يسود خلاف بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي منذ 16 يناير/كانون الثاني الماضي (Hedi Azouz/AP)
تابعنا

تتواصل تفاعلات المشهد التونسي بعد تجميد الرئيس قيس سعيد مجلس النواب وإقالة رئيس الوزراء وأعضاء بارزين في الحكومة، ما أثار مخاوف على الديمقراطية في البلاد.

وقالت الثلاثاء مصادر من منظمات محلية التقت الرئيس التونسي من بينها اتحاد الشغل ذو التأثير القوي إن الرئيس أبلغها أنه يتعهد بحماية "المسار الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات".

وأبلغ سعيد المنظمات بأن الإجراءات الاستثنائية مؤقتة بسبب تعمُّق الأزمة وأن الحريات والحقوق لن تُمس بأي شكل.

ووصف رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي ما حدث بأنه "انقلاب"، في وقت أعلن فيه رئيس الحكومة المعفي من منصبه هشام المشيشي مساء الاثنين أنه غير متمسك بأي منصب في الدولة، وأنه سيسلم المسؤولية إلى رئيس الحكومة الذي سيكلفه الرئيس المهمة.

وجاءت تصريحات المشيشي في بيان نشره عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، ويعتبر أول تصريح له منذ إصدار الرئيس قيس سعيد مساء الأحد قرارات مفاجئة تضمنت تجميد اختصاصات البرلمان وإعفاء المشيشي من مهامه على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعيّن رئيسها.

وقال المشيشي: "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أكون عنصراً معطلاً أو جزءاً من إشكال يزيد وضعية تونس تعقيداً".

وأضاف: "محافظة على سلامة كل التونسيين، أُعلن اصطفافي كما كنت دائماً إلى جانب الشعب واستحقاقاته، وأعلن عن عدم تمسكي بأي منصب أو أية مسؤولية في الدولة".

ولفت المشيشي إلى أن ذلك يأتي "من منطلق الحرص على تجنيب البلاد مزيداً من الاحتقان في وقت هي فيه في أشد الحاجة إلى تكاتف كل القوى للخروج من الوضعية المتأزّمة التي تعيشها على كل المستويات".

كما أشار إلى أنه "سيَتولى تسليم المسؤولية للشخصية التي سيكلّفها رئيس الجمهورية رئاسة الحكومة في كنف سنّة التّداول التي دأبت عليها تونس منذ الثورة وفي احترام للنواميس التي تليق بالدولة، متمنّياً كل التوفيق للفريق الحكومي الجديد".

واعتبر أن "الفترة الماضية اتّسمت بتصاعد التشنج السياسي وفشل المنظومة السياسية التي أفرزتها انتخابات 2019 في تكوين حكومة نظراً للتباين الكبير بين متطلبات الشارع وأولويات الأحزاب السياسية التي واصلت في ترذيل المشهد البرلماني إلى حدّ القطيعة بين المواطن والسياسيين".

ولفت إلى أن "ذلك دفعه إلى تكوين حكومة كفاءات مستقلة والتشبث بهذا الخيار إلى اليوم قناعة منه أن المشهد السياسي لا يمكن أن يقود المرحلة الحالية".

وجاءت قرارات سعيد مساء الأحد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.

وحتى ظهر الاثنين عارض أغلب الكتل البرلمانية في تونس هذه القرارات، إذ عدتها حركة "النهضة" (53 نائباً من أصل 217) "انقلاباً"، واعتبرتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) "خرقاً جسيماً للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، ووصفتها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً)، بـ"الباطلة"، فيما أيدتها حركة الشعب (15 نائباً).

كما أدان البرلمان الذي يترأسه الغنوشي زعيم "النهضة"، بشدة في بيان لاحق، قرارات سعيّد، وأعلن رفضه لها.

في تلك الأثناء نفت حركة النهضة التونسية منع رئيسها ورئيس البرلمان راشد الغنوشي السفر أو وضعه تحت الإقامة الجبرية.

وذكرت الحركة في بيان الاثنين: "ننفي كل ما يروّج من أخبار زائفة حول تحجير السفر على رئيس البرلمان ورئيسها راشد الغنوشي ووضعه في الإقامة الجبرية". وأكدت الحركة أن "الغنوشي يعقد سلسلة من الاجتماعات حالياً".

تكثيف المشاورات

وفي مناسبة أخرى دعت حركة "النهضة" الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية إلى تكثيف المشاورات حول المستجدات الأخيرة التي عاشتها البلاد "حفاظاً على المكتسبات الديمقراطية".

جاء ذلك وفق بيان صادر عن المكتب التنفيذي لحركة "النهضة" الثلاثاء عقب اجتماع طارئ عقدته ليل الاثنين-الثلاثاء.

واعتبرت الحركة أن "الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية قيس سعيد غير دستورية وتمثل انقلاباً على الدستور والمؤسسات، بخاصة ما تعلّق منها بتجميد النشاط النيابي واحتكار كل السلطات من دون جهة رقابية دستورية".

وأضافت أن "ذلك ما أجمعت عليه كل الأحزاب والمنظمات وأهل الاختصاص".

وعبرت الحركة عن "تفهمها للمطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلى جانب الخطر الوبائي الكبير الجاثم على تونس (في إشارة إلى كورونا)، بما يجعل هذه القضايا أولوية مطلقة للبلاد تحتاج إلى إدارة حوار وطني ورسم خيارات جماعية قادرة على إخراج البلاد من جميع أزماتها".

