قاسم سليماني كان بمثابة الرجل الثاني في البلاد بعد خامنئي (AFP)
تابعنا

فجر الجمعة الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري، استيقظ العالم على نبأ اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ومهندس النفوذ والسياسة الخارجية لطهران، بغارة جوية خلال مغادرته مطار بغداد.

وخلافاً لكثير مما كان يجري تحت الطاولة من رسائل ومعارك بين إيران والولايات المتحدة، تبنت واشنطن العملية بوضوح، وأعلنت وزارة دفاعها أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هو من أصدر التعليمات لعملية اغتيال سليماني الذي كان يمثّل "تهديداً وشيكاً للأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية" حسب واشنطن.

ارتدادات داخلية

وبقدر ارتدادات عملية الاغتيال على المنطقة، وما تبعها من قصف إيراني بعشرات الصواريخ على قواعد أمريكية في العراق حوّل العالم بأسره إلى خلية أزمة مستمرة لاحتواء التصعيد ومحاولة الوصول إلى حلول دبلوماسية، فإن اغتيال سليماني سلّط الأضواء من جديد على الوضع الداخلي الإيراني وتوازنات القوى والنفوذ بين جناحي الحكم في البلاد، معسكر المحافظين بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي ودعم الحرس الثوري وعلى رأسه سليماني، والمعسكر الإصلاحي الذي يقوده الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.

تحت عنوان "الإيرانيون يتَّحِدون خلف قياداتهم بعد اغتيال الولايات المتحدة قائدهم العسكري" نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريراً، ألقت فيه الضوء على رد الفعل داخل إيران بعد مقتل سليماني، وأشارت إلى اصطفاف الإيرانيين خلف قيادتهم، واحتشاد مئات آلاف المواطنين في شوارع المدن الإيرانية متشحين بالسواد في موكب حداد ووداع لسليماني، وهي ذات الشوارع التي شهدت قبل أسابيع قليلة مظاهرات غاضبة بسبب تردي الوضع الاقتصادي.

لكن في الوقت الحالي على الأقلّ، تبدو إيران متحدة في غضبها وعزمها على الانتقام من الولايات المتحدة، حتى إن الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي كان يتبنى سياسة الدبلوماسية والتفاهم مع الغرب، كتب على تويتر: "سوف ينتقم الشعب الإيراني بلا شك ممن ارتكب هذه الجريمة المروعة".

تاريخ الصراع

ورغم ما بدا من توحُّد، آنيّ، في المواقف بعد حادثة الاغتيال، فإن الصراع بين جناحي الحكم في إيران يعود تاريخه إلى أكثر من 40 عاماً، مع بدايات الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979، عندما انتُخب أبو الحسن بني صدر رئيساً في عام 1980، ليُقال بعدها بأشهر من منصبه بقرار من البرلمان وإيعاز من الخميني كما يروي بني صدر في مقابلة مع رويترز.

تواصل الصراع بين المعسكرين، وكانت انتخابات الرئاسة عام 2009 إحدى أبرز تجلياته، إذ شهدت إيران حملة قمع ضدّ المظاهرات الحاشدة التي خرجت رفضاً لنتائج الانتخابات، بعد إعلان فوز الرئيس المحسوب على المحافظين أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، حينها أُطلِقَ على المظاهرات اسم "الانتفاضة الخضراء"، واعترض الإصلاحيون على النتيجة وأشاروا إلى حدوث تزوير من المرشد وأتباعه لصالح نجاد.

الملف النووي والتعامل مع الدول الغربية، يمثِّل آخر فصول هذا الصراع، فمعسكر الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف يرون أهمية "التعامل البنَّاء" مع الغرب والوصول إلى اتفاق والانخراط في المؤسسات الدولية، وهم من خاض المفاوضات مع الدول الغربية وما نجم عنها من اتفاق عُرف بخطة العمل الشاملة المشتركة الموقَّع عام 2015 مع القوى الغربية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إضافة إلى روسيا والصين). أما المعسكر الآخر فيشككون في النية الغربية تجاه طهران ويرفضون ما جرى من توقيع على الاتفاق ويعتبرون أن حلّ الأزمة داخليّ.

صعود المحافظين

انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من الاتفاق النووي منتصف 2018، وفرض عقوبات اقتصادية على طهران وتشديدها ضمن سياسة الضغط القصوى، تَسبَّب في صعود الصراع الداخلي الإيراني إلى العلن من جديد، وعزز موقف المحافظين الذين وجهوا انتقادات قاسية إلى روحاني وظريف وصلت إلى حدّ الاتهام بالخيانة وتحميلهما المسؤولية عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد.

التصعيد الكبير حينها بين الطرفين، دفع ظريف إلى تقديم استقالته في فبراير/شباط 2019 في تغريدة له على تويتر، ورغم رفض روحاني الاستقالة واستمرار ظريف في منصبه، فإن تلك الأزمة شهدت تصريحات ومعارك كلامية، كشفت بوضوح عن تيارين متنافسين داخل إيران، وصلت إلى حد مطالبة روحاني بانتخاب المرشد الأعلى بشكل مباشر من الشعب، رافضاً قول المحافظين إن سلطة المرشد أعلى من أن تخضع للتصويت المباشر.

لكن يبدو أن عملية الاغتيال ساهمت في تعزيز نفوذ المحافظين، وتقويض موقف مَن كانوا يدعون إلى التحاور مع الغرب، على الأقل في الوقت الحالي، كما ستساهم في احتشاد الجميع خلف القيادة، كما يؤكد الباحث في شؤون الشرق الأوسط والعميد السابق لكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز، ولي نصر، في تقريره بنيويورك تايمز.

ويؤكّد نصر أنه "على المدى القصير على الأقلّ، سوف يؤدي الاغتيال إلى احتشاد الجميع خلف القيادة، فقد كان سليماني شخصيةً شعبيةً بارزة". وأشار وليّ نصر إلى أن موقف الإصلاحيين كان صعباً حتى قبل اغتيال سليماني، مرجِّحاً تقدُّم المحافظين في الانتخابات التشريعية المقررة في إيران الشهر المقبل.

خليفة خامنئي

ورغم صعود المحافظين بزعامة المرشد الأعلى وتعزيز سيطرتهم في ظلّ الأحداث والتطورات الأخيرة، فإن تقدُّم خامنئي في السن، إذ تجاوز 80 عاماً، وظروف مرضه، فضلاً عن رحيل المُرشَّح الأقوى لخلافته محمود الهاشمي الشاهرودي المقرب من خامنئي نهاية عام 2018، فتح باب التساؤلات حول من يخلف خامنئي، وإلى أين سيصل الصراع بين جناحي الحكم في إيران.

تحت عنوان "معركة إيران لخلافة خامنئي قد بدأت"، كتبت الباحثة في مؤسسة الجزيرة العربية جنيف عبده مقالاً في ناشونال إنترست "أشارت فيه إلى أن إيران سيحكمها بعد المرشد الحالي رمز ديني مثله، "لكنه أقل قوة، وأكثر ارتباطاً بالحرس الثوري".

وترى الكاتبة أن "النقاشات حول مَن سيخلف المرشد تفتح الباب للحديث حول الطريقة التي ستُحكَم بها إيران، فخامنئي يقترب من نهاية مسيرته السياسية، وحاول طوال فترة حكمه التأكد من عدم وجود أي من الفصائل في الدولة، معتدلة أم متشددة، قادرة على تحدي سلطته".

وتشير الكاتبة إلى أن مسألة خلافة خامنئي ستؤدي إلى أزمة سياسية في البلاد، أيّاً كان مَن يَخلُفه، بعد أن استطاع خامنئي على مدى 30 عاماً تعزيز دور المرشد "باعتباره صاحب السلطة العليا المتجاوز لسلطة الرئيس ووزير الخارجية وحتى القادة العسكريين".

كل ذلك يطرح تساؤلات عديدة حول ارتدادات عملية اغتيال سليماني على الجبهة الداخلية الإيرانية، وتأثير غياب رجل خامنئي الأول على معسكر المحافظين وتوازنات القوة والنفوذ داخل دوائر الحكم في إيران.

ظريف يقدم استقالته على حسابه على إنستغرام (إنستغرام)
مسيرات حاشدة في إيران في موكب وداع سليماني (AFP)
أبو الحسن بني صدر أول رئيس لإيران بعد الثورة عام 1979 (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً