يرى مراقبون أن تصرفات ماكرون وتصريحاته  لا تنطلق من موقف أصيل في الدفاع عن الحق في حرية التعبير (AP)
تابعنا

تحل هذه الأيام الذكرى السنوية الثانية لانطلاق حركة السترات الصفراء الاحتجاجية في فرنسا، في وقت تمر فيه البلاد بظروف صعبة سواءً على الصعيدين الاقتصادي والصحي، أو على الصعيد الاجتماعي بعد تصريحات ومواقف الرئيس إيمانويل ماكرون التي اعتبرها كثيرون معادية للمسلمين الذين يُشكّلون نحو 10% من سكان بلاده.

"حرية التعبير" الانتخابية

في مفارقة لافتة، يستعد البرلمان الفرنسي لمناقشة مقترح قانون يجرم تداول صور مسيئة إلى الشرطة بوسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يُصرّ فيه ماكرون على التمسك بموقفه المدافع عن نشر صور مسيئة إلى النبي محمد، بذريعة حرية التعبير.

ويرى مراقبون أن تصرفات ماكرون وتصريحاته لا تنطلق من موقف أصيل في الدفاع عن الحق في حرية التعبير، بقدر ما تحركها دوافع "انتهازية" في محاولة لجذب أصوات اليمين المتطرف، والاستفادة من الزخم الذي يحيط بصعود الإسلاموفوبيا في الغرب، لا سيما بعد إخفاقه في عدد من الملفات على رأسها الاقتصاد والوضع الصحي العام، في وقتٍ تتصدر فيه فرنسا الدول الأوروبية في عدد الإصابات بفيروس كوفيد-19 وتتجاوز فيه عدد وفياتها 45 ألفاً.

وعلى صعيدٍ موازٍ، تضغط نقابة الشرطة الفرنسية النافذة منذ فترة طويلة على الحكومة وأعضاء البرلمان، لاعتماد قانون يحميها من الصور والفيديوهات التي تصفها بـ"المسيئة" لها، والتي يتداولها ناشطون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً خلال احتجاجات السترات الصفراء.

ويقترح القانون الأمني الجديد حظر النشر لصور أفراد الشرطة والدرك "خلال أداء مهامهم في حفظ النظام العام"، ويفرض عقوبات ثقيلة تصل إلى السجن لعام كامل، وغرامة قدرها 45 ألف يورو.

من جهتها حذّرت منظمة العفو الدولي من أنه في حال إقرار القانون الجديد، فإن الحكومة الفرنسية ستنتهك ميثاق الأمم المتحدة الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، الذي يحمي حرية التعبير.

وتشير المنظمة الحقوقية الدولية إلى أن موقف ماكرون المروِّج لهذا القانون ليس جديداً على فرنسا التي وصفت سجلها في حرية التعبير بأنه "قاتم"، لافتة إلى أنه في كل عام يُدان آلاف الأشخاص بتهمة "ازدراء الموظفين العموميين". وخلصت المنظمة غير الحكومية إلى أن "الحكومة الفرنسية ليست نصيرة حرية التعبير كما تزعم، ففي 2019 أدانت محكمة فرنسية رجلين بتهمة الازدراء، بعد أن أحرقا دمية لماكرون خلال مظاهرة سلمية".

ماكرون يفتقر إلى فهم السياسة الخارجية، غطرسته لم تُقسم الشعب الفرنسي فحسب، بل خلقت أيضاً أزمة حقيقية تُهدد نسيج المجتمع

ياسر اللواتي - ناشط حقوقي فرنسي

"لا يسعني إلا أن أعدكم بالحرب على المسلمين"

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن ماكرون عن خطة مثيرة للجدل من أجل معالجة ما يسميه "الانفصالية الإسلامية" في فرنسا، زاعماً أن الدين الإسلامي يعيش "أزمة" في جميع أنحاء العالم، وأنه سيبذل جهوداً من أجل "تحرير الإسلام في فرنسا من التأثيرات الأجنبية".

ويرى رئيس "لجنة العدل والحريات للجميع" الناشط الفرنسي ياسر اللواتي، أن مواقف ماكرون الأخيرة تساعد على "إقصاء المواطنين المسلمين"، في البلد الذي تعيش به أكبر أقلية مسلمة في أووروبا. ويتساءل اللواتي: "كيف انتقل الحال من فرنسا التي احتفل بها العالم الإسلامي والعربي، لرفضها الانضمام إلى الولايات المتحدة في تدمير العراق عام 2003، إلى فرنسا اليوم التي تُنظّم الحملات لمقاطعتها في ظل حكم ماكرون؟".

ويجادل اللواتي في حوارٍ أجرته معه وكالة الأناضول، بأن "ماكرون يفتقر إلى فهم السياسة الخارجية، غطرسته لم تُقسم الشعب الفرنسي فحسب، بل خلقت أيضاً أزمة حقيقية تُهدد نسيج المجتمع".

من جهته يصف فريد حافظ أستاذ العلوم السياسية والمحاضر في جامعة سالزبورغ بالنمسا، تحركات ماكرون بأنها "مظهر من مظاهر التمييز على أساس القانون".

ويضيف حافظ للأناضول: "ماكرون يتبع استراتيجيته في إيجاد هوية فرنسية للمسلمين، تكون في المقام الأول غير مرئية، وثانياً غير مؤذية سياسياً، ولا تشكك في الوضع الراهن لسياسات فرنسا التمييزية تجاه سكانها المسلمين".

وبينما تستعد فرنسا لإجراء انتخاباتها الرئاسية في أبريل/نيسان 2022، تظهر استطلاعات الرأي أن السباق الانتخابي سيشهد صراعاً ساخناً بين ماكرون والسياسية القوية مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف.

ووفقاً لأنس بيرقلي الباحث في مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA)، فإن ماكرون يحاول التغلب على مشاكل سياسته الداخلية والخارجية بـ"جعل الإسلام والمسلمين كبش فداء".

ويتفق اللواتي مع هذا الطرح، مشيراً إلى أن "الرئيس الفرنسي ليس لديه أي شيء آخر يُظهره في الحملة الانتخابية، لأنه ببساطة فشل اجتماعياً واقتصادياً". ويضيف: "ليس لدى ماكرون ما يقدمه لنا، بصرف النظر عن سياسات الهوية، لذا فإن ما يقوله هو في الأساس: لا يمكنني منحك مستقبلاً مشرقاً، ولا يسعني إلا أن أعدكم بالحرب على المسلمين".

الهجمات المتزايدة سنوياً ضد المسلمين في فرنسا قد كشفت أن الإسلاموفوبيا نجحت في تأجيج التمييز ضد المسلمين في فرنسا على مستوى الدولة، بعد أن كانت رهاباً على المستوى الاجتماعي

حزال دوران - باحثة سياسية

"طابع مؤسسي"

لا شك أن ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا والغرب ليست جديدة، ولكن المختلف هذه المرة يتمثّل في إضفاء "طابع مؤسسي" عليها، حسبما يرى مراقبون.

في هذا الصدد، تقول الباحثة السياسية حزال دوران إن ماكرون يسعى إلى مأسسة الممارسات المعادية للإسلام والمسلمين، في إشارة إلى مشروع قانون قال الرئيس الفرنسي إن حكومته ستطرحه في ديسمبر/كانون الأول المقبل، بهدف التصدي لما سمّاه "الإسلام الانعزالي".

وتشير دوران في مقال نُشِر على موقع TRT عربي، إلى أن "الهجمات المتزايدة سنوياً ضد المسلمين في فرنسا قد كشفت أن الإسلاموفوبيا نجحت في تأجيج التمييز ضد المسلمين في فرنسا على مستوى الدولة، بعد أن كانت رهاباً على المستوى الاجتماعي".

وعلى الرغم من انتماء ماكرون إلى التيار الليبرالي الواسع، والذي كان يُفترض به أن يكون أكثر تسامحاً في التعامل مع الآخر لا سيما الآخر المسلم أو العربي، إن قارناه بالخطاب اليميني المتطرف، فإن الأزمة تزداد عمقاً، الأمر الذي يراه الصحفي الفرنسي ورئيس التحرير السابق لصحيفة "لوموند ديبلوماتيك" آلان غريش مبرراً لأن الخطاب الليبرالي الحالي لا يمكنه التعامل مع الأزمة على نحو جاد.

ويقول غريش في حوارٍ أُجري معه مؤخراً ونُشِر على أحد المواقع الصحفية: إن "ما يجعل الخطاب الليبرالي (السائد في أوروبا حالياً) مزيّفاً في معالجته لقضية المهاجرين ليس غياب الرؤية التحليلية، بل غياب مواكبة القضية من الأصل وعدم فهم إشكاليات المجتمعات المصدّرة للمهاجرين".

في السياق نفسه، انتقدت النائبة البرلمانية الفرنسية كليمينتي أوتين تنامي ظاهرة معاداة الإسلام واستهداف المسلمين في فرنسا، وقالت في مقابلة تلفزيونية: إن "الإسلاموفوبيا المتزايدة تقود البلاد إلى وضع خطير وشفا حرب أهلية"، لافتة إلى أن "مواقف وخطابات اليمين المتطرف شكلت مناخاً من الكراهية في البلاد. وهو ما جعل سياسيين كُثراً يتصرفون كأنهم في سباق حول من سيكون يمينياً متطرفاً أكثر".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً