تابعنا
تكرر سيناريو المستشفيات الأخرى مثل الشفاء والإندونيسي في كمال عدوان، حيث اضطر الأطباء إلى دفن الشهداء في ساحات المستشفى في أثناء حصاره، لتأتي الجرافات الإسرائيلية وتنبش الساحات بعد اقتحامه وتجرف الجثامين في عملية حدثت في الظلام الدامس.

"أصعب مشهد عشناه كان إطلاق الكلاب الخاصة تجاه المحاصَرين داخل المستشفى ونهشها جسد أحد الجرحى، ما أدى إلى استشهاده لاحقاً، وسط حالة من البكاء والرعب.. أطفال ونساء وكبار سن.. لم نستطع تقديم شيء لهم".

بهذه الكلمات يروى الدكتور حسام أبو صفية لـTRT عربي تفاصيل اقتحام الجيش الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة، الذي بدأ بمطالبة الجيش الرجال دون سن 65 عاماً بالخروج من المستشفى رافعين أياديهم، وإجبار النازحين فيه بالقوة على خلع ملابسهم وحمل السلاح وتصويرهم على بوابات المستشفى لتبرير حصاره واقتحامه، مع العلم أن ما كان موجوداً بالمستشفى هو سلاح خفيف يعود إلى عناصر الأمن المسؤولين عن حماية المستشفى، وفق أبو صفية.

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أمس الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول إن الجيش الإسرائيلي أجبر مدير مستشفى كمال عدوان، أحمد الكحلوت المعتقل لديه، على "الإدلاء برواية تحت قوة الضرب والتعذيب".

جاء ذلك في بيان للوزارة تعليقاً على مقطع فيديو مسجل بثه الجيش الإسرائيلي عبر منصاته الرسمية، يظهر فيه الطبيب الكحلوت وهو يدلي باعترافات يقول فيها إنّ "حماس حوّلت المستشفى إلى منشأة عسكرية تخضع لسيطرتها".

جرائم مهولة

في اليوم الثاني للاقتحام طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الكادر الطبي إخلاء المستشفى عبر مكبرات الصوت، واعتقل عدداً منهم، على رأسهم مدير المستشفى الدكتور أحمد الكحلوت، فيما ظلّ الدكتور أبو صفية وبعض زملائه بالداخل لمتابعة حالة أكثر من 65 جريحاً مع مرافقيهم وأطفال خدّج في الحضانات.

ويقول الدكتور حسام أبو صفية إنه "في فترة حصار المستشفى استُشهد 12 جريحاً نظراً إلى إطلاق النار بشكل مباشر على الصيدلية المركزية وإحراقها وإطلاق النار على مولد الكهرباء وخزانات المياه كذلك".

ويشير إلى أن سيناريو المستشفيات الأخرى مثل الشفاء والإندونيسي تكرر في كمال عدوان، حيث اضطر الأطباء إلى دفن الشهداء في ساحات المستشفى في أثناء حصاره، لتأتي الجرافات الإسرائيلية وتنبش الساحات بعد اقتحامه وتجرف الجثامين في عملية حدثت في الظلام الدامس، وفي ظل وجود قناصة تستهدف كل من يتحرك داخل المستشفى، ليُفاجؤوا في صباح اليوم التالي بهول الجريمة وأنه "جرى سحق الجثث بالجرافات وإزالة خيام النازحين بمن فيها، نظراً إلى نداءات الاستغاثة التي سمعناها في ظل ظلام دامس، ولم نتمكن من مساعدتهم. هذه حرب إبادة لا خطوط حمراء فيها"، كما يروي الدكتور حسام أبو صفية.

بدورها تقول شروق الرنتيسي، الممرضة التي تعمل في قسم المختبر (بنك الدم)، إنّ "بعض الحالات خرج من جراحهم الدود، نظراً إلى قلّة الإمكانيات وانعدام المستلزمات الطبية واستهداف الصيدلية".

وتضيف الرنتيسي لـTRT عربي أنه في البداية كان الحصار خارجياً بمعنى محاصرة ساحات المستشفى، ثم شرعوا باعتقال المدنيين من داخله، ولاحقاً طالبوا الكوادر الطبية بالخروج واعتقلوا عدداً منهم، ومُنعت الحركة إلّا بأمر من الجيش ومَن يخالف ذلك يتعرض لإطلاق نار، وبعد اقتحام المستشفى جرى تجميع الموجودين من كوادر طبية وجرحى في طابق واحد.

وتلفت الرنتيسي إلى أنه "جرى ردم بعض الجرحى بالمبنى بعد التجريف، وحتى الشهداء في ساحة البوابة الغربية جرى تجريف جثامينهم".

تشارك الأطباء والمرضى ما تيسر من معلبات وماء في أثناء الاقتحام، ولم تتمكن شروق من التواصل مع أهلها إلا بعد انسحاب جيش الاحتلال من المستشفى وإعلانه انتهاء العملية العسكرية فيه.

خرج مستشفى كمال عدوان عن الخدمة وخرجت شروق وزملاؤها من المكان بعد أن أخلوا الجرحى، وتعمل الآن في النقاط الطبية التي يوجد فيها النازحون، وتقول إنها تحاول المساعدة قدر الإمكان.

مطالبات بفتح تحقيق دولي

من جهتها دعت وزيرة الصحة الفلسطينية الدكتورة مي الكيلة بتحقيق دولي في معلومات عن دفن جيش الاحتلال مواطنين أحياء في ساحة مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة.

وأضافت الوزيرة الكيلة في بيان صحفي أن المعلومات والشهادات من المواطنين والطواقم الطبية والإعلامية تشير إلى دفن الاحتلال مواطنين أحياء في ساحة المستشفى، وأن بعضهم شوهد حيّاً قبل حصارهم من قِبل الاحتلال.

بدوره طالَب مدير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده بفتح تحقيق دولي مستقل في معلومات عن دفن جيش الاحتلال الإسرائيلي مصابين ومواطنين فلسطينيين وهم أحياء في ساحة مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال غزة، الذي انسحبت منه قوات الجيش بعد 9 أيام من الحصار والاقتحام واقتراف فظائع مروعة.

ويضيف عبده لـTRT عربي أن المرصد تلقى شهادات وشكاوى من طواقم طبية وإعلامية تؤكد أن الجرافات الإسرائيلية دفنت فلسطينيين أحياءً في ساحة المستشفى قبل انسحابها منه، وكان بالإمكان مشاهدة أحد الجثامين على الأقل وسط أكوام الرمال، وسط تأكيد مواطنين أنه كان مصاباً قبل دفنه وقتله.

ويؤكد المدير العام لمؤسسة الحق شعوان جبارين أن ما جرى في كمال عدوان لا يخرج عن نطاق ما جرى في بقية مستشفيات القطاع، في إطار سياسة رسمية إسرائيلية في سابقة ليست فقط على المستوى الفلسطيني، بل على مستوى العالم الذي ربما شهد حوادث قصف عن طريق الخطأ أو بشكل مقصود، لكن ليس في إطار قرار عام وشامل يستهدف جميع المستشفيات بالقصف والاقتحام أو التعامل المسيء وغير الإنساني مع المرضى والطواقم الطبية واستخراج الجثامين والتمثيل بها.

وفي حديثه مع TRT عربي يشدد جبارين على أن المستشفيات محمية بشكل مطلق بموجب القانون الدولي الإنساني، مؤكداً أن ما شهدته مستشفيات قطاع غزة يمثل جريمة حرب موصوفة وثابتة في الممارسات الإسرائيلية.

"عقيدة جابوتنسكي"

ويقول الخبير العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات إنّ إسرائيل تتبع ما يُعرف بـ"عقيدة جابوتنسكي" التي ترى أن ما لم يتحقق بالقتل يتحقق بمزيدٍ من القتل، وصولاً إلى هدف تهجير الفلسطيني من أرضه.

ومن جانب آخر فإنّ هذا البطش الإسرائيلي يأتي في إطار استرداد الثقة لدى الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي لم تعُد تثق بجيشها.

ويرى عريقات في حديثه مع TRT عربي أن إسرائيل تواصل ارتكاب جرائمها هذه انطلاقاً من يقينها بعدم محاسبتها وأنها فوق القانون.

التنكيل بالجثامين.. ليست الحادثة الأولى

في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نُشر مقطع فيديو يُظهِر آلية عسكرية إسرائيلية تدهس بشكل متعمّد جثة فلسطيني بلباس مدني قضى خلال محاولته النزوح في قطاع غزة.

وكان الشاب يحاول عبور الممر الذي أعلن جيش الاحتلال عن تخصيصه (طريق صلاح الدين الرئيسي) لنزوح المدنيين الفلسطينيين من مدينة غزة وشمالها إلى الجنوب، إلّا أن الجنود قتلوه بأعيرة نارية ثم داسته الآلية العسكرية بغرض التمثيل بجثته.

وتعيد هذه المشاهد إلى الأذهان ما جرى مع الراحلة راشيل كوري قبل عشرين عاماً، وهي أول ناشطة سلام دولية تُسحَق تحت "جنازير" آليات الاحتلال العسكرية في رفح جنوب قطاع غزة، فيما كانت تتضامن مع الشعب الفلسطيني وتحاول منع هدم منازله.

وفي السادس عشر من مارس/آذار 2003 كانت الناشطة الأمريكية راشيل كوري، البالغة من العمر حينها 23 عاماً، تقف بمواجهة آلية عسكرية إسرائيلية جنوب قطاع غزة، لتتحرك باتجاهها وتسحق عظامها.

يُذكر أن وزارة الصحة في غزة أعلنت في 12 ديسمبر/ كانون الأول أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي القطاع بعد قصفه وحصاره عدة أيام.

ووصفت منظمة الصحة العالمية ما لحق بمستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة من "تدمير فعليّ" بـ"المفزع"، وجاء في منشور للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس على منصة إكس أنه "جرى اعتقال عديد من أفراد الطواقم الطبية، وتسعى منظمة الصحة العالمية وشركاؤها بشكل عاجل للحصول على معلومات حول وضعهم".

وانسحب الجيش الإسرائيلي صباح يوم السبت 16 ديسمبر/كانون الأول من مستشفى كمال عدوان، بعد أن دمَّر جزءاً من مبنى الإدارة والصيدلية ومخزن الأدوية، وعمل حُفَراً واسعة داخل ساحة المستشفى، بما في ذلك نبش مقبرة جماعية وُضعت بها جثامين 26 شخصاً تعذَّر دفنهم في المقابر بسبب القصف والعمليات البرية الإسرائيلية في أوقات سابقة.

ومساء 17 ديسمبر/كانون الأول أطلقت قوات الاحتلال النار تجاه ساحة المستشفى بالتزامن مع محاولة طاقم طبي من وزارة الصحة عقد مؤتمر صحفي لعرض تفاصيل الانتهاكات داخله.

وكانت القوات الإسرائيلية فرضت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حصاراً مطبقاً واستهدافاً مباشراً لمستشفيي الشفاء والإندونيسي، مما أدى إلى مجازر بحق المرضى وجرحى الحرب والطواقم الطبية والنازحين.

TRT عربي