تابعنا
على مدى العقود الأخيرة، تكاثفت مساعي العلماء في محاولة إيجاد الحلول للمشاكل التي سيواجهها العالم بشكل حتمي في المستقبل القريب، ومن أبرز هذه المشاكل "أزمة الغذاء العالمية والفقر" المرتبطة بشكل كبير بأزمة "الاحتباس الحراري".

تأتي جهود العلماء في محاولة لمكافحة الفقر الذي ستزداد نسبته خلال السنوات القادمة من 10% من سكان العالم، إلى نسب مضاعفة بحلول عام 2030، وحل أزمة الغذاء العالمية، نظراً لقلة المراعي الطبيعية التي لا تتناسب مع الزيادة الكبيرة في عدد سكان الكرة الأرضية، الذين من المنتظر أن يصل عددهم إلى نحو 8.9 مليار نسمة بحلول عام 2050، بحسب البنك الدولي.

وبحسب منظمة “slow food” العالمية، فقد زاد الاستهلاك العالمي للحوم اليوم، حوالي خمسة أضعاف بالمقارنة مع الاستهلاك العالمي في عام 1950، حيث زاد من 45 مليون طن من اللحوم المستهلكة في عام 1950 إلى ما يقرب من 300 مليون طن اليوم، وفي حال عدم وجود حلول عملية، قد يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2050.

وفي ضوء هذه المشاكل، عمل العلماء منذ بداية القرن الحالي، على محاولة إنتاج "لحوم مخبرية" مصنّعة بالكامل في المختبرات، لتدخل ضمن المنظومة الغذائية، بهدف تخفيف الضغط على مزارع الأبقار والماشية، والتخفيف من حدة التلوث البيئي الذي تحدثه، وتغطية حاجة المستهلكين خلال السنوات القادمة.

جهود العلماء في عملية تصنيع اللحوم المخبرية

بدأت المحاولات لإنتاج اللحوم المصنعة منذ عام 1998، حيث تمكن العالم الأمريكي جون إف فين من إنتاج اللحوم المصنعة من الأنسجة للاستهلاك البشري، عن طريق زرع الخلايا العضلية والدهنية بطريقة متكاملة لإنتاج منتجات غذائية مثل لحوم الأبقار والدواجن والأسماك، وحصل على براءة الاختراع في ذلك.

وفي عام 2001 قام طبيب الأمراض الجلدية فيست ويسترهوف، والطبيب ويليم فان إيلين، ورجل الأعمال ويليم فان كوتن، الهولندين، بالتقديم للحصول على براءة اختراع حول عملية إنتاج اللحوم المصنعة التي قاموا بها، وفي العام ذاته بدأت وكالة ناسا الفضائية بتجاربها في تصنيع اللحوم من خلايا الديك الرومي.

اقرأ أيضاً:

فيما تمكن الاتحاد العالمي لبحوث الأحياء في عام 2002، من زراعة منتج يشبه فيليه السمك من خلايا سمكة ذهبية، وبعدها بعام قام الباحثون في كلية هارفارد الطبية، بتصنيع شريحة صغيرة تشبه شريحة اللحم، تم تصنيعها من الخلايا الجذعية للضفادع.

وفي عام 2013، حدثت نقلة نوعية، عقب النجاح الذي حققه فريق من العلماء الهولنديين بقيادة مارك بوست، أستاذ فسيولوجيا الأوعية الدموية في جامعة ماستريخت، من إنتاج أول قطعة "برجر" من لحم البقر الذي قاموا بتصنيعه فى المختبر، وقام خبراء ومتذوقون بتذوقها، ونالت استحسانهم من ناحية المذاق المشابه بدرجة كبيرة مع اللحم الطبيعي.

وقد بلغت تكلفة إنتاج هذه القطعة من "البرغر" أكثر من 300 ألف دولار أمريكي، واستهلكت عملية إنتاجها أكثر من عامين، من خلال إنتاج أنسجة صغيرة جداً من عضلات لحوم البقر في قارورة زراعة الأنسجة، وتكرار هذا العمل عدة آلاف من المرات.

أكمل الباحثون الهولنديون أبحاثهم لمحاولة تطوير طرق إنتاج اللحوم المصنعة، ليصبح المنتج مطروحاً في الأسواق خلال السنوات القادمة، وبتكلفة أقل، فأسسوا شركة “Mosa Meat” المتخصصة في تكنولوجيا الأغذية.

وبعد هذا التقدم الثوري الذي توصلت إليه الشركة الهولندية، دخلت شركات أخرى منافسة في مجال تصنيع اللحوم المخبرية، أبرزها شركة" لحوم ممفيس" في الولايات المتحدة و"سوبرميت" في "إسرائيل"، وقد نجحت الشركة الأمريكية في إنتاج أكثر من قطعة من اللحم "كرة من اللحم " تقل عن نصف كيلوجرام، بتكلفة تبلغ 18 ألف دولار أمريكي في عام 2016.

وحالياً، هناك العديد من الشركات الناشئة التي تحاول الدخول في هذه المنافسة لتطوير عملية تصنيع اللحوم المخبرية، وتقديمها بأفضل شكل ممكن لها، خصوصاً وأن هناك جهات ممولة معنية تدعم هذه الشركات، مثل بيل غيتس وشركة كارغيل الزراعية.

ما اللحوم المخبرية؟

في حواره مع TRT عربي، يقول خبير التغذية د. محمد حرب: "إن اللحوم المخبرية، وتُعرف أيضاً باسم اللحم الصناعي واللحم النظيف، هي لحوم يكون الحصول عليها عبر أخذ خلايا جذعية من لحوم الماشية الحية بدلاً من الحيوانات المذبوحة، ثم زراعتها ونموها في المختبر في بيئة معقمة على مدار أسابيع، وهو شكل من أشكال الزراعة الخلوية التي تستخدم مزيجاً من التكنولوجيا الحيوية وهندسة الأنسجة والبيولوجيا الجزيئية والبيولوجيا التركيبية".

اقرأ أيضاً:

أما عن آلية تصنيع هذه اللحوم، يقول حرب: "إن العلماء يقومون بجلب عينة من العضلات الموجودة في منطقة الخصر والضلع عند الأبقار، ووضعها على الطبق المخبري مع إضافة مادة الكربوهيدرات والأمينو أسيد، ومن ثم يجري جمع الخلايا الجذعية من الأنسجة، ومضاعفتها بشكل كبير والسماح لهم بالتفريق إلى ألياف بدائية تُجمع بعد ذلك لتشكل أنسجة عضلية تنمو وتتكون إلى قطعة من اللحم شبيهة بالبرجر، ولكن طعمها يشبه اللحم العادي الذي نعرفه".

اللحوم المخبرية.. مميزات كبيرة ستجنيها البيئة

يؤكد حرب أنه يمكننا بكل سهولة الحديث عن مميزات اللحوم المخبرية، مع ملاحظة أن جميع هذه المميزات ستستفيد منها البيئة من حولنا، من حيث أنها أولاً ستوفر لنا كميات كبيرة من المياه المستهلكة في تربية الحيوانات بشكل سنوي، فللحصول على حوالي نصف كيلو من اللحوم الطبيعية يتطلب الأمر أكثر من 2400 غالون من الماء، مقارنة ربما فقط بـ25 غالوناً من الماء للحوم المخبرية، فضلاً عن أن المواشي تستهلك حوالي ربع كمية المياه في العالم، وبالتالي فإن هذه اللحوم من شأنها أن تحد من مشكلة نقص المياه العالمية بشكل واضح.

أما عن الميزة الثانية، فهي أن عملية تصنيع اللحوم المخبرية، لا تحتاج إلى الأراضي والمساحات الشاسعة، وبالتالي سنتمكن حينها من إعادة الأراضي التي تستخدم لإيواء الماشية وتربيتها إلى الطبيعة، أو يتم استغلال هذه الأراضي في مشاريع أخرى تفيد البيئة وكذلك الدولة ذاتها.

فيما تكمن الميزة الثالثة من وجهة نظر حرب، بأنها من الممكن أن تُساهم في الحد من مشكلة نقص الغذاء في العالم، وذلك عن طريق استغلال وتوفير المحاصيل الزراعية الكبيرة التي تتغذى عليها الأبقار والمواشي، والتي يمكن أن يتناولها البشر.

الميزة الرابعة تكمن في مكافحة التغير المناخي والتلوث البيئي الناجم عن ارتفاع درجة حرارة الجو نتيجة انبعاثات الغازات الدفيئة وغاز الميثان التي تنتج عن تربية الماشية ومصانع إنتاج اللحوم، وغاز الكربون الناتج عن تسميد الأراضي، فضلاً عن الوقود الذي تستهلكه المصانع في عملية إنتاج اللحوم ومن ثم توزيعها، وبحسب التقارير الصادر عن الشركات التي تُصنع اللحوم المخبرية، فإن عملية إنتاج اللحوم المخبرية تتطلب وقوداً أقل بنسب كبيرة مما تتطلبه العملية التقليدية، بنسبة 47% أو أكثر.

اللحوم المخبرية وأثرها على الإنسان

يقول القائمون على تصنيع اللحوم المخبرية، إن هذه اللحوم تتمتع بجانب مفيد لصحة الإنسان، وهو القدرة على إزالة أو تقليل الدهون المشبعة، وذلك لأن الخلايا الجذعية تستطيع صنع الأحماض الدهنية أهمها "أوميجا 3".

ولكن من ناحيته يقول حرب: "لا أعتقد أن هذه اللحوم لها فوائد على صحة الإنسان، وذلك كونها مُصنعة بالنهاية، وتدخل المواد الكيماوية في مكوناتها التي قد تكون لها أضرار جانبية على صحة الإنسان، ولكنها ستقوم بدور سد احتياج وغرض الناس المتزايد على اللحوم والغذاء، وفكرتها مشابهة لفكرة المعلبات الغذائية، التي إن لم تكن ضارة فهي غير مفيدة، ولكنها تُلبي احتياج".

ولفت حرب إلى أن "كميات البروتين والدهون والفيتامينات الموجودة في لحوم الثروة الحيوانية التي يحتاجها جسم الإنسان، لا يمكن أن تتوفر في اللحوم المخبرية بنسبة 10% منها، علاوة على أن حمض الأمينو أسيد الذي يدخل في عملية تصنيع اللحوم المخبرية، هو من المكملات الغذائية التي تضر بالإنسان، بل ومن الممكن أن تقتله في حال استخدامه الخاطئ".

وفي سؤال حول مستقبل هذه اللحوم ومدى إقبال الناس عليها، أجاب خبير التغذية: "لا أتوقع أن يكون إقبال الجمهور كبيراً على هذا المنتج في حال صدوره، ولكن قد يعتادون عليه أو يضطرون إليه في السنوات القادمة، مع العلم أن بعض الشركات القائمة على تصنيعه صرحت بأن اللحوم المخبرية ستتوفر في الأسواق في نهاية هذا العام وبأسعار مناسبة على الرغم من تكلفة إنتاجها العالية".

واختتم حرب حديثه: "إننا ما زلنا لا نعلم ما أضرار اللحوم المخبرية على صحة الإنسان بشكل دقيق، وذلك لأنه لم يتم تجربتها بشكل واسع، ولكن على أية حال فإن هذه اللحوم ستكون مفيدة بشكل كبير للبيئة والعالم من حولنا".

تأتي جهود العلماء في محاولة لمكافحة الفقر الذي ستزداد نسبته خلالالسنوات القادمة من 10% من سكان العالم (Getty Images)
أكمل الباحثون الهولنديون أبحاثهم لمحاولة تطوير طرق إنتاج اللحوم المصنعة، ليصبح المنتج مطروحاً في الأسواق خلال السنوات القادمة (AP)
من ميزات اللحوم المخبرية مكافحة التغير المناخي والتلوث البيئي الناجم عن ارتفاع درجة حرارة الجو (Getty Images)
TRT عربي