وفيتامين أطفال

أعلنت السلطات المصرية الأربعاء، أنّها تمكّنت من ضبط محاولتي تهريب 10 آلاف قرص مخدّر من نوعية الكبتاغون في مطار القاهرة الدولي، حيث وصلت إلى البلاد على متن رحلتي طيران قادمتين من العاصمة اللبنانية بيروت، وفق ما ذكرت صحيفة "المصري اليوم".

وعلى النحو ذاته، ضبطت السلطات اللبنانية في 30 ديسمبر/كانون الأوّل الماضي تسعة ملايين قرص من مادة الكبتاغون في شحنة برتقال بمرفأ بيروت، لتحبط بذلك محاولة لتهريبها إلى الخليج العربي، وهو الوجهة الأساسية الّتي تستهدفها تلك التجارة لا سيّما المملكة العربية السعودية الّتي انتشرت فيها تلك الأقراص فيما تحاول السلطات بالرياض وقفها بشتّى الطرق.

وكانت المملكة قد أعلنت، في أبريل/نيسان من العام الماضي، تعليق واردات الفاكهة والخضروات من لبنان بعد مصادرة أكثر من خمسة ملايين حبة كبتاغون مخبّأة في شحنة رمان، واتّهمت بيروت وقتئذ بالتقاعس عن مصادرة المخدّرات وملاحقة مروّجيها.

وفي يوليو/تمّوز 2020، أحبطت الشرطة الإيطالية صفقة ضخمة لمخدّر الكبتاغون يبلغ وزنه 14 طناً، وكانت في طريقها إلى الموانئ الأوروبية. حيث تمكَّنت عناصر الأمن في ميناء "ساليرنو" الإيطالي من ضبط ثلاث سفن قادمة من ميناء اللاذقية السوري.

وقدَّرت السلطات الإيطالية قيمة الصفقة وقتها، والّتي ضمّت نحو 85 مليوناً من الأقراص الصغيرة المخفية داخل شحنة من قطع غيار الآلات ولفائف الورق الصناعية، بنحو مليار يورو.

إنكار وتجاهل للاتّهامات

رغم توجيه العديد من المراقبين أصابع الاتّهام نحو النظام السوري وحليفه حزب الله اللبناني في محاولة نشر الأقراص المخدّرة "كبتاغون"، غير أنّ زعيم حزب الله، حسن نصر الله، نفى تلك التهم مراراً واعتبر أنّ تلك الشائعات تستهدف حزبه عبر "أخبار كاذبة ودعاية غربية".

وشدّد نصر الله على أنّ موقفه "من المخدرات بكل أنواعها واضح، يُحظَر دينياً تصنيعها وبيعها وشراؤها وتهريبها واستهلاكها (...) حتى لو كانت الخطة هي نقلها إلى العدو".

وعلى النحو ذاته، تجاهل النظام السوري الاتهامات، بل أعلن مطلع شهر ديسمبر/كانون الأوّل الفائت أنّه ضبط أكثر من نصف طن من الحبوب المخدّرة من نوع "كبتاغون"، ضمن شحنة معكرونة كانت مُعدّة للتصدير إلى السعودية، في موقف اعتبره البعض محاولة متعمّدة للتمويه على النشاط الفعلي الذي انخرط فيه نظام الأسد لدعم اقتصاده المتأزم لما يزيد عن عقد.

عصب اقتصاد حزب الله ونظام الأسد

ولم تفلح تلك التصريحات وحالة الإنكار التي ينتهجها حزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد في ثني صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن البحث وكشف أدق التفاصيل حول أنشطة تصنيع وتجارة المخدرات في مناطق سيطرة نظام الأسد في سوريا.

وكشفت الصحيفة، في تقرير لها حمل عنوان "على أنقاض سوريا.. ازدهار إمبراطورية المخدرات"، تورّط مقرّبين من رئيس النظام بشار الأسد في عمليات صناعة حبوب الكبتاغون المخدّرة والاتّجار بها، مؤكّدةً أنّها تُدار عبر "شركاء أقوياء وأقارب الرئيس بشار الأسد، ونمت على أنقاض الحرب التي دمّرت سوريا على مدار 10 سنوات".

وذكرت أنّ تلك الصناعة "أصبحت تدر مليارات الدولارات متجاوزة عائدات الصادرات القانونية للنظام السوري"، وأنّ أغلب عمليات إنتاج وتوزيع مخدّر الكبتاغون تتمّ عبر إشراف "الفرقة الرابعة، وهي وحدة النخبة التي يقودها ماهر الأسد، الأخ الأصغر للرئيس وأحد أقوى الرجال في سوريا".

ويشير خبراء إلى أنّ حزب الله شرع في التربّح من تلك التجارة منذ التسعينيات، حيث ذكرت سجّلات لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) أنّ أنشطة الحزب في مجال المخدرات متجذرة وممتدة، إذ "تعود إلى إباحة بعض علماء الدين المرتبطين بالحزب لتلك التجارة آنذاك إذا ما بيعت المخدرات إلى أعداء الإسلام في سياق الحرب ضدهم".

كما ورد في السجّلات نفسها أنّ النشاط الأكبر لحزب الله كان بمعونة النظام السوري بعد عام 2006، وذلك بعد حربه مع إسرائيل الّتي كان لها تبعات اقتصادية فادحة دفعته إلى اللجوء إلى المخدّرات لتعويضها، كما أسهم نظام الأسد في نمو تلك التجارة، حيث تمتَّع بسلطات واسعة لوقت طويل في سهل البقاع اللبناني، وهو المصدر الرئيسي لزراعة القنب.

TRT عربي