السيسي في زيارة إلى جنوب السودان (Reuters)
تابعنا

تزامنت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى عاصمة جنوب السودان مع مناقشة لكبار ضباط الجيش المصري حول تفعيل دور بلادهم في حوض النيل، ومع أن الحدث الرئاسي كان في بؤرة الاهتمام فإنه من الصعب فصل الحدثين في ما يخص التحديات التي تواجهها القاهرة خاصة ما يتعلق بسد النهضة.

ورغم إخفاق النظام المصري في إدارة ملف التفاوض حول السد، فإن كلا الحدثين يعيد طرح التساؤلات حول استراتيجيات التفافية خارج غرف التفاوض اتبعتها القاهرة لتطويق السد أو لتخفيف آثاره السلبية عليها في الحد الأدنى.

إحياء مشروع قناة جونقلي

أثارت زيارة عبد الفتاح السيسي التي وصفها سيلفا كير ميارديت رئيس جنوب السودان بـ"بالتاريخية" الكثير من التساؤلات لجهة تزامنها مع الحرب التي اندلع أوارها في الشمال الإثيوبي.

وبعيداً عن ضجيج التكهنات بالجوانب الأمنية السرية للزيارة وارتباطها بالصراع في تيغراي، ذهبت بعض التحليلات إلى تباحث الطرفين حول إحياء العمل على قناة جونقلي التي توافق السودان ومصر على شقها في منطقة جونقلي بجنوب السودان.

وكان الهدف من هذه القناة توفير 55 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من خلال استيعاب المياه الزائدة من المستنقعات وكميات المياه الهائلة التي تتبخر دون الاستفادة منها وتجفيف مليون ونصف من الأراضي الخصبة لزراعتها، وأنجز 260 كيلومتراً من طول القناة البالغ 360 كيلومتراً بعد التوافق على بدء العمل على شقها عام 1974، لكن اندلاع الحرب في جنوب السودان 1983 أدى إلى توقف العمل بالمشروع حتى الآن.

كما وضع محللون أول زيارة لرئيس مصري إلى جنوب السودان في سياق أوسع يتضمن محاولة بلاده استعادة نفوذها في دول حوض النيل، من خلال العديد من الاستثمارات الملحة لتلك الدول ولا سيما في مجال الطاقة، بما يصب في الكسب الاستراتيجي للقاهرة.

صناعة الطاقة في دول حوض النيل

شهدت السنوات الأخيرة نشاطاً مصرياً ملحوظاً في دعم مشاريع الطاقة في دول حوض النيل والبحيرات، ضمن ما تصفه القاهرة بمبادرتها للحد من عجز الطاقة في القارة.

ويبرز في هذا الإطار ما أعلنته هيئة التصنيع العربية، وهي مؤسسة مملوكة للحكومة المصرية، عن عزمها بناء محطات للطاقة الشمسية في عدد من الدول الإفريقية وبقدرات متفاوتة، وبمنحة من الحكومة المصرية تقدر بـ12 مليون دولار.

وكان الدكتور أيمن حمزة المتحدث الرسمى لوزارة الكهرباء المصرية صرح أن الحكومة المصرية تكفلت ببناء محطة للطاقة الشمسية في أوغندا، وأن المهندسين المصريين سيقومون بتركيب محطة الطاقة الشمسية بقدرة 4 ميغاواطات.

ويأتي ذلك في أعقاب اتفاقية ثنائية تم توقيعها عام 2016 بين أوغندا ومصر ، تلتها مذكرة تفاهم في مايو/أيار 2017 قدمت مصر خلالها المنحة.

كما أعلنت مصر عام 2018 إقرارها تمويل وتنفيذ مشروع إنشاء ثلاث محطات لتوليد الكهرباء في إريتريا، بقدرة 4 ميغاواطات، وموافقتها على تكليف الهيئة العربية للتصنيع، وهيئة تنمية واستخدام الطاقة المتجددة (حكوميتان)، بتنفيذ مشروع إنشاء المحطات، بقيمة 7 ملايين دولار أمريكي.

في حين تعمل الشركة العربية للطاقة المتجددة التابعة للهيئة العربية للتصنيع على إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 1.5 ميغاواط فى جنوب السودان، وكذلك تدشين محطة طاقة شمسية بقدرة ميغاواطين فى الصومال.

وبحث وفد يضم عدداً من شركات المقاولات المصرية، والشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية مع وزير الكهرباء الجيبوتي يونس جيدي، التعاون في مجال الكهرباء، وإنشاء محطات للطاقة الشمسية.

في حين صرح مصدر حكومي لموقع "البورصة" المصري لاحقاً أن وفداً من مسؤولى الهيئة العربية للتصنيع زار مواقع المشروعات لتنفيذ المحطات في جيبوتي وأوغندا والكونغو.

كما جرى هذا العام توقيع مذكرة تفاهم بين مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية لبناء مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 50 ميغاواطاً في مقاطعة لوالابا، في حين سبقه عام 2016 تسلم العربية للتصنيع قطعة أرض لبناء محطتين لنفس الغرض قرب العاصمة كينشاسا، بتكلفة 6 ملايين دولار يوفرها الصندوق المصري للتعاون الإفريقي.

ووقع عام 2018 تحالف إيطالي مصري من خلال شركة أوراسكوم المقربة من السلطات على عقد لإنشاء محطة للطاقة الكهرومائية على نهر جيجا في بوروندي، بقدرة إنتاجية تصل إلى 50 ميغاواطاً بإجمالي تكلفة تبلغ 152 مليون دولار وبتمويل من مجموعة البنوك الدولية.

ربط مع السودان وسد في تنزانيا

لم يقتصر النشاط المصري في سوق الطاقة على دعم وإنشاء محطات توليد الكهرباء، فقد شهد شهر أبريل/نيسان من هذا العام البدء الرسمي للربط بين الشبكتين الكهربائيتين لمصر والسودان.

وأشار بيان لرئاسة مجلس الوزراء المصري إلى أن المرحلة الأولى من الربط تهدف إلى إمداد الجانب السوداني بقدرات على مدار الساعة تصل إلى 70 ميغاواطاً.

في حين تبلغ قدرة مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان 300 ميغاواط، كما تدرس الدولتان التوسع في المشروع ليصل إلى 3 آلاف ميغاواط في المرحلة الثانية، وتبلغ التكلفة الاستثمارية المتوقعة لمشروع الربط الكهربائي نحو 56 مليون دولار تخص الجانب المصري.

وصرحت الخبيرة المصرية في الشؤون الإفريقية أماني الطويل أن هناك توجهاً مصرياً للاهتمام بمصادر الطاقة البديلة سواء في السودان أو جنوب السودان، متوقعة أن تنجح القاهرةفي مجال الربط الكهربائي مع جنوب السودان كما فعلت من قبل مع الشمال.

وغير بعيد عن الدولتين يعمل تحالف مصري يضم شركتي (المقاولون العرب) الحكومية و(السويدي إلكتريك) الخاصة على بناء سد "يوليوس نيريري" لتوليد الطاقة الكهرومائية في حوض نهر روفيجي بتنزانيا، بقيمة إجماليَّة تصل إلى 2.9 مليار دولار.

وبينما أشار رئيس شركة المقاولون العرب محسن صلاح إلى أن "طاقة السد تصل إلى 2115 ميغاواطاً"، قال مصدرٌ حكوميٌّ مطّلعٌ إن القاهرة "دعمت طلبات التمويل التنزانية من المؤسسات الدوليَّة".

كما أكد الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري في لقاء مع وفد رفيع المستوى من مستشاري رئيس الجمهورية الكونغولي، رغبة بلاده في أن يكون لها دور في تنفيذ مشروع سد إنجا3 من خلال شركات القطاع الخاص المصرى وبدعم من الحكومة المصرية.

ويعد إنجا3 في جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر مشاريع السدود في العالم، ويتوقع أن ينتج حال إتمام إنشائه 44 ألف ميغاواط أي ما يعادل الطاقة المتولدة عن 40 مفاعلاً نووياً، وهو ما سيغطي جزءاً كبيراً من احتياجات القارة الإفريقية ويساهم في تصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا.

ويذهب مراقبون إلى أن هذا السعي المصري المحموم لا يعزى فقط إلى رغبة القاهرة في التحول إلى محور للطاقة الإقليمية، وهو ما كانت أديس أبابا ترغب فيه مع الانتهاء من سد النهضة، ولكن أيضاً إلى الرغبة المصرية في تقليل الجدوى الاقتصادية المتوقعة من السد بما قد يغري المانحين الدوليين بالتخلي عنه.

وبالنظر إلى أن هذه المشاريع تقع جميعها في دول حوض النيل أو دول مجاورة لإثيوبيا فإنها بالتأكيد ستخفض من اعتمادها الحالي أو المستقبلي على الكهرباء الإثيوبية، ممّا سيعني بالضرورة تقليص النفوذ المرتجى من التحكم في صنبور الطاقة المتدفقة من عنفات سد النهضة إلى دول الجوار العطشى لها، وهو ما يندرج في النهاية في سباق النفوذ في القارة بين القاهرة وأديس أبابا.

TRT عربي
الأكثر تداولاً