تابعنا
أظهرت نتائج استطلاع صحيفة معاريف العبرية الأسبوعي تراجع حزب "الليكود"، الذي يقوده نتنياهو، في عدد مقاعد الكنيست (البرلمان) وتقدُّم المعارضة.

عكست عملية التوغل الإسرائيلية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، الملجأ الأخير للنازحين، رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إطالة أمد الحرب، وتعقيد أي عملية مفاوضات للتوصل إلى هدنة مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

يمضي نتنياهو في عملية رفح رغم الضغط الأمريكي والانتقادات الدولية، إذ طالب جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم السبت 11 مايو/أيار الفلسطينيين بإخلاء مناطق جديدة في مدينة رفح مع توقعات إسرائيلية بأن العملية ستستمر شهرين.

عزلة واضحة وضغوط داخلية

أفاد تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز أنه مع ارتفاع عدد القتلى في غزة أدارت الدول ظهرها لإسرائيل، إذ إن العواقب المترتبة على هذه القرارات من الأمن إلى الاقتصاد تهدد بتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة.

وسلّط التقرير الضوء على أبرز مظاهر العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل حاليّاً، من تعليق تركيا التجارة مع إسرائيل والدعوى القضائية في محكمة العدل الدولية، في ما إذا كان القادة الإسرائيليون قد ارتكبوا جرائم إبادة جماعية، فضلاً عن اجتياح الاحتجاجات المدن والجامعات في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى قرار أيرلندا وإسبانيا اعترافهما بفلسطين دولة بحلول نهاية الشهر.

وحتى الولايات المتحدة، وهي الحليف الأقرب لإسرائيل والمساند لها منذ فترة طويلة، تهدد للمرة الأولى منذ بدء الحرب بحجب شحنات معينة من الأسلحة.

وبعد سبعة أشهر من تعهد معظم دول العالم بدعم إسرائيل في أعقاب عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجد تل أبيب نفسها معزولة على نحو متزايد، وفي ظل الحرب التي أودت بحياة أكثر من 34 ألف فلسطيني وتركت غزة على حافة المجاعة، فإن أي حسن نية دولية حشدته إسرائيل في السابع من أكتوبر قد ضاع تقريباً، حسب الصحيفة.

وأمام هذه العزلة يجد نتنياهو -وهو أطول رئيس وزراء إسرائيلي بقاء في السلطة- نفسه أمام تحدٍّ صعب في محاولة حفاظه على السلطة وأمام شعبية حزبه التي تتراجع.

ووصلت الضغوط الداخلية على نتنياهو أشدها مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي عندما خرج الإسرائيليون في مظاهرات متكررة مطالبين باستقالته، عقب فشله في تحرير المحتجزين الإسرائيليين وبسبب المسار الذي اتخذته الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة.

لكن نتنياهو يخشى أن تتفكك حكومة اليمين المتطرف التي يقودها إذا ما وافق على هدنة وقف إطلاق نار مع حماس، دون القضاء عليها نهائيّاً، وعلى المستوى الداخلي يهدد شركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف بتفكيك الحكومة إذا وافق على وقف إطلاق النار ولم يحاول إخراج حماس من رفح.

وأظهرت نتائج استطلاع صحيفة معاريف العبرية الأسبوعي تراجع حزب "الليكود"، الذي يقوده نتنياهو، في عدد مقاعد الكنيست (البرلمان) وتقدُّم المعارضة.

وقالت الصحيفة إنه "لو جرت انتخابات اليوم فإن حزب الليكود سيحصل على 17 فقط من مقاعد الكنيست الإسرائيلي، وعددها 120"، مقارنة بـ19 مقعداً في استطلاع الأسبوع الماضي.

وردّت الصحيفة تراجع حزب "الليكود" إلى العملية البرية في رفح، والركود في حرب الاستنزاف في الشمال (جنوب لبنان)، والجمود المستمر بمفاوضات صفقة المحتجزين، وتهديد الرئيس الأمريكي جو بايدن بوقف تزويد إسرائيل بالذخائر الهجومية.

وفي تحليل حول شخصية نتنياهو، أشارت صحيفة معاريف إلى أن الانتقاد الأهم الموجه إليه الآن هو أنه يفعل كل شيء لمواصلة القتال، وتجنب اتخاذ قرار واضح وتجنب لجنة التحقيق، كما أنه يفعل كل شيء للبقاء في السلطة وأن المحتجزين ليسوا في ذهنه.

ويتطرق التحليل إلى شخصية نتنياهو الساعية إلى تمثيله بوصفه "منقذ الشعب اليهودي"، ويقول كاتب التحليل: "نتنياهو يرافقه شعور بالعظمة، ومهما كثرت الانتقادات الموجهة إليه، فهو لا يصاحبه شعور بالشك أو القلق أو الذنب الذي يتصف به الآخرون. الشخص الذي لديه بنية شخصية مثله متأكد من صحة طريقه، إذا أُجبر على النظر إلى الواقع وأدرك أنه لن يُذكر على أنه منقذ الشعب اليهودي، فسوف يصاب بالاكتئاب والقلق، ولن يكون لديه أي سبب حقيقي للحياة".

وفي خطاب ألقاه يوم 5 مايو/أيار الجاري في حفل افتتاح يوم ذكرى المحرقة، قال نتنياهو إن إسرائيل ستدافع عن نفسها حتى لو "أُجبرت على الوقوف بمفردها"، متحدياً بذلك الضغوط الدولية حول عملية اجتياح رفح.

وحسب تصريح مصدر سياسي يميني منخرط بعمق في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة لصحيفة هآرتس العبرية، يوجد شك كبير حول قدرة نتنياهو على اتخاذ القرارات وإدارة الحملة العسكرية، إذ "لا أحد حوله يحترمه أو يثق به، ولا حتى مجلس الأمن القومي بقيادة تساحي هنغبي".

وفي هذا السياق، يقول الأكاديمي والباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة إن "نتنياهو لا يشعر بتهديد لسلطته، فعلى المستوى الشعبي الاحتجاجات لا تزال متواضعة وليست جارفة، لا من احتجاجات أهالي المحتجزين ولا احتجاج قوة كابلان التي تطالب بانتخابات مبكرة، فهذه احتجاجات نتنياهو قادر على التعامل معها والتأقلم معها وتطويعها".

ويضيف هلسة لـTRT عربي أن "نتيناهو لو شعر بأي تهديد، فقد يلجأ إلى ما اعتاد فعله لقمع الخصوم، وهي فكرة نزع الشرعية والتخوين"، مشيراً إلى لجوئه إلى اتهام أهالي المحتجزين بأنهم "يساريون وأنانيون ويفضلون المصلحة لبضعة إسرائيليين على المصلحة العليا لإسرائيل".

لا فجوة داخلية حول عملية رفح

وأشار استطلاع للرأي نشرته القناة 13 يوم الأربعاء 8 مايو/أيار الجاري إلى أن 56% من الإسرائيليين يعتقدون أن الاعتبار الرئيسي لنتنياهو هو بقاؤه السياسي، مقابل 30% فقط يعتقدون أنه يحرر المحتجزين.

ووجد استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي أن ما يزيد قليلاً على نصف السكان يعتقدون أن التوصل إلى اتفاق لإنقاذ المحتجزين يجب أن يكون على رأس أولويات الحكومة، على حساب هدف تدمير تشكيلات حماس المتبقية.

لكن استطلاع منفصل أجراه معهد سياسة الشعب اليهودي (JPPI) وجد أن 61% يعتقدون أن جيش الاحتلال يجب أن يشن عمليته في رفح مهما حدث، وأظهر استطلاع القناة 13 أن 41% يؤيدون قبول الصفقة و44% يعارضونها.

وفي الوقت الحالي، يعتمد نتنياهو على اثنين من المتشددين من الكتلة الدينية القومية، هما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن إيتمار بن غفير، وكلاهما يرفض أي اقتراح للتسوية.

وقد اشتبك كلاهما مراراً وتكراراً مع بيني غانتس، الجنرال الوسطي السابق في جيش الاحتلال، الذي انضم إلى حكومة الطوارئ في زمن الحرب في أعقاب السابع من أكتوبر، وهو المنافس الرئيسي ليحل محل نتنياهو بعد انتخابات جديدة.

ويُعتبر كل من غانتس وحليفه غادي آيزنكوت، وهو قائد سابق آخر للجيش، عدوَّيْن لدودَيْن لحركة حماس، لكنهما يشعران بالقلق من تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة.

وحول الأصداء الداخلية في إسرائيل بين حكومة نتنياهو والمعارضة، لا سيّما مع ازدياد الفجوة بسبب عملية رفح، يرى الأكاديمي محمد هلسة أنه لا توجد فجوة في الداخل الإسرائيلي، وإنْ بدا الأمر أن نتنياهو هو الذي يتصدر مشهد المعاندة.

ويتابع: على الأقل توجد حالة من التماهي والانسجام، وحتى بعض الأصوات الخجولة التي انتقدت سلوك نتنياهو في ما مضى مثل غادي آيزنكوت وبيني غانتس، فإنهما يستمران في منح الشرعية لحكومة نتنياهو والبقاء داخلها، ودائمًا يقولان إنه إذا شعرا بأن نتنياهو يذهب إلى تعطيل الصفقة لاعتبارات شخصية فسنخرج.

ويضيف الباحث الفلسطيني أن "ما يجري اليوم على الصعيد السياسي حملات انتخابية، وكل منهم يدير حملته الانتخابية بطريقته، لذلك الذي يخرج عن سياق الحرب التي تمرّ بها إسرائيل يُقصى، فغانتس يريد الحفاظ على مستوى التأييد الشعبي الداخلي، خصوصاً أن استطلاعات الرأي الأخيرة منحت نتنياهو بعض الأصوات".

ويرى هلسة أنه "لا فجوة الآن، بل تقاطع وتماهٍ، فعلى صعيد الائتلاف الحاكم، توجد رغبة شديدة لدى بن غفير وسموتريتش في استمرار هذه الحرب، وهما لا يبتزان نتنياهو كما يقال لإطالة أمد الحرب، لأن لديه رغبة أكثر منهما في استمرارها، وبالتالي لا فجوة في موضوع الذهاب إلى رفح".

ويلفت إلى أن "كل المواقف القديمة الكلامية من قيادات هي مواقف شكلية وليست استراتيجيّاً ضدّ الذهاب إلى رفح، بل إنها مع ترتيب أولويات الحرب بحيث يحصل الإسرائيليون على ورقة المحتجزين ثم يعاودون الحرب على رفح".

وحول مستقبل المفاوضات مع حماس، يشير هلسة إلى أن نتنياهو كان لديه مسار استراتيجي قاتَل من أجله، وهو استمرار الحرب ودخول قواته إلى رفح حتى قبل أن تأتي المقاومة بموقف ردها الإيجابي، ما يؤكد أن لديه رغبة في هذه السردية.

ويتابع: على صعيد آخر، لدى نتنياهو مسار استعراضي للإيهام ومحاولة سحب البساط من تحت أقدام المنتقدين والمحتجين لمحاولة تنفيس الحراك الداخلي، وأيضاً محاولة إرضاء حليفه الاستراتيجي، الولايات المتحدة، التي تضغط عليه للموافقة على الصفقة.

ويوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أن نتنياهو يريد صفقة، وليس هدنة، أي يريد استعادة المحتجزين دون وقف إطلاق النار، على الصعيد الآخر المقاومة تريد الصفقة مقدمةً لضمان استمرار وقف إطلاق النار والهدنة المستدامة، وهذان أمران كل منهما ينفي ويناقض الآخر.

ويشير هلسة إلى أن نتنياهو يرى أن "لا شيء يقدّم من الوسطاء والأطراف حتى هذه اللحظة سيؤدي إلى وقف إطلاق النار، لذلك المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وإن حدث شيء في الأيام القادمة سيستمر نتنياهو بهذا الجنون".

TRT عربي
الأكثر تداولاً