ودعت إلى "تكثيف المشاورات حول المستجدات الأخيرة التي عاشتها البلاد حفاظاً على المكتسبات الديمقراطية، والعودة في أقرب الأوقات إلى الأوضاع الدستورية والسير العادي والقانوني لمؤسسات الدولة ودواليبها".

كما دعت سعيّد إلى "التراجع عن قراراته ومعالجة التحديات والصعوبات التي تعانيها البلاد ضمن الإطار الدستوري والقانوني الذي يتماشى والخيار الديمقراطي الذي ارتضاه الشعب التونسي، مع استئناف عمل مجلس نواب الشعب باعتبارها سلطة منتخبة ديمقراطياً".

وحيت الحركة "المؤسّسة العسكرية والأمنية الساهرة على أمن البلاد وسلامته ورمز وحدته وسيادته"، مجددة الدعوة إلى "النأي بها عن التجاذبات والمناكفات السياسية".

وأعربت عن "تقديرها لكل الذين رفضوا خرق الدستور والتعسف في تأويله وعبّروا عن مواقفهم بشكل حضاري وسلمي، ويخص بالذكر مناضلات الحركة ومناضليها".

ونبهت الحركة إلى "خطورة خطابات العنف والتشفّي والإقصاء على النسيج الاجتماعي الوطني وما يفتحه من ويلات، البلاد في غنى عنها". ونددت "بكل التجاوزات"، داعية إلى "الملاحقة القضائية لمقترفيها".

كما دعت الحركة كل التونسيين إلى "مزيد التضامن والتآزر والوحدة والتصدي لكل دعاوي الفتنة والحرب الأهلية".

دور القضاء

من جانبه أكد المجلس الأعلى للقضاء في تونس استقلالية السلطة القضائية وأن القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم غير القانون.

جاء ذلك في بيان صادر عن المجلس مساء الاثنين عقب لقاء جمع عدداً من أعضائه بالرئيس التونسي قيس سعيّد بقصر قرطاج.

وقال البيان: "جرى خلال الاجتماع مع سعيّد تأكيد استقلالية السلطة القضائية، وضرورة النأي بها عن كل التجاذبات السياسية، وعلى أن القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ويضطلعون بمهامهم في نطاق الدستور والقانون في حماية الحقوق والحريات".

وأشار إلى أنه جرى خلال اللقاء أيضاً "تأكيد أن النيابة العامة جزء من القضاء العدلي، يتمتع أفرادها بنفس الحقوق والضمانات الممنوحة للقضاء الجالس ويمارسون مهامهم في نطاق ما تقتضيه النصوص القانونية الجاري بها العمل".

مواقف الأحزاب

وبدورها رحبت رئيسة الحزب "الدستوري الحر" وكتلته البرلمانية عبير موسي الاثنين بما اتخذه الرئيس التونسي من قرارات، داعية إلى "الإصلاح الجذري".

وقالت موسي الذي يملك حزبها 16 مقعداً في البرلمان من أصل 217 إن "سعيد فعَّل الفصل (المادة) 80 من الدستور بالطريقة التي رآها صالحة".

وأضافت في فيديو نشرته عبر صفحتها على "فيسبوك": "نحن في صف الشعب في سبيل إنقاذ تونس من منظومة الدمار"، وفق وصفها.

واعتبرت موسي أن "الشعب التونسي عبر عن سعادته بقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد، لأنهم تخلصوا من الإخوان ومن راشد الغنوشي وهشام المشيشي"، حسب قولها.

وفي مناسبات عديدة أعربت موسي عن رفضها للثورة الشعبية في 2011 التي أطاحت بالرئيس التونسي آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011)، كما تُجاهر موسي وحزبها بعدائها المستمر لحركة "النهضة".

وبدورها دعت ثلاثة أحزاب تونسية الاثنين الطبقة السياسية للحفاظ على مكتسبات ثورة 2011، وحث أحدها الرئيس قيس سعيّد على "وضع خارطة طريق في إطار مؤتمر وطني عاجل للإنقاذ".

جاء ذلك في بيانات منفصلة لأحزاب "تحيا تونس" و"آفاق تونس" و"مشروع تونس"، غداة إعلان سعيّد تجميد اختصاصات البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة.

ودعت حركة "مشروع تونس" (3 نواب من 217) في بيان الاثنين، سعيّد، إلى "توضيح برنامج عمله خلال أجل الثلاثين يوماً الذي منحه لنفسه، وذلك بوضع خارطة طريق في إطار مؤتمر وطني عاجل للإنقاذ".

واقترحت أن ينتهي هذا المؤتمر بـ"تنظيم استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي وتعديل المنظومة الانتخابية برمتها".

فيما حثت حركة "تحيا تونس" (10 نواب) في بيان، الطبقة السياسية على "تحمُّل مسؤوليتها التاريخية وتقديم التنازلات الكفيلة بخفض مستوى الاحتقان في البلاد وإعادة بناء جسور الثقة مع الشعب للانطلاق في عملية الإنقاذ الشامل الصحي والاقتصادي والاجتماعي".

وشددت على أن "تونس لا تتحمل المزيد من الصراعات العقيمة وبحاجة إلى جهود جميع أبنائها لإنقاذ الصرح الجمهوري".

ودعت حركة "آفاق تونس" (نائبان) في بيان "رئاسة الجمهورية وكل القوى السياسية والمجتمع المدني للتجنّد للحفاظ على مكتسبات الثورة".

كما دعت إلى "الانخراط في إصلاح وتعديل وبناء صادق وشجاع لمسار ديمقراطي حقيقي وثورة اقتصادية واجتماعية ترتقي إلى تطلعات التونسيين".

ويُنظر إلى تونس باعتبارها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.

لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لا سيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً