تابعنا
وفق مكتب حالات الطوارئ والقدرة على الصمود التابع لمنظمة الأغذية والزراعة العالمي، فإن 17 مليوناً و700 ألف شخص في السودان يعيشون في حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد حتى أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى فبراير/شباط 2024.

خلَّفت الحرب الدائرة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان من العام الماضي 10 ملايين و700 ألف نازح داخل البلاد وخارجه، حسبما أوردت منظمة الهجرة الدولية في آخر تقاريرها، يعاني معظمهم احتياجات إنسانية حادة ونقصاً في الغذاء والمأوى.

وفي 2 من فبراير/شباط الحالي، حذّر برنامج الأغذية العالمي من كارثة جوع تَلوح في الأفق في السودان، وأشار إلى أن 18 مليون شخص يواجهون حالياً "الجوع الحاد" في جميع أنحاء البلاد، فيما يعاني نحو 5 ملايين شخص مستوياتٍ طارئة من الجوع الحاد، التي وصفها برنامج الأغذية العالمي بأنها المرحلة الرابعة من "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي".

غياب الطعام والمياه

تقول الشابة جميلة الحسن (اسم مستعار)، إنها وعائلتها يعانون شُحّ المياه والمواد الغذائية، وحتى الذين يملكون المال لا يستطيعون الوصول إلى السلع الغذائية بسهولة.

وتضيف جميلة لـTRT عربي أن الناس طوال فترة الأشهر الماضية يحصلون على وجباتهم اليومية من "تكيّة شمبات" التي يُحضِرون فيها ثلاث وجبات في اليوم.

والتكية في ثقافة الشعب السوداني هي أن يجتمع الناس في مكان واحد ويُعدّوا الطعام للجميع، ليأكل مَن يملك ومَن لا يملك، ومَن شارك في إعداده ومَن لم يشارك.

وتلفت الشابة السودانية -التي تقطن منطقة شمبات في الخرطوم بحري بولاية الخرطوم- إلى أنهم لا يجدون أسواقاً يحصلون منها على احتياجاتهم الغذائية، عدا سوقَي "شرق النيل" و"شرق النيل 24" اللتين تعدّان بعيدتين عن منطقة بحري.

وتشكو جميلة غياب المنظمات التي توزّع المواد الغذائية، مشيرةً إلى أن بعض الأسر وفّرت جزءاً من السلع، يبيعونه داخل المنازل، إلا أنهم عُرضة للسرقات والنهب.

وتُردف: "عقب أُحرقت السوق المركزية بمنطقة شمبات بالخرطوم بحري بالكامل بسبب الاشتباكات التي شهدتها المنطقة. أصبح الناس يتسوقون من مناطق (دردوق وحطّاب) ويواجهون صعوبات في النقل والمواصلات والتفتيش المتكرر في نقاط التفتيش المتعددة، مما يُعقِّد عملية نقل المواد الغذائية، فضلاً عن شكاوى السكان من غياب غاز الطهي".

وحول نقص مياه الشرب، أكدت جميلة أنه لمدة 10 أشهر لا يصلون إلى الماء الصالح للشرب، وأنه رغم وجود عدد من الآبار في المنطقة، فإنها جميعها غير صالحة للشرب، لافتةً إلى أن المعاناة ما زالت قائمة حتى اليوم رغم تطوع بعض شباب المنطقة الذين يجلبون المياه من البحر عبر سياراتهم الخاصة، لكنّ الحاجة ما زالت كبيرة.

أكل التكايا

ووفق مكتب حالات الطوارئ والقدرة على الصمود التابع لمنظمة الأغذية والزراعة العالمي، فإن 17 مليوناً و700 ألف شخص في السودان يعيشون في حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد حتى أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى فبراير/شباط 2024.

ويقول قيس عبد الرحمن (اسم مستعار)، إن معظم السكان ساءت ظروفهم عقب اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، إذ توقفت رواتب الموظفين فيما فقد آخرون عملهم.

وفي حديثه مع TRT عربي، يُبيّن عبد الرحمن -الذي يعمل في التكايا- أنه "كان هناك عدد من ميسوري الحال الذين يستطيعون شراء المواد الغذائية؛ ومن هنا نبعت فكرة (التكيّة)، حيث يُجهَّز الطعام في مكان واحد لتأتي كل أُسرة وتأخذ حصتها منه كل يوم".

ويضيف أنه قَبل هذه الفترة كان الناس يعتمدون على الإعانات التي تصل إليهم من ذويهم المقيمين خارج السودان، وحين تأزمت الأوضاع لجأ بعضهم إلى بيع ممتلكاتهم الخاصة؛ فلجأ الرجال إلى بيع كل متعلقاتهم الشخصية مثل السيارات وأثاث المنزل، ولجأت النساء لبيع حُليّهن من الذهب لشراء المؤن الغذائية.

ويشير عبد الرحمن -الذي يقطن منطقة أم درمان بالعاصمة الخرطوم- إلى أنه بعد أن أصبحت منطقة كرري في أم درمان تؤوي عدداً من المواطنين الذين فرّوا من بقية المناطق الأخرى التي تشهد اشتباكات، نشأت مبادرة من سُكان منطقة الثورة الحارة الخامسة لإعداد الطعام للأسر في مكان واحد، وكان ذلك في الشهر الثاني لاندلاع الحرب.

ويبيّن أن التكية توفر وجبة يومية لكل الأسر الموجودة في منطقة أم درمان الثورة الحارة الخامسة، وتوزَّع الوجبة يومياً الساعة السابعة صباحاً، مشيراً إلى أن التمويل الأساسي لهذه الوجبات يأتي من دعم الخيّرين من أبناء المنطقة الموجودين بالداخل وبعض المغتربين.

ويلفت عبد الرحمن إلى أن عدد الأسر أصبح أقل بسبب اقتراب الاشتباكات من المنطقة، وأن التحدي الذي يواجه مثل هذه المبادرات هو الاستمرارية بسبب ضعف التمويل أو توقفه، مؤكداً أن هذه المبادرة مستمرة حتى اليوم.

ويوضح أنهم يقسمون الأُسر إلى ثلاث فئات: أُسر صغيرة، ومتوسطة، وكبيرة، وتوزَّع الوجبات بناءً على حجم الأُسر لتجد كل أسرة كفايتها من طعام التكايا.

الإنتاج مقابل الاحتياج

وتؤكد منظمة أطباء بلا حدود أن نصف مليون لاجئ سوداني في تشاد في حاجة ماسّة إلى المساعدات الإنسانية، مشيرةً إلى أن الوضع قريب من الكارثة؛ بسبب عدم كفاية الوصول إلى الغذاء والمأوى.

وتدل المؤشرات الأولية على فجوة كبيرة بين الإنتاج المحلي من المحاصيل الزراعية وبين الاحتياج الكُلِّي للغذاء في السودان بعد خروج عدد من الولايات من الموسم الزراعي الصيفي بسبب الحرب، كولايات دارفور.

وأفاد رئيس لجنة إنجاح الموسم الزراعي الصيفي محمد عبد الرحمن، في مقابلة سابقة مع TRT عربي، بأن مجمل المساحات المزروعة في الموسم الزراعي الصيفي هو 31 مليون فدان تُزرع بالأمطار، من أصل 47 مليون فدان، مشيراً إلى خروج عدد من الولايات بسبب شُح الأمطار، مثل ولايات غرب وشمال كردفان، وخروج ولايات دارفور بسبب الحرب.

ويعاني نحو 3 ملايين طفل في السودان سوء التغذية الحاد سنوياً، خصوصاً بعد احتراق مصنع سيميل في الخرطوم الذي كان ينتج 60% من العلاجات الغذائية للأطفال الذين يعانون سوء التغذية، وفقاً لمنظمة يونيسف التي حذّرت من أن نحو 700 ألف طفل في السودان مهدَّدون بـ"أخطر صور سوء التغذية"، وعشرات الآلاف منهم معرَّضون للوفاة .

وتوجد الفئات السكانية الأكثر تأثراً بانعدام الأمن الغذائي في الولايات التي تشهد مستويات عالية من العنف المنظَّم، بما في ذلك ولايات دارفور الكبرى، وكردفان الكبرى، والخرطوم، خصوصاً في مناطق الخرطوم الثلاث: الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري، وفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

شبح المجاعة

فيما أبدت منظمات إنسانية محلية وإقليمية كثيرة قلقها الشديد تجاه أزمة نقص الغذاء التي يعانيها السودانيون، وكانت منظمة "مشاد" المحلية قد عبّرت عن مخاوفها من أن "شبح المجاعة بات يهدد كثيرين في مخيمات النزوح واللجوء".

وأعربت المنظمة في بيانها الصادر بتاريخ 5 من فبراير/شباط، عن قلقها بشأن تدهور الأوضاع الإنسانية بسبب تأثير الحرب في المدنيين.

وكشفت منظمة أطباء بلا حدود في تقرير لها مطلع فبراير/شباط الجاري عن "وفاة طفل نازح كل ساعتين في معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور غربي السودان"، داعيةً إلى توسيع نطاق الاستجابة الإنسانية بشكل فوري من أجل إنقاذ الأرواح.

TRT عربي