الرئيس التونسي قيس سعيد بجوار آلية عسكرية للجيش التونسي  (AFP)
تابعنا

لكن العودة عنها، في ذات الوقت، لن تكون سهلة، فالانقلابيون سيهربون إلى الأمام بمزيد من التخريب وفرض أمر واقع يتدحرج بالبلد من السيئ إلى الأسوأ منه. أثمان كثيرة ستدفع بالقطاعي، أي بالتفصيل، وستتغير الساحة السياسية وسيحسب كثيرون مكاسبهم وخساراتهم. لكن الخسارة الكبرى ستكون تهديد الحريات، وهو مكسب فريد ولو لم ينتج حلولاً اقتصادية.

الصعوبات التنفيذية

البيان رقم واحد حاول البقاء تحت تأويل محدد للدستور، وقد طعن أكبر فقهاء القانون الدستوري عياض بن عاشور في دستورية قرارات الرئيس، لكن عدم حل المؤسسات المنتخبة بشكل قطعي وإعلان حكومة إنقاذ وطني صريحة لا تستمد صلاحيتها إلا ممَّا تفعل ترك فجوة كبيرة في تنزيل الإجراءات.

من ذلك شكلية أداء القسم وشكلية الاستلام والتسليم. لذلك سيجنح الرئيس وفريقه وحكومته إلى العمل بالمراسيم الرئاسية خلال مهلة الشهر (مهلة تجميد البرلمان)، ثم تتحول المراسيم إلى دستور موازٍ تفوق في مجالها الدستور وتلغيه عملياً.

إلغاء العمل بالدستور، واعتماد البيانات التي لها نفس القوة القانونية سيجعل الدستور لاغياً عملياً، وهنا تنشأ شرعيتا حكم: شرعية الحكم بالمراسيم، وشرعية معارضتها بنص الدستور. شرعيتان تقتتلان وبلد يقسم بينها.

لتجاوز ذلك إجرائياً سيتم العمل دون مرور الحكومة أمام البرلمان المغلق، ثم تعميق الشرخ ببدء تفكيك الكتلة الحزبية المدافعة الآن عن البرلمان والدستور، وهذا سيكون بمحاكمات سياسية في الأفق بما في ذلك استعادة ملفات الاغتيال السياسي وتكييفها.

وقد وقع انقلاب في الجهاز القضائي لم يوله الكثيرون أهمية تمثل باستبعاد القاضي بشير العكرمي الذي وقف ضد تسييس ملف الاغتيالات وحرص على المعالجة القانونية. ويكفي اعتقال رئيس النهضة (أو تحجير تحركه) ورئيس قلب تونس ليتفكك اعتصام حماية الدستور الذي يتشكل الآن أمام البرلمان. ونظن أن هذه هي خطوات الساعات القادمة، سيقوم الرئيس بتغيير الوقائع على الأرض بما ينهي صلاحيات البرلمان ويجعله عديم الفائدة.

أجل الشهر متسع جداً للقيام بأفعال كثيرة

توقعنا أن مجرد التفكير في انتخابات أمر مستبعد، فالعودة إلى الصندوق مهما كان القانون المنظم تعني العودة إلى حياة سياسية تسمح بفرز قاعدي، وهذا أمر يخيف الانقلاب. لذلك فإن مسار الانتخابات والتعددية قد صار من الماضي، وننتظر إصدار مراسيم سريعة لحكم دائم بلا انتخابات بنفس ذريعة استعمال الفصل 80، فالخطر الداهم سيظل داهماً أبداً.

ونكتب في اللحظة التي أغلق فيها مقر قناة الجزيرة بتونس لكن لم يتم بعد قطع النت عن الجمهور، ربما يحتاج الانقلابيون إلى ذلك لتنظيم حركتهم عملياً. نحن نرى حكومة تقرر وتنفذ وقد بدأت في تضييق هامش الحرية في انتظار إغلاق كل منافذ التعبير لتتضح أركان الانقلاب على الحرية.

حتى اللحظة الرئيس وفريقه يستبقون ويغيرون الوقائع على الأرض، لقد أغلق مقر البرلمان ومقر الحكومة ومُنع الموظفون من الالتحاق بالمكاتب، بما يعني عملياً نقل مقر الحكم إلى قرطاج حيث يشرف الرئيس بنفسه على تثبيت الانقلاب.

بينما نلاحظ الذهول والحيرة على الصف المعارض للانقلاب، فحزب النهضة يبدو معنياً قبل غيره بما جرى لكنه لا ينظم حركة في الشارع تشعر الانقلاب بالعجز أو تدعوه إلى التراجع. بل نرى أفق اعتصام رابعة بدون خيام ثابتة، والأخبار تفيد بمنعهم من تثبيت اعتصامهم أمام البرلمان.

الشخصيات الاعتبارية لم تعرب عن مواقف واضحة باستثناء الرئيس السابق المنصف المرزوقي والذي لم يظهر في الشارع بعد. هناك حالة انتظار لفائز لاتخاذ موقف واضح، والفائز حتى الآن هو فريق الانقلاب بما سيحصر الصفوف ويجليها، فنكون في مشهد شبيه بمشهد رابعة (تونس ضد النهضة)، وقبل ذلك مشهد تونس عام 1991 عند بدء مجزرة النهضة.

قد لا يكون الرئيس محتاجاً إلى شهر كامل، ستكون الوقائع على الأرض قد تغيرت بحيث لا يمكن التراجع إلى ما قبل 25 يوليو/تموز. لقد صار هناك ما قبل هذا التاريخ وما بعده. لكن إلى متى يمكن الصمود أمام الوضع الأمني المتحرك الذي سيرهق الجميع؟ ومتى يبدأ جنى فوائد الانقلاب الاقتصادية وهي حجة الانقلاب الظاهرة؟ من هنا سيدخل الضعف على الحركة الانقلابية، ومن هنا سيجد ضرورة لتخفيف التوتر والبحث عن مخارج. لكن هل أبقى الانقلاب على محاور يجلس معه؟

من السهل بدء انقلاب ولكن يحتاج الأمر إلى مائدة حوار للنزول من فوق الشجرة.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً