تابعنا
أقر الكونغرس الأمريكي حزمة مساعدات عسكرية جديدة موجهة لكل من أوكرانيا وإسرائيل. هذا في وقت يدق فيه ناقوس الخطر بشأن استنزاف هذه المساعدات مخزونات البلاد من الأسلحة والذخائر، واضعة إياها في موقف حرج مقابل تصاعد التوترات مع الصين.

بعد شهور من الانتظار، أقرَّ الكونغرس الأمريكي، يوم السبت 20 أبريل/نيسان الجاري، خطة مساعدات واسعة لصالح إسرائيل وأوكرانيا وتايوان، كان قد تقدم بها الرئيس جو بايدن، بعد حصوله على دعم الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، ما جعل منها خطة مرتقبة إلى حد بعيد.

وبلغت القيمة الإجمالية لحزمة هذه المساعدات نحو 95 مليار دولار، من بينها 13 مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل في خضم حرب الإبادة التي تخوضها ضد الفلسطينيين في غزة، وتهديدات حكومة نتنياهو باجتياح مخيم رفح المكتظ بالنازحين.

بالمقابل، يدق عدد من المراقبين ناقوس الخطر من أن يزيد هذا السخاء الأمريكي على حده، ويستنزف مخزونات البلاد من الأسلحة والذخائر، ما قد يجعلها في وضع حرج، خصوصاً في ظل تزايد التوترات مع بكين في بحر الصين الجنوبي.

مساعدات ضخمة

وفي ترويجه إيّاها، اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن حزمة المساعدات، البالغة 95 مليار دولار، توجِّه "رسالة واضحة بشأن قوة القيادة الأمريكية حول العالم"، وحض مجلس الشيوخ على التصديق عليها في أسرع وقت.

وحصلت أوكرانيا على حصّة الأسد من هذه المساعدات بقيمة 60.84 مليار دولار، من بينها 23 مليار دولار أسلحة وذخائر، و14 مليار دولار تمويلاً للتعزيزات الأمنية والاستخباراتية الأوكرانية، و11 مليار دولار لتمويل القوات الأمريكية التي تقدم الاستشارة العسكرية وتعمل على تدريب الجنود الأوكرانيين في أوروبا.

ورحّب الرئيس الأوكراني بهذه المساعدات، قائلاً إنها "ستُنقذ آلاف الأرواح وستُسهم في تعزيز أمن بلدَينا". بينما انتقدت موسكو الخطة الأمريكية، مشيرة، على لسان الناطقة باسم خارجيتها، ماريا زاخاروفا، إلى أنها "ستُعمق الأزمة حول العالم".

وبالنسبة لإسرائيل، التي حبتها الخطة بغلاف إجمالي من المساعدات فاق 26 مليار دولار، من بينها أكثر من 13 مليار دولار مساعدات عسكرية. وتوزع هذه المساعدات على نحو خُصّص به مبلغ 5.2 مليار دولار لتوسيع منظومة القبة الحديدية، و3.5 مليار دولار أسلحة متفوقة، ومليار دولار لصناعة الأسلحة الإسرائيلية.

ومرّت هذه الخطة من الكونغرس بموافقة 366 عضواً، بينما عارضها 58 عضواً، بمن فيهم 37 نائباً ديمقراطيّاً منتقداً لإسرائيل، و21 نائباً جمهوريّاً رافضاً مساعدة أوكرانيا.

"بالوعة" الأسلحة الأمريكي!

وبفعل خطة المساعدات الأخيرة، تؤكد الولايات المتحدة أنها أكبر داعم لأوكرانيا، إذ منذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط 2022، قدمت واشنطن ما يفوق 107 مليارات دولار من المساعدات العسكرية لكييف.

وكان المسؤولون الأوكرانيون قد حذّروا أكثر من مرة من النقص الشديد الذي يواجهه جيشهم في ما يخص الأسلحة والذخائر، وخلال الأسابيع الأخيرة قلّص الجيش الأوكراني استهلاكه للطلقات المدفعية إلى 2000 قذيفة في اليوم، في وقت كانت تطلق فيه القوات الروسية 10 آلاف قذيفة يوميّاً.

وفي تقديرات سابقة، كان الجيش الأوكراني يستهلك زهاء 10 آلاف قذيفة في اليوم خلال المحطات الساخنة من الحرب المستمرة لسنتها الثالثة.

نفس الأمر منطبق على إسرائيل، إذ سبق أن أشار لواء في قوات الاحتلال إلى أن جيشه يتعامل مع نقص في الذخيرة خلال حربه على غزة، ما أجبره على تطبيق إدارة محكمة في استهلاك تلك الذخائر.

وفي شهر مارس/آذار، قالت مصادر إسرائيلية إن جيشها لجأ إلى استخدام ذخائر قديمة تعود إلى سنوات الخمسينيات والسبعينيات، لمواجهة نقص الإمداد خلال الحرب على غزة، وهو ما تسبب في "كابوس" للجنود.

ومع ذلك، فمنذ الأيام الأولى لحرب غزة، عمدت الولايات المتحدة إلى تزويد الجيش الإسرائيلي بكميات ضخمة من الأسلحة والذخائر، بلغت بحلول شهر يناير/كانون الأول الماضي نحو 25 ألف طن. كما تحدثت تقارير صحفية عن سماح واشنطن لإسرائيل باستخدام مخزونات الأسلحة الاستراتيجية المنتشرة في التراب الإسرائيلي.

واشنطن في وضع حرج

ومع هذا السخاء الأمريكي في تزويد حلفاء من جهة، ومن جهة أخرى ارتفاع طلب هؤلاء الحلفاء على الأسلحة والذخائر، تسود مخاوف حول استنزاف هذه المساعدات الأمريكية مخزونات البلاد، ما قد يضعها في وضع حرج، في وقت تتزايد التوترات مع الصين.

ومنذ وقت طويل، دأب المسؤولون الأمريكيون على التعبير عن مخاوفهم بشأن إضرار حرب أوكرانيا بمخزونات الأسلحة الأمريكية. وفي صيف 2022، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عمّن وصفته بـ"المسؤول المطلع" داخل وزارة الدفاع الأمريكية، أن مخزون الجيش من القذائف المدفعية عيار 155 ملم يشهد انخفاضاً "مُقلقاً"، على حد قوله، مضيفاً أنه "حتى الآن المستويات ليست حرجة"، لكن "ليست بالمستوى الذي نرغب في خوض قتال به".

وترددت نفس المخاوف مع اندلاع الحرب في غزة، وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذّر مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية من أنه رغم اعتماد إسرائيل على قاعدة صناعية قوية وقادرة على إنتاج عديد من أسلحتها المتقدمة، فإن "حملة برية طويلة الأمد (على غزة) يمكن أن تستنزف مخزونات البلاد"، وهو السيناريو الحاصل حاليّاً.

وتتأكد هذه المخاوف، مع حديث البنتاغون عن صعوبة استبدال الأسلحة الاحتياطية، التي زودت بها الولايات المتحدة حلفاءها. وذكر مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية أن البلاد تواجه عجزاً في استبدال ما سلّمته إلى أوكرانيا من أسلحة، وهو يُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار.

وفي فبراير/شباط الماضي، عبّر أحد قادة سلاح مشاة البحرية الأمريكي عن قلقه بشأن استنزاف الحرب في أوكرانيا وغزة مخزونات السلاح الأمريكية، وتأثير ذلك في جاهزية البلاد خلال مواجهة أي تهديد عسكري لمصالحها في شرق آسيا أو المحيط الهادي. وأشار الجنرال كارستن هيكل، رئيس تطوير وتكامل القتال في المارينز، إلى التكاليف الباهظة لاستبدال الأسلحة الأمريكية المسحوبة من المخزون، مُعرباً عن قلقه من تأثير ذلك في استعدادات واشنطن في مواجهة خصومها، وعلى رأسهم الصين.

تأتي هذه المخاوف في وقت يتزايد التوتر في بحر الصين الجنوبي، إذ تجدَّدت خلال شهر مارس/آذار الماضي الصدامات بين البحرية الصينية والفلبينية حول المجال البحري المتنازع عليه.

وفي 11 أبريل/نيسان الجاري، احتضن منتجع كامب ديفيد قمة ثلاثية، جمعت جو بايدن بكل من رئيس وزراء اليابان ورئيس الفلبين، تعهد فيها الرئيس الأمريكي بتعزيز التعاون العسكري مع البلدين الآسيويين في مواجهة الصين، وهو تعهدٌ يضع الحديث عن استنزاف مخزونات السلاح الأمريكية محطَّ شكوك وأسئلة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً