تابعنا
شهدت الإمارات سقوط أمطار غزيرة على مناطق واسعة، حيث أظهرت مقاطع مصوّرة من مدينة دبي شوارع وأحياء غمرتها المياه بشكل كامل فيما عَلَقَت السيارات ودخلت المياه إلى بعض المنازل ومراكز التسوق.

ضربت عاصفة مطرية شديدة غير مسبوقة ورياح قوية، منطقة الخليج، مما أدى إلى فيضانات وسيول أغرقت الطرقات، فضلاً عن إلغاء الرحلات الجوية وإغلاق المؤسسات الحكومية والمدارس وتوقف حركة المرور.

العاصفة ضربت سلطنة عُمان في البداية ثم انتقلت إلى الإمارات ودول خليجية أخرى وبلغت ذروتها يوم الثلاثاء 16 أبريل/نيسان، مما أسفر عن وفاة 20 شخصاً في عُمان وواحد في الإمارات.

وفي مدينة دبي الإماراتية، حاصرت الفيضانات السكان في حركة المرور والمكاتب والمنازل، وأفاد كثيرون بتسربات في منازلهم، فيما أظهرت لقطات متداوَلة على وسائل التواصل الاجتماعي مراكز تجارية تجتاحها المياه المتدفقة من أسطح المنازل.

أكبر عاصفة في الإمارات منذ 75 عاماً

شهدت الإمارات سقوط أمطار غزيرة على مناطق واسعة، حيث أظهرت مقاطع مصوّرة من مدينة دبي شوارع وأحياء غمرتها المياه بشكل كامل فيما عَلَقَت السيارات ودخلت المياه إلى بعض المنازل ومراكز التسوق.

وأعلن مطار دبي الدولي أنه يواجه صعوبات تشغيلية بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت على البلاد، حيث أُخِّر بعض الرحلات فيما حُوِّلت مسارات رحلات أخرى.

بدورها قالت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) إن البلاد شهدت هطول أكبر كميات أمطار في تاريخها الحديث بين يومَي 16 و17 من أبريل/نيسان في الكثير من المناطق، وهي الأكبر منذ بدء تسجيل البيانات المناخية في عام 1949.

وأكد المركز المركز الوطني للأرصاد أن الكميات القياسية للأمطار التي هطلت تعد "حدثاً استثنائياً"، حيث شهدت منطقة "خطم الشكلة" بالعين هطول 254.8 ملم في أقل من 24 ساعة، لافتاً إلى أن هطول الأمطار بهذه الغزارة "يسهم في زيادة المتوسط السنوي للأمطار في الإمارات، وكذلك في تعزيز مخزون المياه الجوفية بشكل عام".

وحسب المركز الوطني للأرصاد، تكونت سحب ركامية على المناطق الساحلية، وتحركت باتجاه المناطق الشرقية والشمالية، صاحبها سقوط أمطار مختلفة الغزارة مع البرق والرعد، مع سقوط البَرَد على بعض المناطق.

من جهتها، صرّحت الدكتورة دلال مطر الشامسي، أستاذة مشاركة في قسم علوم الأرض، ومدير المركز الوطني للمياه والطاقة في جامعة الإمارات العربية المتحدة لوكالة "وام" بأن الأمطار الغزيرة المصاحبة للمنخفض الجوي الذي شهدته الدولة مؤخراً تعد "ثروة مائية ورحمة كبرى، حيث غسلت الأمطار الغبار الجوي وخففت من تركيز الملوثات في الهواء والتربة والمياه، وظهرت معها الأراضي الرطبة والوديان التي روت المسطحات الزراعية".

تلقيح سحب أم تغيُّر مناخي؟

في أعقاب العاصفة أُثيرت تساؤلات حول ما إذا كان تلقيح السحب (الاستمطار)، وهي العملية التي تُجريها دولة الإمارات بشكل متكرر لزيادة هطول الأمطار، قد تسبب في هطول الأمطار الغزيرة، إذ كثرت التكهنات على مواقع التواصل الاجتماعي لتفسير هطول الأمطار غير المسبوق، إلّا أن خبراء الطقس ألقوا باللوم على ظاهرة الاحتباس الحراري في مثل هذه الأحداث المناخية الشديدة.

ويندر هطول الأمطار في الإمارات وأماكن أخرى في شبه الجزيرة العربية، التي تشتهر عادةً بمناخها الصحراوي الجاف، حيث يمكن أن ترتفع درجات حرارة الهواء في الصيف إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

ونفت وكالة حكومية إماراتية تشرف على تلقيح السحب، حدوث أي عمليات من هذا القبيل قبل العاصفة، وقال المركز الوطني للأرصاد الجوية، وهو فريق عمل حكومي مسؤول عن مهام تلقيح السحب في دولة الإمارات، في تصريح لموقع "سي إن بي سي" إنها لم ترسل طيارين لعمليات تلقيح السحب قبل أو في أثناء العاصفة التي ضربت الإمارات يوم الثلاثاء.

وقال عمر اليزيدي، نائب المدير العام للمركز الوطني للأرصاد للموقع، إنه "من المبادئ الأساسية لتلقيح السحب أنه عليك استهداف السحب في مرحلتها المبكرة قبل هطول الأمطار، إذا كانت لديك حالة عاصفة رعدية شديدة فقد فات الأوان لإجراء أي عملية تلقيح".

ووفق "وام" يلجأ كثير من دول العالم، ومن أبرزها دولة الإمارات، إلى تنفيذ عمليات الاستمطار بهدف زيادة كميات الأمطار عن طريق تلقيح السحب من خلال استخدام الطائرات، إذ تسهم هذه العمليات في رفع الحصاد السنوي من مياه الأمطار ودعم الوضع المائي للدولة وزيادة معدلات الجريان السطحي للأودية ودعم المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية.

وتقوم تقنية الاستمطار، أو البذر السحابي، أو تلقيح السحب، على نثر مواد كيميائية بلّورية مثل كلوريد الصوديوم أو كلوريد البوتاسيوم أو يوديد الفضة باستخدام طائرات مأهولة أو مُسيرة، تعمل هذه البلّورات على تشكيل نواة تكاثف تجتمع فيها قطرات الماء وتساعد على تشكيل حبات المطر وتعزيز الهطولات المطرية في المناطق الجافة وإعادة شحن المياه الجوفية، وفق الكاتب المتخصص في قضايا البيئة والتنمية المستدامة، زاهر هاشم.

ويوضح هاشم في حديثه مع TRT عربي أن الفرق بين الاستمطار والهطول الطبيعي للمطر هو أن الأخير يحدث بسبب تبخر المياه من المسطحات المائية (البحار والمحيطات) بسبب حرارة أشعة الشمس، وتبخر المياه من المساحات الخضراء بسبب "عملية النتح"، ثم يرتفع بخار الماء فوق سطح الأرض ويتشكل على شكل سحب تتكاثف بسبب انخفاض درجات الحرارة حتى تتساقط منها الأمطار والثلوج بسبب وصول كميات المياه إلى حد التشبع وعدم قدرة طاقة الهواء على حملها.

وتزداد كميات التبخر من المسطحات المائية خلال فصل الصيف، لكنَّ السحب لا تصل إلى حد التشبع القادر على إنتاج الأمطار بسبب قدرة الهواء الساخن على حمل كميات أكبر من المياه، وفق هاشم.

ويشير إلى أنه مع زيادة تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة تزداد كميات التبخر من المسطحات المائية بشكل كبير وتتجمع كميات هائلة من المياه على شكل سحب ركامية كثيفة تفوق قدرة الهواء الساخن على حملها، وينتج عن ذلك هطول كميات هائلة من الأمطار خلال وقت قصير جداً، وتُسبب سيولاً وفيضانات مفاجئة لا تستطيع البنية التحتية للمدن التعامل معها بشكل فعّال، وتنتج عنها فيضانات عارمة تغمر الشوارع وتدمر بعض المنشآت، وتعد السيول المفاجئة والأعاصير المدارية الشديدة أبرز الظواهر المناخية المتطرفة المرتبطة بظاهرة تغير المناخ.

ويضيف أن دولة الإمارات تعد واحدة من أكثر الدول التي تشهد ندرة في مياه الأمطار على مستوى العالم، إذ يصل معدل هطول الأمطار السنوي فيها إلى أقل من 100 ملم، وتُستنزف فيها المياه بشكل متسارع بسبب انتشار توسُّع المناطق الحضرية فيها في العقود الأخيرة، لذلك تجري تجارب الاستمطار فيها بشكل متكرر من خلال برنامج متخصص يتبع المركز الوطني للأرصاد.

ويلفت الكاتب المتخصص في قضايا البيئة والتنمية المستدامة إلى أن منطقة الخليج تعاني بشكل عام نقصَ الموارد المائية واستنزافَ المياه الجوفية، وتتَّبع برامج مماثلة للاستمطار.

ولا يعتقد هاشم أن يكون الاستمطار هو سبب الفيضانات الحالية، معللاً ذلك بأن وظيفة الاستمطار هي تحفيز السحب الموجودة ومساعدتها على التكاثف بشكل أسرع والتشبع لإنتاج الأمطار، ولا يمكن إنتاج السحب من فراغ، لذلك من غير الممكن القول إن الاستمطار هو سبب الفيضانات الغزيرة.

ويردف: "يمكننا الجزم بأن ظاهرة الاحترار العالمي أدت إلى ارتفاع درجة حرارة البحار المحيطة في دبي، التي أدت إلى زيادة معدلات التبخر وتراكم هذه الكميات الكبيرة من الأمطار".

على العكس من ذلك يمكن لعمليات الاستمطار أن تساعد على الاستفادة بتوجيه الهطولات المطرية إلى مناطق محددة يسودها الجفاف أو إسقاط المياه فوق المحيطات قبل أن تسقط فوق المدن، حسب هاشم.

ويتفق علماء المناخ على أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية، الناجم عن تغير المناخ الذي يقوده الإنسان، يؤدي إلى مزيدٍ من الظواهر الجوية المتطرفة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك هطول الأمطار الغزيرة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً