تابعنا
يضمّ قصر طوب قابي التاريخي في مدينة إسطنبول الكثير من الآثار المقدسة التي يُعتقد أنّ بعض الأنبياء مثل موسى وإبراهيم ويوسق وداود قد استخدموها. آثارٌ تُدهش كلّ من يراها، خاصة السياح الذين يتوافدون على القصر بأعداد كبيرة.

في أحد أواخر أيام شهر رمضان الكريم المنقضي، وبينما كانت أشعة الشمس الساخنة تسقط على قصر طوب قابي التاريخي في مدينة إسطنبول التركية، كان عددٌ كبيرٌ من السياح المحليين والأجانب يتوافدون على القصر، الذي كان السلاطين العثمانيون يقيمون فيه منذ غزو إسطنبول في عام 1453 حتى منتصف القرن التاسع عشر.

وتضم الغرفة كذلك أشياءً أخرى يُعتَقَد أنَّ بعض الأنبياء مثل موسى وإبراهيم ويوسف وداود قد استخدموها.

ومع أنَّ العديد من السياح ينظرون إلى الآثار برهبةٍ وإعجاب، فإنَّهم ربما يغفلون حقيقةً تاريخية مهمة أخرى، وهي أنَّ الغرفة التي يقفون فيها كانت بمثابة منزل السلاطين العثمانيين ومكتبهم. وكانوا يُسمون هذا المكان الحميم بالغرفة الخاصة، حيث كانوا يناقشون أكثر السياسات والقضايا حساسية.

وقال مصطفى صبري كوجوك أشجي، مدير متحف قصر طوب قابي، والأستاذ في تاريخ العصور الوسطى بجامعة مرمرة "أراد (السلاطين العثمانيون) حِفظ الآثار المقدسة بالقرب منهم لأنَّهم اعتقدوا أنَّ وجود الآثار في قصر طوب قابي سيؤهل إسطنبول لتكون مركزاً للعالم الإسلامي".

وأضاف مصطفى في حديثٍ لـTRT "كانت عباءة النبي، التي تُعرف بالبُردة الشريفة، تُستخدم كعلامةٍ على الخلافة (الإسلامية) منذ عصر الأمويين".

يُذكَر أنَّ الأمويين كانوا سلالةً عربية إسلامية حاكمة في القرن السابع، وانبثقوا من الحرب الأهلية التي نشبت بين علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين وصِهر النبي محمد، ومعاوية بن أبي سفيان مؤسِّس الدولة الأموية. وقد حكمت الأسرة الأموية 89 عاماً حتى أطاح بها العباسيون، الذين كانوا سلالةً عربية حاكمة أخرى ذات غالبية مسلمة.

وقد ورث السلاطين العثمانيون آثاراً قيِّمة تعود إلى عصور وأزمنةٍ مختلفة. فعندما احتل السلطان سليم الأول الجزء الأكبر من الشرق الأوسط في عام 1517 بعدما انتصر على المماليك في أغلب الشرق الأوسط، جُلِبَت هذه الآثار الإسلامية الكثيرة إلى إسطنبول من العالم العربي.

ومع توسُّع الإمبراطورية العثمانية عبر المناطق التي تُسمَّى حالياً بمصر وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن وشبه الجزيرة العربية، لم يهزم السلطان سليم الأول المماليك فقط، بل انتزع الخلافة منهم كذلك، وأحضر معظم الآثار المقدسة من القاهرة إلى إسطنبول.

وقال مصطفى الذي أجرى أبحاثاً موسَّعة في هذا الموضوع، وكتب مقالاتٍ شاملة عدة عنه: "منذ (عصر) سليم الأول، أولى العثمانيون أهميةً كبيرة لجمع متعلقات النبي محمد في إسطنبول بسبب التزامهم بتعاليمه وولائهم له. وقد استمرت جهود التجميع حتى بعد وفاة السلطان سليم الأول، وجلبت المزيد من (الآثار المقدسة إلى إسطنبول)".

الغرفة الخاصة تُصبح بيت الخلافة

تجدر الإشارة إلى أنَّ قرار حِفظ الآثار في الغرفة الخاصة، التي يمكن القول إنَّها الأكثر أماناً في القصر، يحمل أهميةً رمزية.

ففي هذه الغرفة، كان السلاطين العثمانيون يصعدون إلى العرش ويؤدون قسم الولاء. وكذلك كانوا ينامون فيها ويُغسَّلون فيها بعد وفاتهم. جديرٌ بالذكر أنَّ أول من بنى هذه الغرفة هو السلطان محمد الفاتح.

ومنذ عهد محمد الفاتح، خضع المبنى للترميم عدة مرات. وبحلول الزمن الذي أحضر فيه السلطان سليم الأول الآثار المقدسة إلى القصر، تحوَّل بطريقة غير متوقعة ليصبح مزاراً إسلامياً نوعاً ما، حيث كان السلاطين وموظفوهم يقيمون احتفالاتٍ لتقبيل عباءة النبي، بينما يظهرون احترامهم للآثار الأخرى لإظهار إيمانهم بالإسلام.

ونتيجةً لذلك، اشتهرت العاصمة العثمانية بأنَّها المركز السياسي والديني للعالم الإسلامي"، وفقاً لما كتبه مصطفى في أحد مقالاته.

وفي القرن السابع عشر، أطلق مصطفى صافي، كبير مهندسي القصر، على الغرفة الخاصة اسم بيت الخلافة، بينما كان يُسجِّل الآثار المقدسة الموجودة في الغرفة، ما جعل "الغرفة تبدو تجسيداً تصويرياً لأحقية العثمانيين بالخلافة"، حسب ما ذكر مصطفى صبري.

يُذكَر أنَّ أحمد جودت باشا، أحد أبرز رجال الدولة وخبراء القانون العثمانيين في أواخر القرن التاسع عشر، أكَّد أنَّ الخلافة العباسية فقدت سيطرتها على معظم العالم الإسلامي، بينما كان المماليك يستخدمونها لكسب الشرعية في العالم الإسلامي.

وبحسب أحمد جودت باشا، كانت القيادة العثمانية هي التي أعادت النظام الإسلامي بعد انتصار سليم الأول على المماليك وانتزاعه الخلافة من العباسيين.

وقال أحمد جودت باشا في إحدى كتاباته "باتحاد السلطنة مع الخلافة، وصلت الدولة العثمانية إلى مستوى أعلى مُستحق. وبفضل هذا الاتحاد، ازدادت عزَّة أمة الإسلام، واهتدت إلى الاتجاه الصحيح".

تجدر الإشارة إلى أنَّ القيادة العثمانية كانت تولي اهتماماً خاصاً للآثار المقدسة، وأنَّ افتتانها بتلك الآثار تجاوز متعلقات النبي محمد. إذ قال مصطفى صبري "ثمة ثقافةٌ إيمانية (وراء جمع هذه الآثار)، فهناك متعلقاتٌ كذلك يُعتقد أنَّها تخص أنبياء سابقين".

فمن بين 600 قطعة مقدسة، يوجد بالغرفة أيضاً بعض القطع أثرية التي يُعتقد أنَّها مقلاة النبي إبراهيم ومتعلقات النبي موسى وعمامة النبي يوسف.

وفي أوائل القرن التاسع عشر، قرر السلطان محمود الثاني مغادرة الغرفة الخاصة، وتخصيصها للآثار المقدسة فقط. ثم غادر نجله عبد المجيد الأول، الذي اتَّبع سياسات تحديث الدولة العثمانية بصرَّامة، قصر طوب قابي كله في عام 1856، وانتقل إلى قصر دولما بهجة الذي كان حديث البناء آنذاك، وشُيِّد على طرازٍ فرنسي باروكي جديد بجانب مضيق البوسفور.

وبحلول عام 1918، حين كانت الإمبراطورية العثمانية على وشك الانهيار، أظهر أحد جنرالاتها، فخر الدين باشا، صموداً استثنائياً. إذ كان فخر الدين هو قائد القوات العثمانية في المدينة المنورة، ورفض الاستسلام أمام قوات الحلفاء، متجاهلاً أوامر رؤسائه.

وقال في خطبته الشهيرة لجنوده في أثناء حصار المدينة المنورة "أيها الجنود! أناشدكم باسم النبي، الذي هو عليَّ شهيدٌ. آمركم بأن تدافعوا عنه وعن مدينته حتى آخر رصاصةٍ وآخر نفس، بصرف النظر عن قوة العدو. الله سيساعدنا، وصلوات النبي محمد ستساعدنا".

وفي يناير/كانون الثاني من العام التالي 1919، ألقى ضباط فخر الدين القبض عليه بتهمة عصيان أوامر من إسطنبول، بعد 72 يوماً من اتفاق الهدنة بين الإمبراطورية العثمانية وقوات الحلفاء.

ولكن في أثناء الصمود أمام الحصار، أنقذ فخر الدين العديد من الآثار المقدسة المهمة، ونقلها إلى قصر طوب قابي في إسطنبول.

قرار حِفظ الآثار في الغرفة الخاصة، التي يمكن القول إنَّها الأكثر أماناً في القصر، يحمل أهميةً رمزية 
في أوائل القرن التاسع عشر، قرر السلطان محمود الثاني مغادرة الغرفة الخاصة في طوب قابي، وتخصيصها للآثار المقدسة فقط.
تضم غرفة الآثار المقدسة في قصر طوب قابي أشياءً أخرى يُعتَقَد أنَّ بعض الأنبياء مثل موسى وإبراهيم ويوسف وداود قد استخدموها.
عددٌ كبيرٌ من السياح المحليين والأجانب يتوافدون على القصر، الذي كان السلاطين العثمانيون يقيمون فيه منذ غزو إسطنبول في عام 1453 حتى منتصف القرن التاسع عشر
فمن بين 600 قطعة مقدسة، يوجد بالغرفة أيضاً بعض القطع أثرية التي يُعتقد أنَّها مقلاة النبي إبراهيم ومتعلقات النبي موسى وعمامة النبي يوسف 
TRT عربي